أحمد عبدالعزيز من موسكو: عشية الانتخابات البرلمانية الروسية، أعلنت القناة الرسمية الحكومية في التلفزيون الروسي (إر. تي. إر) أن حكومة روسيا "اخترعت" أجهزة لإحصاء أصوات المنتخبين في التو واللحظة. وسوف يتم مراقبة جميع الدوائر الانتخابية في جميع أنحاء روسيا الممتدة على قارتين. وأضاف المذيع بأن هناك أكثر من 130 دائرة انتخابية في جميع أنحاء العالم، حيث يتواجد المواطنون الروس وموظفي السفارات وعائلاتهم. وقال مذيع التلفزيون الحكومة الروسي "ويمكن أيضا لمواطنينا في إسرائيل أن يفرحوا نظرا لتوفير الإمكانية بالتصويت في الانتخابات البرلمانية الروسية في السابع من ديسمبر الجاري". ثم انتقل إلى فقرة أخرى أعرب فيها عن أسفه لأن لجنة الانتخابات في روسيا قامت بـ "تقسيم" إسرائيل إلى 3 دوائر انتخابية، معلنا بذلك عن امتعاضه لتجرؤ المركز في موسكو على تقسيم "دولة إسرائيل" ذات السيادة والحدود المرسومة بدقة. واختتم تقديمه لتقرير مراسلهم ألكسي باشكوف من "تل أبيب" بقوله: وهناك أيضا دائرة في "قطاع غزة" حتى تتوافر كل الإمكانيات لمواطنينا في "إسرائيل" بالإدلاء بأصواتهم.
وطل مراسل القناة الحكومية بالتلفزيون الروسي ألكسي باشكوف بلحيته الحاخامية المجيدة ليعلن أن عدد مواطنينا الذين سيشاركون من "الأرض المقدسة" في الانتخابات البرلمانية يبلغ 100 ألف شخص، إضافة إلي الدبلوماسيين وأسرهم، وبعض السياح الروس "بالأراضي المقدسة". وشدد المراسل علي أن هناك دائرتين انتخابيتين، وليس 3 كما قدم المذيع، في إسرائيل. ثم أضاف بأن هناك أيضا دائرة انتخابية في ما يسمي بـ "قطاع غزة" من أجل أن يتمكن المواطنون الروس "في إسرائيل" من المشاركة في التصويت على نواب البرلمان الروسي.
المعروف أن القناة الحكومية (إر. تي. إر) في التلفزيون الروسي هي القناة الرسمية في روسيا الاتحادية. وإذا كانت هناك قنوات أخرى بهذا التلفزيون تعلن عن ولائها الكامل لإسرائيل، بل وفي أحيان كثيرة تكون إسرائيلية أكثر من التلفزيون الإسرائيلي نفسه، فقناة (إر. تي. إر) تثبت يوميا للمواطن الروسي قبل الإسرائيلي بأنها أكثر ولاء من القنوات الأخرى، بل ومن التلفزيون الإسرائيلى شخصيا. بل وأحيانا يصل الأمر في هذه القناة "المدهشة" إلى معاداة السياسة الخارجية الروسية تجاه الدول الأخرى، وبالذات دول الشرق الأوسط، ووسط آسيا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة. ويذكر أن مدير هذه القناة حاليا نيقولاي سفانيدزه (من أصل جورجي-قوقازي!) هو مخترع المصطلح العنصرى ضد سكان القوقاز "ممثلو القوميات القوقازية"، والذي يستخدمه حتى أطفال المدارس في إهانة بعضهم البعض، ناهيك عن استخدامه في وسائل الإعلام، وتعمد أجهزة الأمن ورجال الشرطة الروس في ترديده لإهانة مواطني القوقاز الذين يعيشون في روسيا.
وبعيدا عن نظرية المؤامرة، وتجنب أى حديث عن "القصد والعمد" في بث معلومات خاطئة من قبل القناة الحكومية بالتلفزيون الروسي، فمن الممكن إرجاع هذه الأخطاء إلى "جهل وأمية" المذيع والمراسل. ففي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن "مواطنينا في إسرائيل الذين يبلغ عددهم المليون.."، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى أريل شارون "المليون إسرائيلي من أصل روسي.."، والإحصائيات الأخيرة التي تؤكد أن عدد النازحين من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق يبلغ عددهم حوالي مليون و200 ألف شخص، هذا بدون احتساب المواطنات الروسيات المتزوجات من الفلسطينيين واللاتى يمكن أن يصل عددهن إلى أكثر من 100 ألف مع أبناهن الذين يملكون الجنسية الروسية-في الوقت الذى تجرى فيه كل هذه التأكيدات نجد المذيع والمراسل يتحدثان عن (100 ألف روسي) في إسرائيل يمكنهم أن يشاركوا في انتخابات مجلس الدوما الروسى. فهل تنازل مليون و100 ألف شخص عن جنسيتهم الروسية؟ إذن لماذا تعلن روسيا دوما "خوفها علي مصالح وحياة أبنائها السابقين في إسرائيل"؟ ولماذا "يتاجر" رئيس الوزراء الإسرائيلي بمليون روسي يعيشون في إسرائيل؟
المثير أن لا المذيع ولا المراسل ذكرا ما يسمى بـ "أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني" وكأنها غير موجودة أصلا، أو فى أسوأ الأحوال خالية من البشر (الإسرائيليين أو الروس على حد سواء)، وحدث خلط في غاية "الإدهاش"، إذ قال المذيع أنه قد تم تقسيم إسرائيل إلى 3 دوائر، وذكر "قطاع غزة" عرضا على اعتبار أنه جزء من إسرائيل الدولة الواحدة ذات السيادة، بينما رأى المراسل أن إسرائيل قسمت إلى دائرتين فقط، وهناك ما يسمى بـ "قطاع غزة" الذي يتضمن أيضا دائرة انتخابية. فأين ما يسمى بـ "قطاع غزة" هذا؟! فى جزر القمر، أم في نيجيريا؟ أم إنه "فعلا في إسرائيل" الدولة الواحد ذات السيادة؟!!
والأكثر إثارة أن المراسل كرر أكثر من مرة لفظ "الأرض المقدسة"، ثم "الأراضي المقدسة"، وكأنه يتحدث ليس أمام كاميرات ومشاهدين "يمكنهم التفكير أحيانا"، معتبرا أن القضية محلولة، وأن إسرائيل هي "الأراضي المقدسة". ولكن مقدسة بالنسبة لمن؟ للروس أم للإسرائيليين؟ ومن أين بالضبط جاء بمثل هذا المصطلح؟ من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والإنجيل، أم من حاخامات إسرائيل والتلمود؟!