داود البصري



خلال العقدين الأخيرين من الزمن العربي المستباح شكلت الكويت إحدى الأهداف الرئيسية للعمليات الإرهابية والتخريبية والتي كانت تختلف أهدافها ومراميها بإختلاف الظروف والأحوال والتطورات وبإختلاف مصادرها أيضا؟ كما أضحى الإرهاب أيضا أطروحة لنقاشات داخلية كويتية عارمة كان محورها الأساس التفاضل والقياس بين إطروحتي (الأمن أم الديمقراطية)!! خصوصا وأن الكويت ومنذ مطلع الثمانينيات كانت تتعرض لضغوط إقليمية هائلة إنعكست مؤثراتها وتوابعها على العملية السياسية في الكويت والتي أدت في المحصلة العامة لحل مجلس الأمة مرتين خلال عقد واحد ولتعليق العمل بالدستور الكويتي مما أدى في المحصلة لزيادة الإستقطاب وتزايد المخاطر الخارجية التي كانت تحاول النفاذ من خلال اللعب على ورقة الخلافات السياسية الداخلية وهو مافعله نظام صدام البائد حينما غزا الكويت عام 1990 متذرعا ومتسترا بالخلافات بين الحكومة الكويتية ومعارضيها حول الإنتخابات ومجلس الأمة ومن ثم قيام (المجلس الوطني الكويتي) الذي لم يستمر سوى لأيام قلائل قبيل الغزو وليدخل بعد ذلك في الذاكرة التاريخية لشعب صغير كافح طويلا من أجل الديمقراطية الدستورية والمشاركة الشعبية الفاعلة في الحياة السياسية وهو ماتحقق وترسخ عبر مؤتمر جدة التاريخي في أكتوبر 1990 والذي كان المقدمة السياسية لتحرير الكويت من ربقة الإحتلال البعثي المتخلف المباد ومن ثم نشوء الديمقراطية الثانية التي رسخت كيان الدولة ووفرت لها كل عوامل النهضة والبناء والتميز والتطور وفق عقلية إنفتاحية واضحة وبطريقة عصرية وهادئة بعيدا عن ضجيج الدعايات التسويقية، فالكويت تعيش حالة من التطور النوعي إنعكست بشكل واضح على طبيعة المستوى الحياتي للإنسان الكويتي الذي تمكن من تحويل الصحراء بكل ظروفها الصعبة لدولة عصرية متطورة هي بمثابة وهج حضاري متألق في المنطقة رغم كل صنوف التحديات السياسية والأمنية الشرسة ورغم تكالب أكثر من جهة وطرف لإفشال التجربة الكويتية الناهضة أو لإشغالها بأمور جانبية قد تعرقل مسيرة البناء والتشييد الشامل ومواصلة العطاء والحياة للأجيال الكويتية المقبلة خلال العقود القادمة، فكانت ملفات الصراع ضد الظاهرة الأصولية بتياراتها المتعددة التي تريد أن تفرض على الكويت وجها واحدا وأسلوبا محددا فإنتصر الخيار الليبرالي التعددي الحر على خيار التعصب والإنغلاق والنظر للأمور من زاوية مغلقة واحدة وكان إنتصارا لقيم الحرية المسؤولة دون المساس بثوابت العقيدة وأسسها الراسخة، ثم حاولت بعض الأطراف اللعب بالورقة الطائفية عبر إثارة نزاعات سقيمة وعقيمة لاتضيف شيئا للمستقبل ولاتنفع في مناقشة وتقويم الماضي السحيق،فأحترقت هذه الورقة النتنة قبل أن تشهر ورد كيد الناعقين والمطبلين في خرافات التاريخ لنحورهم وعقولهم الخبيثة !، فلم يبق أمام المتصيدين والمتربصين والحاقدين (وماأكثرهم) سوى طرق بوابة العمل الإرهابي المباشر ولأبرز منافذ الحرية في الكويت وأعني بها الصحافة والإعلام والتي كانت هي السمة الواضحة والمتميزة للتجربة الكويتية منذ إنطلاقتها، فصحافة الكويت هي ضمير الشعب الكويتي الناطق، وملفات التاريخ العربي الحديث تحفل بالمواقف الرائعة التي وقفتها هذه الصحافة من مجمل القضايا القومية من خلال صفحات وصور الصراعات الطويلة، وأن تستهدف الصحافة الكويتية فمعنى ذلك أن تستهدف ضمائر الأمة وبيد حفنة من بقايا الإرهاب البعثي أو الأصولي المتخلف المتحالف معه، وهي تعبر عن رفسات وحوش تحتضر فقدت كل عوامل الحياة والبقاء.
وللكويت بالذات تجارب متميزة وموثقة مع الإرهاب الذي إستهدفها في مراحل سابقة ولأسباب متعددة ولعل أهم الأنظمة التي إتخذت من الكويت مجالا حيويا لتصفية حساباتها وإرهاب معارضيها كان نظام صدام البائد الذي جعل من الكويت المسالمة الصغيرة هدفا محوريا لكل جرائمه ومحطة إستخبارية مهمة في كل جهوده الإرهابية النشيطة، ففي عام 1972 أقدم على إغتيال نائب رئيس جمهورية إنقلاب 1968 الجنرال حردان التكريتي أمام بوابة المستشفى الأميري في الكويت وأمام ناظري السفير العراقي وقتذاك؟ ثم فر القتلة بسيارة السفارة العراقية وبطائرة وزير الخارجية العراقي عبد الكريم الشيخلي!! ثم مارس قادة البعث البائد ممارساتهم الإجرامية بإغتيال قادة المقاومة الفلسطينية المناوئين لهم في الكويت كمن أمثال علي ياسين عبر جماعة الإرهابي أبو نضال أواخر السبعينيات، كما كان للمعارضين العراقيين حصة الأسد في التعقب والإغتيال والمطاردة والخطف، ولعل قمة التورط الإرهابي الرسمي العراقي في الكويت كان في عام 1983 وبالذات في 12/12/1983 عبر عملية التفجيرات الكبرى التي شهدتها الكويت في السفارة الأميركية ومنشآت مدنية كويتية أخرى والتي تورطت بها أطراف منشقة من تنظيم الدعوة الإسلامية وعبر المقر الثامن للحرس الثوري الإيراني في الأهواز بهدف تدمير المعارضة العراقية في الكويت وتجفيف منابعها ولم تكن مخابرات صدام بعيدة عن تفاصيلها وإختراقها وتوجيهها لتخدم مخططات النظام الصدامي البائد في الهيمنة والإبتزاز على الساحة الكويتية ؟ ثم كانت قضية محاولة إغتيال رئيس تحرير السياسة الكويتية السيد أحمد الجارالله عام 1985 وبعدها محاولة إغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح ذاته في 25/5/1985 والتي شكلت إنعطافة مهمة في إزدياد وتصاعد وتيرة الإرهاب في الكويت الآمنة المسالمة، وفي السنوات اللاحقة كانت الكويت ضحية لعمليات إرهاب نوعية تتمثل في إختطاف الطائرات كما حصل مع طائرة الجابرية عام 1988، وكما تغلغلت فرق الموت والإستخبارات البعثية لتمهد الموقف للغزو والإحتلال الذي فشل فشلا ذريعا في تحقيق أهدافه وغاياته. وكانت عملية غزو وإستباحة الكويت واحدة من أكبر الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها الكويت وعلى يد جرذ العوجة الأسير حاليا في قبضة العدالة الإنسانية، فقد دفعت دول وشعوب المنطقة أثمانا غالية ودماءا عبيطة في الصراع ضد الإرهاب وفي مواصلة عملية البناء الحضاري وتوديع التخلف ولكن يبدو ان أهل التخلف لايملكون من وسيلة للتعامل مع العالم اليوم سوى لغة الإرهاب، وبطبيعة الحال فإن الكويت الصغيرة ستظل في حالة تحسب دائم ضد كل أشكال الإرهاب أصوليا كان أم قوميا بعثيا شوفينيا، ولكن في جميع الأحوال فالنتيجة معروفة إذ لايحيق المكر السيء إلا بأهله.
&