"إيلاف"من القاهرة :لا يحتاج الناشط المصري الشهير، الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى تقديم، وربما لا يحتاج أيضا إلى تعريف، فأستاذ الاجتماع السياسي الذي أطلق في ثمانينات القرن الماضي نظرية تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة، حتى تأسيسه مركز "ابن خلدون" الذي كان ولم يزل جسره الخاص مع السلطة من جهة، ومع المجتمع من جهة أخرى، ومع الغرب من جهة ثالثة.
وبدأت أكثر فصول القصة إثارة في عام 1988، حين استأجر د. إبراهيم فيلا في هضبة المقطم بالقاهرة من السفارة الأميركية وحوَّلها إلى ما أصبح يُعرف باسم مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ، ومنذ ذلك الوقت المركز في وضع أكثر من 100 دراسة تدور حول سبع قضايا مثيرة للجدل ، مثل التعليم "حيث ركَّز على إلغاء التعليم الديني" وحقوق الأقليات ، أو الملل والنحل، حيث تبنى الدفاع عن حقوق ما أسماه الجماعات الدينية أو العرقية المضطهدة في العالم العربي وتحديداً أقباط مصر وأكراد العراق ، والجنوبيين في السودان، والبربر في المغرب والجزائر... إلخ. ثم قضايا المرأة والحركات الدينية.
وأثارت أنشطة "ابن خلدون" كثيراً من ردود الفعل المتباينة، حتى جاءت القضية الشهيرة حيث ظل سعد الدين ومركز ابن خلدون متهمين طوال ثلاث سنوات حتى أصدرت محكمة النقض المصرية حكمها التاريخي بالبراءة، وعاد "المركز والرجل" إلى النشاط والحركة مرة أخرى، وعادت معهما الاتهامات والجدل، وكانت أحدث قضية أثيرت في مصر والعالم العربي، ما أشيع عن موافقة الكونجرس الأميركي على تمويل المركز بمبلغ مليوني دولار، اقتطاعاً من المنحة المخصصة للحكومة المصرية، وهو الأمر الذي نفاه إبراهيم بشدة، وأكد النفي السفير المصري لدى واشنطن، الذي حسم الجدل بقوله إن المنحة المزمعة لن تكون اقتطاعاً من المعونة الأميركية لمصر.
*نبدأ من القضية الأخيرة تراجعت في ما أعلنته بخصوص المعونة المخصصة لمصر وما قيل في أنها ستقتطع التراجع الذي يتكلمون عنه وأنك أو أن المركز لن يأخذ المعونة إذا كانت مقتطعة من مصر .
-صحيح .
وأنك تنتقد بشكل عمدي السياسات الأميركية أو تظهر ذلك.
-لم يحدث هذا كلام روايات، وهناك مقالة يقرأها الرئيس الأميركي وتنشرها 300 جريدة وهي في ال واشنطن بوسط منشورة بتاريخ 23/ 11 وكلامي مع المصور ومع الصحافة العربية أو العالمية كان قبلها بأربع أو خمس أيام ، أنا لست محتاج أن أتراجع عن أي شيء أو أي كلام .
*هل منصب على الإدارة الحالية فيما يتعلق بالسياسة الأميركية ؟.
-موقفي منذ البداية واحد ، السياسة الأميركية سنة 2003، ، حرب العراق والذي استمرت فيها الانتفاضة وعندما أنقد السياسة الأميركية فأنا أنقد الإدارة الأميركية الحالية والموجودة من 2001 واستمرت حتى اليوم في النقاط التالية :
1-عندما دخلت العراق منفردة ولم تدخل بشكل متعدد تحت علم الأمم المتحدة كما فعلت قبل ذلك في مناسبات سابقة .
2-ازدواجية المعايير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وفي التعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين .
3-فيما يتعلق بإدارة العراق بعد الحرب ، أنها لم تعد للسلام بعد الحرب كما أعدت للحرب مما زاد المشكلات .
*أنك بذلك لا تختلف كثيرا عن التوجه الرسمي وعن توجه قطاع كبير من القوميين المعتدلين .
-ما القضية إذن وما العيب في ذلك ، هناك ناس خائفة من دعوتي للديمقراطية والتغيير وهناك أعداء للاثنين .
*الغريب أن حزب محسوب على الليبراليين مثل الوفد يهاجمك.
-لأنه تخلى عن الليبرالية الحقيقية ويعيش على تاريخه لكن لا حاضر له ولا مستقبل .
*القطاع الثاني هو أقل خوفا من الاتجاهات الثانية هم الإسلاميين.
-صحيح لأنهم ينظرون للحاضر والمستقبل وهم الذين يكسبون من الحاضر والمستقبل وكلما تعثر النظام وكلما تعثرت أحزاب المعارضة الأخرى التي تعيش في الستينات والخمسينات كلما كان ذلك مكسب إسلامي وهم يدركون ذلك جيدا.
* وبرغم ذلك هناك تحالف بين قطاع من القوميين وبين الإخوان تحديدا واضح وغير مكتوب .
-ربما في بعض الأمور يرونها بنفس الرؤية.. في معارضتهم لأشياء كثيرة وبالتالي يتضامنوا في قضايا معينة وإنما فيما يتعلق بالتغيير فهو من مصلحة الإسلاميين ومصلحة كل قوى منظمة تنظر للمستقبل أن تستأنف مسيرة التغيير لأنهم استفادوا منه في تركيا والمغرب ، والإسلاميين استفادوا كذلك من التغيير في الأردن والكويت وغيرها ، وفي كل بلد فيه ديمقراطية أحد المستفيدين الكبار هم الإسلاميين .
*ولهذا السبب أنت تقدمهم أم للأسباب شخصية ؟
-لا ليس لهذا السبب أقدمهم أنت تقدم ناس يريدون أن يتحاوروا مع الغرب ، أنا داعية للحوار والحرية والمجتمع المدني وكلما استطعت أن أدعم هذه التوجهات مثل الديمقراطية ، السلام ، الحوار بين الحضارات والمجتمع المدني .
*ولماذا تسمح لهم بالاستفادة ..؟
-لا أنا مختلف معهم ..
*هل يعترفوا بالمجتمع المدني ، هل يعترفوا بالأخر هل يعترفوا بالحزبية ، بالديمقراطية ..؟
-أعداء الديمقراطية يعتبرونها مناورة أو مؤامرة كل أعداء التغيير يعتبرون الديمقراطية مؤامرة وأنا لا أتعامل بهذه الذهنية أنا لي ما يقوله الناس وما يفعلونه ، قالوا أنهم يريدون الحوار وهم داخل السجن وقد تحاوروا ، وقالوا أنهم يريدون الحوار معي ومع الغرب خارج السجن فسهلت لهم ذلك .
*الأوروبيون فقط ، الأميركان رفضوا التفاوض أو التحاور معهم ؟
-نعم.
* السفير الأميركي هو الذي رفض ؟
-قال أنه ليس لديه تفويض من حكومته للتفاوض معهم .
*د.سعد : هل في تصورك أن الإسلاميين ينبغي أن يكون لهم حزب ؟
-ينبغي أن يكونوا جزء من التيار السياسي العام وأن يشاركوا في السلطة ، بحزب أو غير حزب ولكن ينبغي أن يشاركوا .
*تحت أي لافتة.
-تحت أي لافتة هم يختاروها .
*هم يريدون حزب .
-فليكن لهم حزب .
ولكن هل هذا لن يفتح باب الطائفية في المجتمع المصري وأنت عالم اجتماع ..
-لا لا لن يفتح باب الطائفية ..
*وإذا جاء الأقباط وقالوا عايزيين حزب أو أثنين .
-عندما يطلبون نتكلم ..
*أنت تقول أن هناك ديمقراطية .!
-أن تحاصر الديمقراطية بهذه الطريقة التي تقول بها أن هؤلاء سيطلبون، هذه طريقة أعداء الديمقراطية ، بأن نقول إذا كانت الديمقراطية سيأتي الإسلاميين للحكم وإذا جاء الإسلاميين للحكم سيغضب الأقباط ؟!
*كلها مجموعة اعتبارات يا دكتور..في صلب الموضوع
-دع ألف زهرة تتفتح كما كانت مصر الليبرالية .
*مصر الليبرالية سمحت بجمعية للإخوان المسلمين ولكن لم يسمح لهم بحزب .
-لأنهم لم يطلبوا حزب في أيامها ، الدنيا تتغير.
*في قرائتك للمشهد السياسي الراهن في مصر لماذا لا يوجد حزب ليبرالي حتى الآن؟
-لأن النظام قافل اللعبة السياسية بالضبة والمفتاح .
*كيف وهو يسمح باليسار وتعدد الأحزاب وكذلك للإسلاميين تحت لافتة حزب ورقي.
-لأن الليبرالية الحقيقية تهدده ، كما الإخوان المسلمين يهددون النظام ولذلك لا يسمح فهو لا يسمح ل لليبرالين ولا للإخوان المسلمين .
*البعض يرصد الموقف السياسي ليس في الشارع المصري فقط ولكن معظم المثقفين وأن حاليا معظم النخبويين أصبحوا يتكلمون لغة متشددة سواء كان في اتجاه القومية أو في الاتجاة الإسلامي وأصبح صدرهم ضيق للاتجاه الليبرالي ما تعليقك؟
- لا هم عدد كبير لا يسموا بالمثقفين لأنهم لا يسموا مثقفين ولكنهم نتاج للتفكير الشمولي سواء الماركسي أو القومي أوالناصري أو الإسلامي الديني المتزمت كل هذه طروحات أو مخاوف شموليين أصحاب الفكر الشمولي فالسياسة اتفاق على المبادئ وخلاف على الوسائل فيها هوامش منها هامش تسامح وهامش للاختلاف والسياسة كما يقول علماء السياسة هو فن الممكن وليس فن المطلق وبالتالي إذا كان هناك من عنده تصور من سنة أو 1000 سنة ولا يريد مناقشته إذن مفيش سياسة فالسياسة أخذ وعطاء وكل من عنده نص مقدس ولا اجتهاد فيه ولا يريد اجتهاد معه .
*وإذا كانت هذه الاتجاهات الثلاثة هي التي تحكم الشارع الآن
-أنا شايف أن الإخوان المسلمون يسمحون بالاجتهاد وبالتالي هم الذين يلعبون سياسة والفئات الأخرى غير صالحة ، لا تنظيميا قادرة ولا ماديا قادرة ولا فكريا قادرة ولا يدخل مخها أكسجين من 50 سنة فهي مأكسده وهذا ما حصل .
*كثير من الكتاب ومعلقين ناصريين والذين ينتمون لما يسمى التنظيم السري أو التنظيم الطليعي الذين خرجوا على الاتحاد الإشتراكي ما زال يحكم مصر حتى الآن وبضرب مثل لهذا هو أنه أهم أربع مفاصل في البلد هي التي بها وزراء من التنظيم الطليعي أساسا وهي وزارة الشباب ووزارة التعليم وشئون البرلمان أي الحزب الوطني الحاكم الأربع مفاصل تربوا في التنظيم الطليعي فهل يحكم التنظيم الطليعي مصر حتى الآن ؟
-لا الذي يحكم مصر هما جهازين :جهاز أمن الدولة وجهاز المخابرات .
*ولكن كيف ترى المستقبل ؟
-أنا متفائل بطبيعتي وهذا ما يؤكد مقالاتي ،فإذا لم يحدث التغيير بيدنا سيحدث بيدهم وهذه الرسالة التي أكررها ،وأملي أن يحدث التغيير بيدنا لأن الناس عايزه التغيير وقادرة وراغبه على التغيير ويأتي بقرار من النظام وهذا أفضل طبعاً واستبشرنا خيرا عندما تحدثوا عن حوار قومي للإصلاح السياسي وأرجو أن يكون الحوار جاد ومنتج ، ومطلوب تعديل دستوري ينص على انتخابات رئاسية تنافسية وليست استفتائية وينص على حرية الأحزاب على إلغاء قوانين الطوارئ على اطلاق حرية المجتمع المدني أو الجماهير وعلى حرية الصحافة ، لو تمت هذه الخطوات سيصبح عند مصر دينامية جديدة فالثورة الديمقراطية تجتاح العالم منذ 25 سنة .
*عندما تطلب منه أن يتخلى عن كل هذه الصلاحيات فإنك تطلب منه أن يسقط .
-لا أنا أطلب منه أن ينضج ،وأن يجنب البلد الجمود أو الانفجار، فطلب متواضع جدا النظام يحكم له 20 سنة فيه إيه وبقالة 50 سنة في طبعته الأخيرة .فعندما نتكلم أو نطلب تداول السلطة فهذا ليس كثيرا وليس أرث عائلي .
*بمناسبة الإرث العائلي يا دكتور ، هل أنت مع الناس المتوقعة أن يرث جمال مبارك السلطة .
-لا ..أنا أرجو ألا يحدث.. حدسي أنه إذا ساورهم هذا الخاطر فهم يدخلون البلد في مأزق تاريخي وفي نفق مظلم أنا مع أن يأتي أي واحد سواء جمال مبارك أو غيره بالشروط التي قلتها .. من خلال انتخابات تنافسية ولكن الشاب في حد ذاته إنسان متعلم مثقف مهذب مدرب وبالتالي يستطيع أن يكون رئيسا جيدا وإنما كيف يأتي هذا هو السؤال .
وبالتالي أنا دعوتي التي قلتها كتابة والتي أقولها الآن وأرددها .. أنه دعنا نغير الدستور ونعمل عقد اجتماعي ديمقراطي جديد .. يحل محل العقد الشعبوي الذي بدأه عبد الناصر سنة 1954 أو 1955 .
*نرجع الآن لمركز ابن خلدون ما ابرز مشروعاته خلال الفترة القادمة .
-لدينا أربعة مشروعات نشتغل عليها :
1-مشروع الديمقراطية والمجتمع المدني .
2-مشروع الإصلاح الديني .
3-مشروع السلام وحل الصراعات في المنطقة العربي .
4-مشروع التنمية البشرية .
*المركز لا يتعرض الآن لبعض المحاصرات ولو من بعيد على النحو الذي فسر .
1-مشروع الديمقراطية والمجتمع المدني .
2-مشروع الإصلاح الديني .
3-مشروع السلام وحل الصراعات في المنطقة العربي .
4-مشروع التنمية البشرية .
*المركز لا يتعرض الآن لبعض المحاصرات ولو من بعيد على النحو الذي فسر .
-المركز مؤسسة وكغيره من المؤسسات فهو قادر على الاستمرار بأي شخص فإذا كنا فعلا دخلنا المرحلة المؤسسية ولا أجزم أننا دخلناها فإنه سيكون اختبارا هاما لقدرة المركز على الاستمرار ، أنا أعرف أن السجن لن يعطل المركز في شيء ولا استئنافه للنشاط واستطعنا العودة واستطعنا استئناف النشاط فإذا كانت 3 سنوات سجن كان معي 27 واحد لم يوقفوا المسيرة فليس من المعقول استقالة أربعة أو خمسة سيوقفوا المسيرة.
*كم عضو استقال ؟
- وصلوا إلى سبعة منهم د.كمال أبو المجد د. سعيد النجار.
أشار البعض إلى أنك تورطت في مطلع شبابك في قضية تخابر ترتب عليها إسقاط الجنسية المصرية عنك في الستينات لأسباب أمنية كما فرضت الحراسة على ممتلكاتك حينئذ ؟
- هذا تدليس على الحقائق ، فلم توجه لي حينئذ اتهامات من هذا النوع ، فقد كنت رئيسا لاتحاد الطلبة العرب في أميركا ، وأسقطت عني الجنسية بالفعل بسبب بيان أصدره اتحاد الطلبة العرب عن محاولات تغيير مجرى نهر الاردن حتى لا يصب في إسرائيل ، ثم حدث أن أغارت إسرائيل على موقع المشروع ودمرت معداته ولم تطلق رصاصة عربية واحدة لذلك أصدرنا بيانا يدين كل الأنظمة العربية واعتبر عبد الناصر أن إصداري مثل هذا البيان تجاوز لدوري ، وترتب على ذلك قيام لجنة تصفية الإقطاع بفرض الحراسة على ممتلكاتي رغم أنها لا تتجاوز خمسة أفدنة فقط ، وبالتالي تم سحب جواز سفري المصري إلى أن أعاده لي الرئيس السادات عام 1974 ، في 24 ساعة من وقت تقدمي بطلب استعادته .
هل يمكنك أن تصف مشاعرك أثناء القبض عليك ، أو عندما وجهت لك تلك الاتهامات ؟
ـ لا أنكر أنني فوجئت بالقبض عليّ بالفعل ، لكني تلقيت الاتهامات بهدوء لم يتوقعه حتى المحققين ، فلم أكن منزعجاً في أي لحظة ، لأنني كنت متأكداً تماماً ان هذه الاتهامات لا أساس لها ، ولا يمكن لها أن تصمد طويلاً أمام أي محاكمة طبيعية غير عسكرية أو استثنائية
هل يمكنك تسمية الذين خذلوك والذين ساندوك ؟
ـ دائماً كان هناك شرفاء ، أما الجبناء فلا يستحقون مجرد التوقف عندهم .
التعليقات