حجاج حسن ادول

&
&

حين ضمت مصر المنطقة النوبية الشمالية الضم الأخير في القرن الثالث عشر، وتقبل النوبيون ذلك، لم تستكف الحكومات المصرية بذلك، بل إنها أصرت وتصر حتى للآن على حذف الثقافة النوبية تعالياً عليها وريبة منها. تصر حتى الآن على أخذ المنطقة النوبية محذوفاً منها ثقافتها الخاصة. أي أن مصر تريد الوطن النوبي شراهة وجشعاً وتصعر خدها للنوبيين أصحاب هـذا الوطن. إن قبول هذا التعالي العنصري لأجل غير مسمى فيه استحالة. وسكوت النوبيين حتى نهايات القرن العشرين له أسبابه وكلها تنحصر في مصر التي من العصور القديمة لا تريد للنوبة أن تقوى في جنوبها. ونضيف ما كان على عاتق النوبيين من فقر وعوامل إضعاف ثم تهجيرات خزان أسوان وتهجير السد العالي البشع، فهزل قوامها وتهدلت منظومتها.
الآن على الحكومات المصرية القاهرية أن تفهم حقيقة بالغة السـذاجة لشدة بساطتها، الإنسان محمول ثقافي أساساً، استحالة الفصل بين مكونه البدني ومحمولة الثقافي، خاصة ونحن في بدايات عصر يقدر خصوصية كل إنسان مفرد وكل جماعة بشرية. ومسئولية الخصوصيات الثقافية لم تعد شئناً لكل دولة على حدة، فهـذا يخص البشرية كلها.
&النوبي لن يقبل المواطنة المصرية من فئة الدرجة الثانية. لن يتوغل في القرن الحادي والعشرون وهو في مرتبة دونية عنصرية، أبداً. قبول النوبيين للمواطنة المصرية بدون مشاكل قادمة مرتهن بقبول مصر الثقافة النوبية كرافد معترف به في مجمل الثقافة المصرية. إن رفضت مصر الثقافة النوبية وتعالت عليها، فعلى مصر أن تبتعد عن الوطن النوبي، وإن أصرت على ضم النوبة وسحق تراثها فما الفرق بينها وبين الدول الاستعمارية التي احتلت مصر نفسها وتعالت عليها وأذلت ناسها؟
&على مصر أن تعيد تدريس الأسرة النوبية الفرعونية الخامسة والعشرين. عليها أن تعمل على بث إذاعة باللغة النوبية. عليها أن تفك الحصار الـذي يفرضه تليفزيون مصر على دخول المـذيعات والمـذيعين السود، والتوقف عن المنع الخفي لعرض القطاع النوبي ومشاكله في مسلسلات وغيره.
&نحن النوبيون لسنا دعاة انفصال، نحن دعاة وصال. دعاة وحدة أمتي وادي النيل مصر والسودان. نحن دعاة تماسك بلدان حوض النيل، ومن ثم تماسك بلدان إفريقيا عامة. نحن النوبيون نعلم أن الفرقة والانفصالية كارثة كبرى على الكل، على النوبيين أولاً ثم على بقية مصر والسودان. نحن لسنا دعاة شرذمة وجعل إفريقيا والعالم العربي مجرد شظايا، بل نحن دعاة تكتل وتجمع ثقافي اقتصادي ثم سياسي بعد ذلك. ولن يكون هـذا إلا بالاعتراف بالخصوصيات داخل العموميات. فقط لا غير.
&على الحكومة المصرية سرعة تضميد الجروح النوبية. عليها سرعة الاعتراف بأنها والحكومات السابقة أساءوا للنوبة والنوبيين، عليها الاعتـذار بنبل وشرف. وعلى النوبيين في هـذه الحالة الهرولة للتعاون مع المسئولين على رفع ركام الترسبات التي تكلست داخلهم والانسياب في النهر المصري بسلاسة أفضل.