&سعد داود قرياقوس
&
&
&
حين تلجئ قوَّات الاحتلال المدجَّجة بأسلحة الدمار الشامل إلى قلع الأشجار فزعًا من رقصات أوراقها وتمايل فروعها، فإنَّها البشارة بقرب الهزيمة وسقوط القناع عن وجه الاحتلال البشع. وحين يضطر الرئيس الأمريكي والقائد العام لأعظم قوَّة عسكريَّة تدميريَّة على وجه الكرة الأرضيَّة، وبكلِّ ما هو متاح له من وسائل حماية وطائرات ودبَّابات وأقمار صناعيَّة ومئات الألوف من الجنود، وقدرات استخباريَّة وتكنولوجيَّة هائلة إلى الدخول خلسة وبشكل ذليل إلى قاعدة عسكريَّة أمريكيَّة في إطراف بغداد تحت جنح الظلام وبخوف واضح، فإنَّ ذلك اعتراف بفعَّالية المقاومة الوطنيَّة وقدراتها.
&هذه الزيارة بتفاصيلها المخجلة، عكست حجم الهاجس الأمني لسلطات الاحتلال وقناعتها بإمكانيَّات المقاومة العراقيَّة وقدرتها على الوصول إلى أهدافها. هذا الهاجس ليس وليد تقديرات عسكريَّة وأمنيَّة خاطئة بقدر كونه وليد حسابات عسكريَّة دقيقة مستندة على محصلات المواجهة اليوميَّة مع عناصر المقاومة العراقيَّة، وعلى التطور الملحوظ في سياق عمل المقاومة وقدراتها القتالية والتي عبَّرت عنها الضربات المؤثرة التي تلقَّتها القوَّات المحتلَّة وتكبَّدت من جرائها خسائر ماديَّة وبشريَّة كبيرة، ولا سيَّما عمليَّة إسقاط الطائرات العموديَّة وإصابة طائرة الشحن الأمريكيَّة في الأسابيع الأخيرة.
لقد حقَّقت المقاومة العراقيَّة خلال مدَّة قصيرة من الزمن إنجازات كبيرة، ونجحت في تجاوز تداعيات صدمة الاحتلال الأمريكي للعراق، وتخلَّصت من الانكسار النفسي لسقوط العاصمة الخالدة بيد المغول الجدد، وتمكَّنت أيضا من اختزال العديد من مراحل التطوُّر والبلورة التي مرَّت بها العديد من تجارب المقاومة الوطنية تاريخيًّا. الواقع أنَّ المقاومة العراقيَّة استطاعت أن تحقِّق في أشهر ما عجزت عن تحقيقه في سنين حركات تحرُّر وطني عريقة كالمقاومة الجزائريَّة، حيث انتقلت خلال أسابيع قليلة من مرحلة التعرُّض الفردي لقوَّات الاحتلال إلى مرحلة الالتحام المباشر مع فصائل العدو وملاحقة قيادته في المدن الرئيسة.
والمثير أنَّ فهود الرافدين قد حقَّقوا تلك القفزات على الرغم من التفوُّق الهائل لقوَّات الاحتلال عسكريًّا وماديًّا، وفي ضل التفاوت الكبير في القدرات السياسيَّة والإعلاميَّة والتكنولوجيَّة، وانعدام مصادر الدعم العسكري والسياسي والإعلامي الإقليمي والدولي، وبالإضافة إلى تعقيدات المشهد السياسي العراقي.
و بالرغم من كل ما تتعرَّض له من حملات تشويه الهويَّة وتحريف الأهداف، وإلصاق تسميات وصيغ طائفيَّة مشوَّهة، فإنَّ المقاومة الوطنية وقيادتها استطاعت فرض خياراتها على الواقع السياسي العراقي، وأن تكون المعادلة الأصعب في الهيكل السياسي العراقي. ولن نجانب الصواب إذ ما طرحنا بأنَّ المقاومة وبرنامجها الوطني الهادف لتحرير العراق من مخالب الاحتلال ومخططاته الشريرة، ستنطلق في المرحلة المقبلة لتشكل الخيار الوطني الاستراتيجي الوحيد للجماهير العراقيَّة المطالبة بالإنهاء الفوري للاحتلال.
إنَّ التحدِّي الأكبر الذي تواجهه المقاومة الوطنية العراقيَّة خلال المرحلة المقبلة، يكمن في ضرورة بلورة برنامجٍ سياسيٍّ وطنيٍّ واضح وجامع لكلِّ الفصائل السياسيَّة والاجتماعيَّة، ومعالجة محاولات إلصاق مسئولية عمليَّات موجَّهة ضدَّ أهداف مدنيَّة بها، لغرض زعزعة أمن العراق واستقراره، وتشويه برنامج المقاومة وخلق عوازل وفجوات بينها وبين أبناء الشعب العراقي، المغذِّي الوحيد للمقاومة ومصدر قوتها وهدفها النهائي.
الملاحظ أنَّ تطوُّر عمليَّات المقاومة وصيغها واتِّساع رقعتها الجغرافيَّة مؤخرا قد أدَّت إلى إحداث تطوُّرات في صيغ التعامل الإعلامي الأمريكي الرسمي مع هذه المتغيِّرات، فاضطر المسؤولون العسكريُّون الأمريكيُّون مؤخَّرًا إلى الاعتراف الضمني بحجم المقاومة وهويَّتها، والاعتراف بعدد أكبر من العمليَّات مماثلة بالمرحلة السابقة التي حاولوا فيها التقليل من عدد العمليَّات ونوعها. كما اضطر قادة الاحتلال العسكريُّون والمدنيُّون أيضًا إلى الاعتراف بالهويَّة العراقيَّة للمقاومة، وبعدم وجود ما يثبت علاقتها بالتنظيمات العربيَّة والإسلاميَّة التي تصفها الإدارة الأمريكيَّة بـ "الإرهابيَّة".
المثير للشفقة والرثاء أنَّه في الوقت الذي يعترف فيه القادة العسكريًّون والخبراء الاستراتيجيُّون بفعَّالية المقاومة وتصاعدها وتجاوزها عقبات المراحل الأوليَّة للتكوين بسرعة، ونجاحها في تشكيل تنظيمات متطوِّرة ذات قدرات استطلاعيَّة وهجوميَّة، ما يزال بعض الكتَّاب العراقيُّون والعرب مصرِّين على تحجيمها وإلصاق النعوت الطائفيَّة بها وحصرها في مناطق جغرافيًّة ذات تركيبة اجتماعية معينة. هذا الإصرار يدفعنا للتساؤل عمَّا سيؤول إليه موقفهم إذا ما التحقت النجف والبصرة والمشخاب والعمارة بالفلوجة والضلوعيَّة وسامراء وبغداد والمقداديَّة، وتوسعت رقعة المقاومة لتشمل كل شبر من ارض العراق الكبير؟
لا شكَّ في أنَّ هذه المحاولات ليست إلاَّ محاولات يائسة وخائفة من قدوم ساعة المواجهة الحتميَّة باندحار الاحتلال وعودة العراق إلى سيطرة المخلصين من أبنائه، شيعة كانوا أم سنَّة، عربًا أم أكرادًا أم تركمانًا، مسلمين كانوا آم مسيحيِّين. محاولات لا يمكن أن تكون إلا نتاج الخوف من خسارة المكاسب وفشل نظريَّات الكتابة على رمل شواطئ الاحتلال، واندحار مخطَّطات تقسيم العراق وهزيمة مشروع دول الطوائف.
تتصاعد المقاومة ويتنكَّرون بسذاجة لهذا التصاعد، لا بل ينكرون وجودها وشرعيَّتها. هل حقًّا أنَّهم عاجزون عن قراءة هذه العناوين الكبيرة؟
* مطالبة أعضاء مجلس الحكم بدروع واقية وعربات مصفَّحة خوفًا مع عزلتهم التامة.
* تراجع عدد من الدول عن إرسال قوَّاتها للمساهمة في تدويل احتلال العراق، وإعلان الأخرى عن عزمها على سحب قوَّاتها في حالة تعرُّضها لهجمات المقاومة العراقيَّة.
*هروب منظَّم لقوَّات البطاقة الخضراء وعدم التحاق بعض المجازين في وحداتهم. مع تذمُّر واسع وحالات انتحار معترف بها.
* حملات المداهمة والاعتقال الواسعة اليوميَّة، وعزل مدن بكاملها بحثًا ن عناصر المقاومة.
*إلغاء الرحلات المدنيَّة الجويَّة من العراق وإليه، وإغلاق المطارات العراقيَّة، ومفاتحة إيران لاستخدام مطار عيلام كنقطة استقبال للرحلات الجويَّة المدنيَّة المتوجِّهة للعراق.
* فشل مؤتمر مدريد وعزوف كامل للشركات غير الأمريكيَّة عن القدوم إلى العراق والاستثمار في مشاريع سلطات الاحتلال وإعلان عدد من الدول تجميد مساهمتها.
* تقليص عدد من البعثات الدبلوماسية لحجم كادرها الوظيفي وإغلاق بعضها.
* انسحاب شبه تام لمنظَّمات الأمم المتحدة وهيأتها، ومنظَّمات دوليَّة أخرى.
*استمرار العزلة الأمريكيَّة الدوليَّة وفشلها في تحريك الموقف الدولي لصالحها واتِّساع الشرخ الأطلسي.
* عزوف رجال جهاز الشرطة المشكَّل من قوَّات الاحتلال على الاستمرار في الخدمة.
* استخدام الطائرات الحربيَّة المتقدِّمة في عمليَّات التصدِّي للمقاومة ووقف هجماتها، والقصف الوحشي للمدن بالطائرات والصواريخ الموجَّهة بالأقمار الصناعيَّة، واستخدام مكثَّف للدبَّابات في تنفيذ الدوريات العسكريَّة التقليديَّة.
* ردود فعل هستيريَّة وتطبيق الأسلوب الصهيوني في هدم المساكن وهدم القرى التي تنشط في محيطها المقاومة.
* قصف مستمر شبه يومي لمقارِّ القيادة المدنيَّة والعسكريَّة للاحتلال بالمدفعيَّة والصواريخ المتقدِّمة والبعيدة المدى.
* إسقاط طائرات عسكريَّة متطوِّرة وإجبار سلاح طيرن المحتلِّين إلى تغير نمط الطيران.
* تدمير آليَّات مدرَّعة وعربات ودبَّابات بشكل يومي ومستمر.
* الوصول إلى المقارِّ الرئيسة للقوَّات الأجنبيَّة وتدميرها.
* انسحاب القوَّات الأمريكيَّة من مواقع عسكريَّة إثر تعرُّضها للهجمات الصاروخيَّة المستمرِّة.
* مطاردة نائب وزير الدفاع الأمريكي ولفيويتز في فنادق بغداد ومقارِّ قوَّات الاحتلال.
* انسحاب شبه كامل للقوَّات المحتلَّة من مدن رئيسة، والتمركز في إطرافها بعد عجزها عن السيطرة على عمليَّات المقاومة فيها.
* اعتراف قيادة الاحتلال العسكرية بارتفاع معدَّل العمليَّات اليوميَّة التي وصلت خلال الأسبوعين الأوَّلين من شهر تشرين ثانٍ (نوفمبر) إلى أكثر من خمسين عمليَّة يوميًّا.
&* مدن عراقيَّة شبه محرَّرة نهارًا ومحررَّة بالكامل ليلاً.
&* اضطرار الإدارة الأمريكيَّة لإحداث تغيرات جذريَّة في خطَّة الاحتلال، وتقديم تنازلات سياسية كبيرة، وبداية ظهور ضغوط داخل الولايات المتَّحدة تطالب بسحب القوَّات وإنهاء الاحتلال.
* مواجهات عسكريَّة جماعيَّة عنيفة وطويلة نسبيًّا والبدء في محاصرة الدوريَّات الأمريكيَّة، وإعداد كمائن عسكريَّة منظَّمة واضطرار قوَّات الاحتلال لاستخدام سلاح الطيران والمدفعيَّة الثقيلة لمواجهتها.
* كمائن ناجحة وفعَّالة لعناصر الاستخبارات الأجنبيَّة.
* وأخيرًا، اضطرار الرئيس الأمريكي الشجاع بوش لزيارة جنوده المنهارين معنويًّا ونفسيًّا خلسة بشكل مخجل لمدَّة قصيرة خوفًا من ضربات المقاومة العراقيَّة.
&ويقولون: فلول!