إبراهيم ابراهيم

&

&
&
إن ما نراه اليوم من التناقضات السلبية في التركيبة النفسية و الشخصية للإنسان الكردي شيء طبيعي جداً لأسباب و ظروف و تراكمات اجتماعية ونفسية تاريخية غير طبيعية، بدءاً من يوميات الكردي و علاقته مع ذاته و محيطه و انتهاءً بمنظومته الفكرية و التي تكونت أصلاً في ظروف و أحوال غير طبيعية و هذا ما أدى إلى تميز الكردي عن غيره من الشعوب المحيطة به. و لن أدخل مضمار هذه الظروف و الأحوال لأنها معروفة للجميع و بالتالي كنت على قناعة أن أي سلوك سلبي يظهر من قبلنا نحن الأكراد و في يومياتنا الكردية و في شتى المجالات يأتي خارج إطار التفكير العلمي الصحيح الذي على ما يبدو لم نتعرف عليه بعد بالشكل المطلوب، و كانت وظـيفة ما يُسمْوَن بالمتجاوزين للمنظومة الفكرية و الثقافية السلفية الكردية ( المحدثين )التي تكونت منها القوى الكردية و التي رسمت بشكل من الأشكال طرقنا الحياتية وأثرت في سلوكنا بشكل من الأشكال ضمن المنظور الخاص بتكوينهم التاريخي و الفكري. أن يحاولون بقدر الامكان سواء بالتحليل أو بالتنظير أو ما تسمى بالنشاطات التي تؤثر في دائرة الفعل الجماهيري أو غيرها التنبيه أو التحذير أو حتى الإشارة إلى مواقع الخطأ في ممارسة الوظائف الاجتماعية من قبل تلك القوى، و التي كانت صحيحة في مراحل مضت و انتهت.و أصبحت الآن خطاً و لا يجوز إسقاطها على عالمنا اليوم.
و بالفعل لعل المتابع للشأن الكردي أنه بدأت تظهر في الحياة الكردية ظواهر اجتماعية و ثقافية و سياسية مبدعة تستدعي الوقوف عليها لما لها دلالات على صعيد الوعي السياسي و الاجتماعي الكردي و بشكل فردي و نسبي طبعاً و هذا أيضاً حتمي لأن البقاء في التاريخ هو خروج من الحاضر و المستقبل، إن بقاء الشعب الكردي و ممثلتهم القومية ( الحركة السياسية الكردية ) و خاصة في سورية على هذه الشاكلة الفكرية ستؤولها إلى الانزواء أكثر على نفسها مما قد يشكل تآكلاً ذاتياً نتيجة لامتدادات أفقية و شاقولية لقوى أخرى تحاول و بأي شكل من الأشكال جذب القوى الكردية الصغيرة وصهرها في بوتقتها الكبيرة، وهذا حتمي لأن قانون الطبيعة تفرض على الصغير الانصهار في بوتقة الكبير وهذا ما نراه اليوم في حياتنا الكردية اليومية و على الصعيدين القومي الاجتماعي و الجغرافي عبر ممارسة القوي قوته في عملية تغيير المعالم الجغرافية و الاجتماعية و الثقافية و التاريخية الكردية الموجودة كواقعة علمية وتاريخية وهذا بالدرجة الأولى تأتي بسبب ضعف المركز الكردي و عدم تأثيره في المجريات التي تحيط به. وهذا القانون يجري على الضعيف الأفريقي و الضعيف الآسيوي و الضعيف الأوربي و حتى على الضعيف الأمريكي، و رغم امتلاك كل هؤلاء لقوى قد تشكل رادعاً أمام انصهارها في البوتقة الكبيرة إلا أنها تحاول دائماً أن تكبر بوحدتها الاقتصادية والسياسية و عصرنة تفكيرها و يومياتها. أما بالنسبة لنا نحن الأكراد السوريين و المثبت بالفعل و القانون أننا اضعف حلقة اجتماعية و سياسية واقتصادية ليس على مستوى العالم بل و على المستوى السوري أيضاً. وهذا ما يستدعي التفكير أو محاولة التفكير باستدراك العصر لما تحوي في جعبتها من استحقاقات إما أن نحققها أو نخرج خارج اللعبة، وقد لا تأتي حصراً هذه العملية على شكل انقلاب فكري أو اجتماعي للمجموع الكردي، بل هي تأتي على شكل فردي و بجهد فردي خلاّق. و انطلاقاً من إن الجزء يكمل الكل، على احتمال بساطة الجزء و صغره و ثانويته، فإن مبادرة الأخ الأستاذ صلاح بدر الدين و بصرف النظر عن خلفيات هذه المبادرة تأتي في إطار محاولة لإعادة روح الحركة و التغيير إلى الجمود الحاصل في عملية الحراك الحزبي الكردي أولاً و السياسي الكردي ـ الكردي ثانياً وهي تعتبر بحق ظاهرة إبداعية فردية في السياسة أبدعها أحد الشخصيات التاريخية في الحركة السياسية الكردية و التي كانت موضع جدل من قبل السياسيين و المثقفين المتهمة و بالديكتاتورية الحزبية و التسلطية و محاولة الاستيلاء على الحزب والحركة وعلى القرار الكردي السوري بشكل عام. جاءت مبادرة صلاح بدر الدين التي أعتذر أو سيعتذر من خلالها من مهامه كرئيس حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية، هذا الحزب الذي أمتد في يوم من الأيام بين معظم شرائح المجتمع الكردي مؤثراً على الساحة الكردية أولاً و على الساحة السورية ثانياً. مبادرة جديرة أولاً بالتقدير و الاحترام و بالوقوف عليها و على معطياتها التي ستؤثر حتماً و بشك ايجابي على مسار الحركة الكردية في سورية. الدارس لتاريخ هذا الشخص و الذي يعرفه عن قرب و رغم اختلافه معه يوحى إليه شخصية قوية مثقفة بكل مل تحمل من معنى. التقيته في كردستان العراق و بعد الانتهاء من إلقاء محاضرة عن إشكالية العلاقة بين الأكراد و العرب في حديقة قصر نازة في أربيل كان قد اتصل مع الأستاذ و الكاتب كمال قنبار الذي أحترمه بأنه يود أن يسلم عليُّ في الوقت الذي كنت قد سألت عليه سابقاً و بالفعل أسعدت بمكالمته و اكتشفت أن صلاح بدر الدين القائد و الجبار و الديكتاتوري خاصة على رفاق حزبه الذي كنت منه و من خلال حديثه على الهاتف أنه أبسط مما كنا نتصوره ( أمامي على الأقل ).
ثم دعاني و دعا أصدقائي إلى منزله في صلاح الدين و لأسباب لم يستطع الأصدقاء زيارته قررت أن أعتذر من أصدقائي و أزوره، و في اليوم الثاني أرسل لي سيارة إلى فندق جوار جرا ( مركز أربيل ) ليصطحبني إلى منتزه صلاح الدين، و بالفعل استقبلني استقبالاً جميلاً و تناقشنا في كثير من الأمور و اتفقنا في معظمها. و تأثر كثيراً بعدم مجيء أصدقائي معي إليه. و حملت في نفسي انطباعاً جميلاً، و مازلت أكن له الاحترام و التقدير بالرغم من اختلافي معه في بعض القضايا التي طرحها مؤخراً و خاصة موضوع تجميد حزبه في التحالف، لكنه يبقى بالنسبة لي شخصية تاريخية أثرت و تؤثر في الحركة السياسية الكردية، شخصية مثقفة، تقدر على تحليل الأمور و تنظيرها ( بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه ).
خطوة تأتي في إطار الديمقراطية و الواقعية السياسية التي ستفرض بالنتيجة نفسها، نأمل أن تكون هذه الخطوة بادرة خير لكل من تربع على عرش الرئاسة و السكرتارية منذ عقود أن يكونوا رموزاً قومية للأجيال القادمة و أن يكون مراجع سياسية و قومية للحركة الكردية السياسية، و يفسحوا المجال أمام الدماء الجديدة التي تنتمي إلى المدارس الثقافية و التاريخية و المعرفية و إلى العصر لا إلى العشائرية و القبلية الحزبية الضيقة و لا إلى الأفكار و الأيديولوجيات المغامرة و التي أدت بحركتنا القفز و السقوط في مطبات تاريخية. مبروك لك خطوتك و مبروك لنا بأول رمز كردي لا ينتمي إلى أحد. سوى إلى كرديته...


* كاتب وصحفي كردي سوري