سالم اليامي
&
&
&
&
رأته يلعب مع ابناءه الثلاثة في حديقة منزله.
قالت له وهي تطل عليه من شرفة بيتها المجاور لبيته: حدثني عن أبناءك فأنا أحب الاصغاء لأب يتحدث عن أبناءه.
إنحنى إنحناءة بسيطة وهو يمسح عرقه ثم إتكأ على أحد أشجار الحديقة وقال:
الابن الأكبر: " رعد " يحب اللعب كثيرا، وكلما زاد في العمر زاد في حبه للعب، يعشق الخداع والمراوغة الى درجة التلذذ بخداعه لغيره، وهو مبذر الى درجة الاسراف كأخيه سعد. عبقري في الرياضيات،يعرف كيف يجمع ويضرب ويقسم رغم انه لايجيد الطرح سوى من مال غيره. ملهم في الخطابة بالرغم من سوء لغته وضعف تأثير كلماته
والأوسط: " عفتان " فارس يعشق الفروسية رغم أنه لم يصرع في حياته تيسا، يهوى القيادة بالرغم من عجزه عن قيادة نفسه، مغامر وهو يجهل بأصول المغامرة، مخاطر وليس لديه تقنية لقهر المخاطر!
أما الأصغر:" سعد" فهو الطفل المدلل دائما مهما كبر. جائع لا يشبع، ضمآن لا يرتوي، يأخذ ولا يشكر، أناني يريد كل شيء حتى حق إخوانه، ويرى أنه الأفضل والأذكى والأقوى، بالرغم من ضعفه وقلة ذكاءه وأنانيته. لكنه يظل جديرا بالدلال مادام أنه الأصغر سنا وعقلا!
صرخت بصوت مرتفع كاد أن يسقطها من شرفة بيتها وقالت:
أقسم بالله لم أستمع الى أب من قبل يتحدث عن أبناءه بهذه الصراحة... والسخرية...والمتناقضات، مثلما سمعته منك اليوم عن أبناءك. ولكن....ألا تقول لي كيف يمكن لأبن أن يكون عبقريا في الرياضيات وهو لايجيد الطرح الا من مال غيره؟!
قال: لا يجب أن نصدق كل وصف نابع من أب تجاه ابنه، خاصة عندما يكون الوصف مادحا. فللعاطفة دور في تزييف الحقائق، ليصبح الغبي: عبقريا، والضعيف: قويا، ويكون: " الصائع ": تقيا نقيا!
لكننا في نفس الوقت لا نستطيع إقناع الأب بعدم صواب وصفه تجاه إبنه، لأنه يظل كما يقولون " القرد في عين أمه غزال " وفي عين أبيه وجدته وخالته أيضا! بل ربما يكون الحمار في عين أمه حمامة، وكل حر في أن يرى إبنه قردا...أو ثعلبا....أو ذئبا...أو حصانا، خاصة الانسان العربي الذي يرى الناس والأشياء بعاطفته لا بعقله، وهذا ما أدى الى سقوط عقله!
ردت بمكر وسخرية: وهل سقط العقل العربي؟!
قال: هو يسقط كل يوم منذ زمن طويل، لكنه قادر على النهوض متى ما أراد.
قالت: ماذا تقصد ب " متى ما أراد "؟!
قال: أقصد ما قاله ابو القاسم الشابي في ارادة الحياة.
قالت: وماذا قال؟!
قال: لا أحب تكرار العبارات التي يعرفها الناس، فالتكرار للحمير فقط، لأن الحمار لايفهم من أول مرة.
قالت: وهي تودعه وتغلق نافذة شرفتها بقوة وبغضب: بل لايفهم من مليون مرة، فالحمار لا يفهم سوى لغة الضرب.
قال: وهو يضحك بسخرية وتهكم: بل ويفهم لغة الجمع والطرح والقسمة....ثم نهق..
&عفوا...... أقصد سكت!!