&محمد الوايلي
&
&
&
لست أدري.. لماذا تلازمني هذه الجملة الفلسفية التي قذف بها الفيلسوف اليوناني العظيم «أرسطو» في أذن أحد تلاميذه..؟ الذي عاتبه قائلاً: لماذا يا أستاذي تبادلت الحوار مع كل تلاميذ درسك إلا أنا؟..
فأجابه أرسطو: أنت لم تتكلم.. كي أراك..!
إن هذه المقولة العظيمة تلازمني كلما تأملت واقع الحال في الوطن العربي النازف مدى الأيام والليالي. كيف لواقع الحال أن يتغير في شارع لا يعتريه سوى صمت الأجداث؟ ولا تتنفس في ربوع أبعاده سوى المذلة والخضوع، ولا يقطن نفوس أبنائه سوى خوف مزمن من ماضٍ لا يمكن أن يعود بأمجاده، وحاضر يهرب من بين الأصابع كالماء، ومستقبل لم تستطع العقول التي أدمنت اسطوانة الأمس تأمله أو استشرافه أو التخطيط من أجله..
لماذا لا يتأمل إنساننا تلك الصقور المتمتعة بإرادة القوة التي تدفعها إلى أعالي السماء لتهون وتصغر في عيونها الفرائس؟!
لماذا نذرف الدموع على الجرائم التي يرتكبها أعداؤنا بحقنا؟.. ولا نمتلك سوى إباحة دماء الكلمات التي جردت من معانيها حتى بدت كالأشباح في عقل طفل بريء لم يستطع أبواه إضاءة شمعة في ليل حياته الطويل..
لماذا يعيش إنساننا عبداً منذ ولادته وإلى مماته؟.. وبلغ الدرجة التي لا يستطيع معها التفكير بحرية حتى ولو كان يقف وحيداً على أبعد شاطئ منسي في هذا العالم..
لماذا ننكر الحقائق التي يكشف عنها النور ونستولد الحقائق المزيفة التي لم تعد تقنع العقول المتحررة من سطوة القديم والحديث معاً؟!
لماذا نكذب ونجامل وننافق أو نصمت على الأخطاء التي لن تقودنا إلا إلى عالمٍ مليء بالوحشية والعراك وانعدام الإيمان بالعدل والأخلاق؟!
إن خطيئة المفكر الصامت تفوق كل خطايا الجهلة المتحدثين.. كما أن الشاعر المنافق لن يستطيع أن يشيد سوى صرح من القبح.. لأن الجمال روح لا تسكن سوى الأجساد الطاهرة والقلوب النقية..!!
لماذا لا نلتصق بالواقع كي نعي أين نحن؟.. ومن ثم نتجه إلى حيث نريد..
لماذا نرقص جميعاً على شريط الزمن.. من أجل أن نهدر الوقت الثمين على عتبات النفاق التي لا تصنع وطنناً أو إنساناً..؟
إن الإيمان والحضارة هما ثمرتان من ثمار الفكر.. فإن تحضّر الفكر تعمق الإيمان وازدهرت الحضارة.. وإذا انحدر الفكر فلن نرى سوى مجتمع ينحدر بأكمله إلى الضعف والتمزق والجهل والمرض والفقر..!!
إن المجتمعات التي تنشأ على النفاق ستظل دائماً وأبداً أسيرة التخلف، ويتضح ذلك من خلال زوال نفوذها وبحثها عن هويتها المفقودة، وهروبها الدائم من مواجهة المستقبل إلى أحضان جدها الحنون «الماضي».
والأمة التي تعيش على مشارف القرن الحادي والعشرين وما زالت تفكر بعقلية الجاهلية.. لن يكون لها أمل في رفاه العيش وعزة الحياة ما لم تقف مع نفسها وقفة حازمة من أجل تحديد أهدافها ووسائلها وأدواتها لتستطيع المنافسة في عالمٍ يحكمه العقل أولاً والقوة ثانياً.. والنظام ثالثاً..
إن الجبان لا يعيش مرتين، فلماذا أيها العربي الحبيب الكبير نموت مئات المرات في اليوم الواحد..؟..
لماذا نحبك أيها الوطن..؟..
سؤال لا يدرك إجابته إلا قليل من الناس.. فحبُّ الوطن يبقى دائماً وأبداً أكبر من الموت وأجمل من المعاناة.. وأعظم من كل الاجابات..