نصر المجالي من لندن: بدأ التنافس شديدا في الشهور الأخيرة بين الصحف البريطانية القومية اليومية الكبيرة على إصدار طبعات يومية لها من حجم "التابلويد" وهو حجم تعودته الساحة البريطانية لصحف صفراء تثير قضايا كبيرة من أجل تحقيق شعبية كبيرة وتوزيع أكبر سواء بسواء.
ومن بعد أن أصدرت صحيفة (إنديبندانت) وهي خامس جريدة بريطانية في حجم التوزيع اليومي نسخة مماثلة لنسختها القومية من حجم (التابلويد) ، بدأت الصحيفة الأعرق في بريطانيا وهي (التايمز) قبل أسابيع بإصدار صحيفة من نفس ذلك الحجم منافسة بذلك الجريدة الأحدث صدورا (إنديبندانت).
ومن حيث المادة الصحافية والمعلومات لم يتغير أي شيء على الإطلاق في مضمون العدد اليومي، لكن حجم الصحيفة هو الذي اصبح في حجم العدد المتعارف عليه لعقود من السنين. ولكن إخراج هذه الصحف تغير طبقا للمتطلبات الفنية الإخراجية، كما أن عدد الصفحات تزايد نتيجة لتلك المتطلبات، إضافة إلى أن سعر البيع للعدد الواحد حافظ على مستواه، وسط معركة حادة في شارع "فلييت ستريت".
ويعتقد أن موجة تحويل طباعة الصحف القومية المعروفة بحجمها الكبير جاء نتيجة للتطور الهائل في انتقال المعلومات عبر صحف الانترنيت التي صارت تشكل منافسا خطيرا للصحافة المطبوعة من حيث سرعة معلوماتها وإيصالها إلى المتلقين عبر وسائط عديدة توفرها شركات تعهدت ذلك عبر العالم وبمختلف اللغات.
وإضافة إلى ذلك، فإنه يبدو أن القارىء البريطاني للصحف اليومية وخصوصا أن غالبية القراء من مستخدمي وسائل النقل العامة كالحافلات وقطارات الأنفاق والسكك الحديد لم يعد بمقدورهم التعامل مع صحف ورقية بحجم كبير من القطع الورقية حيث الزحام مستمر في الحافلات والقطارات.
وإلى الآن هنالك صحف بريطانية شعبية مثل (الصن) و(ديلي ميرور) و(ديلي إكسبريس) و(ديلي ميل) إضافة إلى الصحيفة الأكثر انتشار من بعد ساعات الظهر وهي صحيفة "إيفنينغ ستاندرد" الأكثر متابعة من جانب الملايين حال انتهائهم من العمل، رغم شح معلوماتها التي هي في الغالب مستندة إلى معلومات كانت منشورة من قبل.
ويبدو أن التنافس في إصدار طبعات من الحجم الصغير (تابلويد) الذي بدات معركته بين التايمز العريقة والإنديبندانت الأحدث عمرا سيقود إلى معركة مهنية تنضم غليها في وقت قريب صحيفة (ديلي تلغراف) الأكثر توزيعا بين الصحف القومية رغم مشاكلها المالية ثم ستدخل إلى حلبة الصراع صحيفتا (الغارديان) و(الفايننانشال تايمز).
وإذا كانت المعطيات التقنية واحتياجات القراء من راكبي الحافلات والقطارات وقطارات الأنفاق في المملكة المتحدة قادت إلى هذه المعركة الحادة في تحديد حجم الصحف، فإن السؤال ذاته يطرح نفسه في شأن أحجام الصحف العربية التي لا زالت لم تقنن أوضاعها بعد ليس في الحجم وحسب بل في الإصدارات اليومية كملاحق أو الأسبوعية من دون تخطيط إداري أو مالي أو إعلاني، وهي أمور إذا لم يحسن استخدامها وبتوجيه حكيم ستقود إلى كوارث ليس مالية واقتصادية فقط بل إلى كوارث تعود سلبياتها على العمل الإعلامي والصحافي بمجمله.
يذكر أن صحيفتا (التايمز) و(إنديبندانت) حين عمدتا متنافستين إلى إصدار حجم التابلويد لم تتنازلا عن قواعد مهنية مؤصلة في العرف البريطاني قانونيا ومهنيا وهما لم تخسرا في الحال الإعلاني كثيرا، خصوصا وأنهما حافظتا على ذات القدر من التغطية الصحافية لأي حدث كان محليا أو عالميا. والحال نفسه في الإخراج الفني ولو أنه تقدم كثيرا نحو الأفضل.