د. خالد منتصر
&
&
[ الفقهاء المسلمون يرفضون أن تكون الآنسة رشا رئيسة جمهورية أو مدام فاطمة خليفة للمسلمين !، وذلك لأن المرأة حرام عليها وممنوعة شرعاً أن تتولى الولاية الكبرى، فهذه هى المهنة التى لم يسمح الفقهاء للمرأة المسلمة بالإقتراب منها أو المطالبة بها فى أى مكان أو زمان، ولم يتسامحوا فيها تحت أى ظرف، وكان من المسموح الفصال والجدل فى أى شئ متعلق بعمل المرأة إلا حكاية هذا المنصب الحساس والخطير فمن يشجعها على ذلك فهو زنديق ومنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمن وجهة نظرهم أنه من غير المعقول بل من المستحيل أن يسمح الرجال المسلمون لإمرأة تحمل تاء التأنيث وتنتسب إلى طائفة ذوات العقل الناقص والقوامة المنقوصة والمشاعر المضطربة أن تحكم وتتحكم وتأمر وتنهى وتدخل فى مفاوضات وتوقع معاهدات وتتحاور فى زمن السلم وتتآمر فى وقت الحرب وتشكل وزارات وتقيل حكومات وتدشن موانئ وتخضر صحارى وتوزع عطايا وتفسخ عقوداً... الخ، وتناسى الأتباع والمريدون المعاصرون لهؤلاء الفقهاء أن المرأة التى إسمها جولدا مائير دوخت زعماء المسلمين وحكامهم ذوى الشنبات زمناً طويلاً حتى جاء نصر أكتوبر ليمنحهم فرصة الثأر، وأن واحدة من الحريم إسمها أنديرا غاندى شاركت فى بناء أعظم وأهم ديمقراطية فى آسيا، وأن الست مارجريت تاتشر لم تخنها أعصابها ولو للحظة وهى توقع أمراً قاسياً وشرساً بضرب التمرد فى جزر الفوكلاند... ، مارس الشيوخ هواية الطناش على دلالات هذه الأحداث وتهاوى حججهم فى أن المرأة حنونة وعاطفية وتخشى إتخاذ القرار، وظلوا متمسكين برأيهم الحجرى فى أن المرأة على أقصى تقدير تصلح مرؤوسة لارئيسة ومفعول به لافاعل هذا إن سمحنا لها بالخروج من جدران بيتها وشرنقة عزلتها ومنفاها الإجبارى من أصله.
[ إستقبل المسلمون خبر الفتوى التركية التى تجيز تولى المرأة لمنصب رئاسة الدولة بإندهاش وإستنكار شديدين، وإعتبروا يوم 24/5/ 2003 وهو يوم إصدار الفتوى يوماً مشئوماً، ولكن سرعان ماأقنعوا أنفسهم بأن السبب فى ذلك هو أن تركيا دولة علمانية لاجدية لفتاويها بالرغم من صدور الفتوى من أعلى جهة دينية هناك، وبنفس درجة الإستنكار قوبل خبر ترشيح إمرأة إيرانية لمنصب الرئاسة هناك فىإنتخابات 2001، ولكن سرعان ماتسلل الإطمئنان إلى قلوب فقهاء السنة بعد إقتناعهم بأن هذه مجرد فرقعات إعلامية من أتباع المذهب الشيعى الملئ بالتقاليع من وجهة نظرهم، ولكن إلى ماذا إستند علماء المسلمين وفقهائهم فى عدم وجوب تولى المرأة منصب رئاسة الدولة؟.
[ إعتمد الفقهاء على الحديث المذكور فى البخارى والذى رواه أبو بكرة قائلاً :"لقد نفعنى الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلعم- أيام الجمل (يقصد موقعة الجمل بين عائشة وعلى بن أبى طالب ) بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال :لمابلغ رسول الله_صلعم_ أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال :لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة "، وأعتقد أن أبو بكرة بهذا الحديث أراد أن يبرر موقفه ويريح ضميره أكثر منه يريد إعطاء موعظة دينية أو لنقل إعطاء نصيحة نبوية، وذلك لعدة أسباب درستها الباحثة فاطمة المرنيسى فى كتابها الحريم السياسى، والحديث تدور حوله عدة أسئلة وشكوك منطقية منها :
1- لماذا لم يتذكر راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة؟، وبعد أن تأكد أن السيدة عائشة قد فقدت بريقها السياسى حيث قتل ثلاثة عشر ألفاً من أنصارها فى ساحة المعركة، وإسترجع على السيطرة على البصرة وإستقر الأمر له؟!، أليس هذا نوعاً من التبرئة السياسية لمن وقف على الحياد ولم يؤازر المنتصر وفى نفس الوقت لم يقف إلى جانب حبيبة رسول الله أم المؤمنين، فأحياناً يكون الحياد أو اللاموقف محسوباً على الشخص أكثر من الإنحياز نفسه.
2- تاريخ أبو بكرة ملئ بالثغرات التى تجعله يريد الحفاظ على موقعه الإجتماعى الجديد كواحد من أعيان البصرة ويعض عليه بالنواجذ، فالإسلام منحه الثروة والأهم منحه الهوية، فقد كان مجرد عبد حتى إسم أمه عليه خلاف فى كتب التاريخ، وقصة إسلامه خالية من الإقتناع الإيمانى واليقين العقائدى، فقد أسلم بعد حرب حول حصن الطائف وعد فيها النبى كل من يترك الحصن بالحرية، وسرعان ماهبط أبو بكرة من الحصن حتى يحصل على الحرية والأمان وليس حباً فى وإقتناعاً بالدين الجديد، والحفاظ على كل هذه المكاسب التى حصل عليها هذا الرجل من الممكن أن تدفعه إلى إختراع حديث ينقذ به نفسه من هذا الوضع الذى لايحسد عليه.
3- هل من المعقول أن نعتمد فى حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده فى عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف؟!، فقد شهد على شخصية سياسية مرموقة هى المغيرة بن شعبة فى واقعة خطيرة وهى الزنا وتشكك عمر فى شهادته فطبق عليه الحد، ألا تستدعى تلك الحادثة أن نتشكك فى هذا الحديث؟، السؤال موجه إلى كل الفقهاء الذين إعتمدوا عليه فى نفى المرأة من جنة الولاية.
4- بفرض صحة هذا الحديث لابد أن نفهمه على أنه وصف لحادثة بعينها، وأيضاً لابد من فهمه فى ضوء الأحاديث السابقة عن فارس وكسرى، فالحديث بهذا الشكل هو تكملة لقصة كسرى الذى مزق كتاب النبى صلعم- فسلط عليه إبنه فقتله ثم قتل إخوته وإنتهى الأمر بموته مسموماً فأخذت الولاية إبنته بوران، وكان الرسول قد دعا من قبل حين مزق كتابه أن يمزقوا كل ممزق ولذلك كان حديثه عن عدم فلاح قوم فارس إستكمالاً للدعاء السابق، أو بحسب عبارة الباحثة السياسية هبة رؤوف عزت حين وصفت هذا الحديث بأنه "يدخل فى إطار الإخبار والبشارة لا فى باب الحكم الشرعى".
[ كانت الأسئلة السابقة محاولة لمناقشة السند بشكل عقلانى بعيداً عن الشكل الببغائى الذى يردد القديم بدون مناقشة، ولكن ماذا عن المتن؟، هل له أصداء أوبالأصح أصول قرآنية أدان فيها القرآن حكم المرأة وتوليها مقاليد البلاد؟، أعتقد أن العكس صحيح ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى إمرأة وقارنوا بين هذه الإشادة وبين إدانته لحاكم آخر رجل وهو فرعون الطاغية، فقد قال القرآن على لسان ملكة سبأ الحكيمة الذكية الليبرالية التى أفلحت وأفلح قومها حين وصلها كتاب سليمان "ياأيها الملأ أفتونى فى أمرى ماكنت قاطعة أمراً حتى تشهدون "، إنها قمة الديمقراطية فى عصر لايعرف إلا الطغاة، فكيف بالله عليكم يتحدث القرآن عن إمرأة حاكمة بهذا الشكل الرفيع ونأتى نحن الآن لنقول أنه لايجوز وحرام على المرأة أن تتولى الحكم، ألم يكن جديراً بالقرآن أن يردد هذه النغمة بدلاً من تصيد الأحاديث من هنا وهناك؟!، أعتقد أن مثل هذا التكريم وسام على صدر هذا الدين وفى نفس الوقت ضربة قاضية لكل من ينظر إلى المرأة على أنها كائن غير مؤهل إلا للقهر.
[ لم يقتنع الفقهاء بمثل هذه الأدلة العقلية، ومادام باب الإجتهاد قد أغلق منذ ألف سنة فإن فرصة قفز الفتاوى المفخخة من النافذة المفتوحة سداح مداح على البحرى متاح ومباح !، ولنقرأ سريعاً ماذا قال الفقهاء القدامى والمعاصرون عن هذه القضية لكى نتأكد من أن المسألة مسألة ثقافة وعرف إجتماعى يمجد الذكر أكثر منها إقتناعاً دينياً ودفاعاً شرعياً، وكان ملخص ماإستندوا إليه أنه لايجوز لها الإمامة والقضاء فكيف يجوز لها الولاية الكبرى، فنقرأ فى تبصرة الأحكام فى الفقه المالكى الذكورة من شروط القضاء، وجاء فى الأحكام السلطانية للماوردى فى الفقه الشافعى الشرط الأول لولاية القضاء أن يكون رجلاً، ونقرأ لإبن قدامة فى الفقه الحنبلىهذه العبارة التى تقول لنا فى هذا الصدد حديث ماأفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة، أما الفقه الحنفى فقد أمسك العصا من المنتصف وأجاز قضاء المرأة فى غير الحد أو القصاص ففتح ثغرة بدلاً من أن يغلقها ويحل إشكالاً، أما صوت الطبرى وإبن حزم وإبن رشد الذين أجازوا للمرأة أن تحكم فقد كان واهناً ضعيفاً لايمثل تياراً عاماً أو قوياً فقد كانوا كمن يؤذن فى مالطة ويصرخ فى البرية ولامن مجيب، وبالطبع إنتصر صوت الفقهاء الذين نفوا المرأة وقننوا قهرها، فآمن بآرائهم السواد الأعظم من رجال المسلمين نظراً لأنه لاقى هوى فى نفوسهم، والكارثة أن نساء أيضاً روجن لهذه المقولة نتيجة تزييف الوعى الشديد والرهيب الذى فعله الإلحاح الفقهى والإعلامى والإجتماعى فى أمخاخ النساء، وهاهو حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين ينكر على المرأة إساساً حق الإنتخاب فمابالك بحق الرئاسة والحكم، فهاهو يقول فى حديث الثلاثاء ص 370 "أما مايريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الإنتخاب والإشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين "، وبهذه المناسبة نذكر الإخوان بأن ترشيحهم للنساء خيانة لمبادئ زعيمهم حسن البنا وهذا دليل على أن إقتناعهم بترشيح المرأة مجرد تكتيك سياسى وليس إقتناعاً دينياً !.
[ عندما قدم القرضاوى دليلاً على إجازة ترشيح المرأة لنفسها فى المجالس النيابية ذكر دليلاً متهافتاً يدل على التردد أكثر منه الإقتناع الداخلى، ويؤكد على أنها ليست حكاية مبدأ فهو يقول فى فتواه ليطمئن بها الرجال " عدد النساء اللائى يرشحن للمجلس النيابى سيظل محدوداً، وستظل الأكثرية الساحقة للرجال وهذه الأكثرية تملك القرار وهى التى تحل وتعقد فلامجال للقول بأن ترشيح المرأة للمجلس سيجعل الولاية للنساء على الرجال !!، وهكذا غسل القرضاوى يديه من دم المرأة بفتوى بهلوانية لانعرف منها هل هو مع الترشيح أم ضده؟، ولم يرد فيها على سؤال هام وهو ماذا نفعل إذا حدثت الصدفة أو الكارثة وتكون مجلس أغلبيته من النساء وإنتخب منه إمرأة رئيساً للجمهورية، وقدم مفكرون إسلاميون آخرون حججاً لعدم ولاية المرأة مثل أن هذه الولاية ستجعلها تختلط بالناس ولاتقر فى بيتها كماهو المفروض، ومنها أنها ستهمل أسرتها، وأنها لن تستطيع حفظ الدين وتحصين الثغور وإمامة المصلين... الخ (راجع بحث د. هبة رؤوف عزت )، قالوا كل هذا وأكثر متغاضين عن الظروف الإجتماعية التى شكلت هذا المفهوم عن المرأة والذى يلخصه قول عمر بن الخطاب والمذكور فى كتاب الدستور القرآنى فى شئون الحياة لمحمد عزة دروزة فقد قال الفاروق عمر "كنا لانعد النساء شيئاً، فلماجاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن حقاً من غير أن ندخلهن فى شئ من أمورنا "، أى بصريح العبارة كانت النساء مجرد متاع مثلها مثل الدواب ولذلك فأى تقدم ولو بسيط فى الإعتراف بها إجتماعياً حينذاك كان يعد إنتصاراً مظفراً، ولذلك أيضاً فلم يكن من الممكن أن يتيح لها الإسلام فجأة وبدون تدرج كل المكاسب دفعة واحدة، إذن فمطالبتها الآن بحقوقها المتأخرة المسكوت عنها ليست خروجاً عن الدين ولكنها مطالبة بتسديد فواتير متأخرة ومؤجلة هى من صميم وجوهر الدين ولكن للأسف يحول بينها وبين تسديد هذه الفواتير والحصول على تلك المكاسب بخل المجتمع الذكورى وعناده وجهله أيضاً.
&
&
التعليقات