الدكتور رياض الأمير
&


ان التغير الذي يشهده العراق بعد انتظار استمر عقود اربعة، ليس يدخل السعادة والفخر للقلوب والافئدة العطشى للحرية وهوائها النقي الخالي من جراثيم الفاشية البعثية واساليب اجرامها فحسب، وانما ايضا يفتح باب الامل على مصراعيه للاحسن لكل العراقيين. توج يوم الرابع عشر من كانون الاول الحالي سعادة العراقيين في إلقاء القبض على صدام حسين. وان اكثر ما أسعد العراقي في الحدث هو الطريقة التي وجد فيها "الفارس" و"القائد الضرورة" جبانا خائفا في جحر وسخ. ومما اثار الاهتمام ما قاله الكثير منهم، من الذين ولدوا عندما بدأ صدام حسين يشد بقبضته على العراق والعراقيين وشبوا وهو الحاكم الذي يحي ويميت، وكثير منهم امضى سنوات على جبهات القتال في حروبه العبثية وهرب منهم مع من هرب إلى خارج العراق او بقوا وصدام يزهق روح العراقيين، في تعجبهم كيف أنهم خافوا كل عمرهم من الجبان صدام؟
وتدافع الاغلبية العراقية عن مجلس الحكم وتعتبره ليس فقط ممثلا شرعيا للشعب العراقي وإنما يمثل تطلعاته للمستقبل. وما يقدم له من نقد، خاصة من الوطنين العراقيين يصب في المصلحة الوطنية العراقية ومن اجل اداء سليم للوصول إلى عراق معافى من الامراض المختلفة التي خلفها النظام المنهار، وهي عديدة وكثيرة وفي مقدمتها الحزبية الضيقة والطائفية وحكم العشيرة والمنطقة والتسلط المصلحي على حساب الوطن والمواطن وغيرها الكثير. وسوف يحتاج العراق إلى فترة زمنية طويلة لتشخيصها بالكامل ووضع العلاج لها. اما المساعدة في الشفاء منها فهي مسئولية جماعية، لربما يقف في طليعتها حركات المجتمع المدني التي تمثله " المنظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين" كحركة رائدة منها لانها تضم كفاءات كبيرة تعمل بهمة من اجل ذلك لكي تعود الحياة إلى طبيعتها العادية للعراق والعراقيين. ومن اولى مهمات دعاة المجتمع المدني اثارة انتباه المشتغلين في السياسة، بغض النظر عن موقعهم، إلى الممارسات السلبية التي يمكن ان تثير العداء داخل المجتمع وتدفع إلى ردة فعل عنفي دون الاسلوب السلمي للرد عليها. ويقود مجلس الحكم اليوم، ومن ثم العراق رجل دين شيعي، وهي المرة الاولى في تاريخ العراق. ويعود الفضل للولايات المتحدة الامريكية وقوات التحالف دون سواهم في ان يكون على قمة هرم الحكم رجل دين شيعي، بعد الاجحاف الكبير الذي لاقاه الشيعة على مدى تاريخ العراق. وعلى الرغم من ان قبله كان هناك ثلاث في رئاسة مجلس الحكم، لكن الرئيس الحالي من رجال الدين وهو في نفس الوقت رئيس المجلس الاعلى للثورة الإسلامية. ولا ينكر احد مساهمة المجلس مع القوى الاخرى في اسقاط النظام وإزاحته من الخارطة السياسية في العراق وفي منطقة الشرق الاوسط. ومما يؤسف له في هذا الصدد ان تاتي تصريحات رئيس مجلس الحكم الحالي في باريس وهو الذي يجول الدول الاوربية لالغاء الديون العراقية او تقليلها، بان لإيران ديون على العراق حددها ب " مائة مليار " دولار. وليس المهم بان المبلغ مضخم او لا، او هو اقل او اكثر منه لسببين : الاول عدم وجود لجنة قانونية بين البلدين قامت بتحديده. وثانيا التأكيد على مديونية العراق لإيران دون سواها. ان النظام الساقط في بغداد خلف ديون كثيرة على العراق. فالعراق مطلوب للملكة العربية السعودية وللكويت. وتركيا تطالبه بديون عدى الديون المعلنة لكل من الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وروسيا التي يعمل السيد جيمس بيكر مبعوث الرئيس الامريكي جورج بوش على التفاوض من اجل الغائها او الغاء جزء منها او على الاقل جدولتها. وكان على السيد الحكيم ان يعترف بمديونية العراق لكل تلك الدول وليس لدولة واحدة منها. ان العراقيين يعرفون ارتباط السيد الحكيم بإيران قبل وبعد وجوده فيها خلال العقدين الماضين وهو في صراعه ضد نظام صدام حسين مع اخيه الشهيد محمد باقر الحكيم رحمة الله عليه، لكنه الآن رئيس لكل العراقيين دون تفريق. فهو رئيس للمسلمين كما هو رئيس للمسيحين، رئيس للعرب كما هو رئيس للاكراد والتركمان وللكلدان والآشورين والصابئة واليزيدين. رئيس للشيعة العراقيين كما هو رئيس لسنتهم. فالانحياز لإيران سوف لن يعطي العراقيين الامل في مساهمته ببناء عراق يكون فيه الولاء للعراق اولا. وهل يمكن الاطمئنان إذا اصبح رئيسا فعليا للعراق في الموضوعات العالقة بين العراق وإيران وهي كثيرة ( شط العرب، الاراضي على طرفي الحدود، اتفاقية الجزائر 75 التي تضم موضوعاتهما، قضية الطائرات العراقية وغيرها الكثير ). هل ما طفى على السطح الآن بداية ستخيف العراق وتضع علامات استفهام على المجلس الاعلى ورئيسه لانهما سيأخذان التسليم بالمصالح الإيرانية على حساب المصالح الوطنية العراقية؟
كما وان ما يضر تقدم العراق والاسراع في إعادة بناءه تكرار رغبات إيران وإعادة شعاراتها المعادية للحلفاء بعد ان اظهرت استطلاعات الرأي بان الاغلبية تفضل بقائها. فهل يعمل السيد الحكيم والمجلس الاعلى من اجل المصلحة الوطنية العراقية إذا نفذ رغبات إيران في افشال المشروع الأمريكي لدمقرطة العراق وشفاءه بالكامل من المرض البعثفاشي المقيت حسب امنية رسفنجاني التي جاءت في تصريحه بان " نجاح امريكا في العراق خطر على إيران"؟
ومن المؤسف ايضا ان يختار المجلس الاعلى مؤسسة ايرانية ( المركز الإسلامي في لندن) للقائه مع العراقيين وحسب الدعوة التي وجهها المجلس. تملك لندن ما فيه الكفاية من القاعات والمراكز التي يمكن لرئيس عراقي ان يلتقي فيها بالعراقيين، وليس تحديدا مكان تموله الجمهورية الإسلامية الإيرانية وترعاه وتقوده حسب توجهها الفكري والسياسي ويديره ممثل للسيد خامنئي. ان تفجير مبنى للمجلس في بغداد عمل ارهابي قامت به جماعات النظام المقبور دون شك وهو ما يستنكره العراقيون كافه، كما يتمنون ان لا يكون ذلك العمل ردة فعل لتصريحات السيد الحكيم تلك واختياره مؤسسة إيرانية للقائه بالعراقيين في لندن. لان كشف الجماعات الارهابية الموالية للنظام السابق اسهل من معرفة الآخرين وهم حتما ليسوا اعداء العراق الجديد بالضرورة.
يتحمل مسؤولية الدفاع عن المصلحة الوطنية العراقية كل وطني شريف يفترض منه القول بشجاعة كاملة مشيرا إلى الخطا قبل استفحاله، ومن اجل الاسراع ببناء المجتمع المدني في العراق، خاصة في قضايا حساسة جدا بالنسبة للعراق والعراقيين ومنها شيعة العراق. ونتيجة لسلوك الكثير من رجال الدين الشيعة اتهم شيعة العراق بالولاء لإيران، كما اتهموا في اصولهم جراء ذلك، وهم العرب ومن القبائل العربية شديدة الولاء للعروبة. وياتي تصريح السيد الحكيم غير المحسوبة في باريس واختيار المجلس الاعلى عباءة إيرانية ( المركز الإسلامي في لندن) حتى عندما اصبح رئيسا لمجلس الحكم لتساعد اعوان النظام فيما ذهبوا إليه من اتهام باطل لشيعة العراق العرب والاكراد والتركمان خلال اربعة عقود من الزمان. ان على السياسي العراقي أيضا، ان اراد الخروج ببلده من الحالة المرضية التي يعيشها بعد اربعة عقود من حكم البعثفاشي، ان يلتزم بالمصلحة الوطنية متخليا عن المشاعر الخاصة والعصبية القومية والدينية والالتزام بالحياد الكامل بين العراقيين، ولكن اخذ مصلحة العراق قبل مصلحة الدول المحيطة، وفي ذلك يمكن ان بني عراق جديد يختلف بالكامل على ما خلفه نظام المقابر الجماعية والعهر السياسي والتسلط الحزبي والطائفي والمناطقي.