اسكندر بيقاشا
&
&
&
&
لقد جرى الحديث كثيرا خلال الفترة القريبة الماضية عن المؤتمر العام الكلداني السرياني الآشوري الذي انعقد في بغداد22-24 تشرين الأول الماضي لكن مركزا النقاش دارحول الخلاف على التحضيرللمؤتمر واشكاليات التمثيل السياسي والديني ولكن القليل جدا قيل حول ما توصل اليه المؤتمر من مقررات وما احتواه البيان الختامي من آراء وأفكار والذي هو حصيلة الدراسات والمناقشات التي جرت على مدى ثلاثة ايام متتالية.
من ضمن المقررات الهامة والحساسة هي مطالبة المؤتمر بمنطقة ادارية ذاتية لشعبنا في سهل نينوى بمشاركة ابناء القوميات والطوائف الأخرىفي المنطقة. وهو يعتبر مطلبا خجولا بالمقارنة بمطالب قدٌمت سابقا ومنها المطالبة بالحكم الذاتي في المثلث الآشوري. فهل كان المطلب ضروريا؟ وهل كان واقعيا ومدروسا؟ وهل يجتاز المطلب الخطوط الحمراء التي لا يجوز لنا اجتيازها؟
ان المسيحيين عموما والكلدوآشوريين خصوصا يتناقصون يوما بعد يوم في الشرق الاوسط والعراق على وجه التحديد لأسباب اذكر منها عدم الاستقرار السياسي والحروب، فقدان الديمقراطية وحقوق الأنسان، التطرف الديني المتنامي، التعصب القومي وأخيرا العقلية العشائرية السائدة في العراق. كل هذا يجعل الكلدآشوريين يشعرون بالضعف والقلق وعدم الطمأنينة حول المستقبل.
الكل في العراق يعرف هذا الشعب المسالم،هذا الشعب الذي اعطى ويعطي بسخاء منذ وجوده على هذه الأرض ولحد الآن. فقد بنينا الحضارات القديمة، شارك شعبنا في بناء الحضارة العربية الإسلامية في زمن العباسيين خصوصا، كانوا في المقدمة في بناءالعراق منذ تأسيسه واستمروا في خدمة العراق على تعاقب الحكومات والأنظمة. وفي نهاية كل مرحلة وعند إجراءعملية عد المغانم والضحايا كانوا يجدون بأنهم هم اكبر الخاسرين ولا مكاسب لهم على الإطلاق. وحكومة البعث هي مثالا واضحا للأستغلال البشع الذي تعرض له الكلدوآشوريين أثناء فترة حكمهم حيث قتل ابنائهم وهجرت قراهم وأحرقت اديرتهم أثناء الحركة الكردية في السبعينات. ومقابل ذلك وُعدوا بالحقوق الثقافية والأدارية التى سرعان ما تنكروا لها عندما انتفت الحاجة اليهم. ثم رموا بهم في نار القادسية بحجة الدفاع عن الأمة العربية فقتل منهم عشرات الآلاف وأرسلوا للموت في الكويت دفاعا عن فلسطين والأمة الأسلامية، حسب ادعاءات سادة الحرب، والنتيجة معروفة للجميع. فماذا كسبوا من وراء كل هذا؟
&الجواب: لا شئ غير الألم والحزن وخيبة الأمل. وكانوا دوما ضحية لحروب لم يختاروها وليس له ناقة فيها ولاجمل.
اذا كنا نريد وقف نزيف الهجرة قي العراق فيجب علينا إزالة مسبباتها وبناء وطن يشعر المواطنون فيه بالطمأنينة والقوة كما ويشعرون فيه بالأعتزاز بقوميتهم ودينهم. لا خوف لهم من إخوتهم في الوطن لأنهم اكثرعددا أو لأنهم يحملون سلاحا اقوى أو ينتمون الى عشائر ذات سطوة ونفوذ،أي بمعنى آخر دولة القانون. لا بل والأهم من ذلك ترجمة الوعود والشعارات الى واقع ملموس نبرهن فيه على تضامن بقية ابناء العراق مع قضيتنا وحقوقنا القومية ونلمس فيه الرغبة الصادقة لهم في الحفاظ على خصائصنا القومية ووجودنا في العراق. ولا عجب في ذلك فقد امسى ابناء العراق جميعا لا يثقون بالشعارات والوعود.
ان الكلدآشوريين على وشك فقدان الكثير من خصائصهم القومية والتراثية نتيجة الحروب التي نشبت على اراضيهم بين الحكومةالعراقية والأكراد وما تبعها من سياسة التهجير التي اتبعها نظام صدام المقبور للقرى الكلدآشورية والكردية في تلك المنطقة والتي تسببت في تشتت ابنائه في المدن العراقية الكبيرة مثل الموصل وبغداد. ان آثار هذه الهجرة التي لم يمضي عليها اكثر من عقود قليلة بالإضافة الى سياسة التعريب التي انتهجها النظام الصدامي ظاهرة بوضوح في ضعف الاجيال الحالية بلغتهم وجهلهم للكثير من عادات وتقاليد آبائهم.
ومن شروط الشعور بالمواطنة الحقة هو العدل فإذا كان الأكراد الذين يسكنون حاليا اراضي كانت تعود الى الكلدآشوريين الى عهد قريب يحصلون على حكم فيدرالي على اراضي غيرهم، وأن يكون مثله للتركمان وهم الحديثي العهد نسبيا في العراق و يكون للعرب السيطرة على كل العراق، فلكم ان ان تتصوروا مقدار الألم والشعور بالغبن الذي ينتاب الكلدآشوريين حينما يُنكر لهم اقامة حكم ذاتي في منطقة صغيرة مما تبقى لهم من أراضيهم التأريخية كي يحافظوا فيه على خصائصهم القومية!!
ان الحل هو ان يكون للكلدوآشوري مثل غيره من ابناء العراق منطقة يحافظ فيه على شخصيته ويطورها، يحمي فيها لغته السريانية وتراثه وعاداته الأجتماعية والدينية التي ما هي إلا جزءا اصيلا من حضارة وادي الرافدين فخرنا جميعا. كما وأن ذلك يعطيه شعورا بالقدرة على ان يلعب دورا في بناء حياته ومستقبله وليس انسانا مهمشا ومواطنا من الدرجة الثانية غريبا في وطنه كما كان في العهود الماضية. ان مثل هذا البيت يعطيه شعورا بالقوة التي طالما افتقدها منذ ان دخل الإسلام ارض العراق واصبح عندها صاحب الأرض انسانا ذميا لا يحق له حتى حمل السلاح.
إن المنطقة المشار اليها(سهل نينوى ) والجبال المحيطة بها هي منطقة كلدوآشورية ماضيا وحاضرا ويسكن معظم قصباتها وقراها الكلدان الآشوريين السريان منذ آلاف السنين وهم يشكلون مزيجا متجانسا لغويا ودينيا وتراثيا كما يقع فيها بعض القرى اليزيدية والكردية التي تعايشت دوما في سلام ووئام معها. من ذلك نرى ان المطلب لا يتطلب أية اجراءات تهجير او استيطان تذكر وهي بالتالي لا تمس مصالح المجموعات العربية والكردية في المنطقة بشئ.
إن المنطقة التي يشير اليها المؤتمر لم تكن سابقا منطقة صراع بين العرب والكرد حيث كانت خارج منطقة الحكم الذاتي الكردي. كما ان مشروع الفيدرالية الذي طرحه اللأكراد قبل عدة ايام لم يتطرق حسب معلوماتي الاولية الى سهل نينوى بشئ ولا أجد سببا للأعتراض من جانبهم.
&اما العرب فإنهم يبدون متشككين من النظام الفيدرالي اساسا وخاصة الأثنية منها بإعتبار أن ذلك قد يقسم العراق الى كيانات اثنية يؤدي الى تباعدها وإنفصالها فيما بعد. وفيما يخص الحالة الكلدوآشورية فإنني على كامل الثقة من ان ذلك إنما سيزيدهم ارتباطا والتصاقا بالعراق وذلك لأنهم يعتبرون أن بلاد مابين النهرين كلها هي موطنهم وليسوا راغبين في تجزأته وتفسيمه وثانيهما أن الأغلبية الساحقه منهم يعيشون خارج المنطقة المذكورة وليس من مصلحتهم وضع اية حواجز بينهم.
&إن المطلب يأتي في فترة يحتدم فيها النقاش حول الدستور العراقي الجديد،وتشير معظم التوفعات على أن العراق مقبل على نظام ديمقراطي فيدرالي والنقاشات تتركز حاليا فيما إذا كانت فيدرالية أثنية أم اقليمية. لكن ايهما كانت فان هذه المنطقة الإدارية اراها مهمة جدا اذا كنا نريد بجد الإبقاء على هذا الشعب في العراق والمحافظة علىخصائصه القومية والتأريخية. اي انها بالإضافة الىالحرية والديمفراطية،حسب رأيي،هي التي ثحدد مستقبل الكلدوآشوريين في العراق.
&إن كان الكلدآشوريين قومية صغيرة العدد فهذا لا يعني أن حقوقهم ستكون أقل من الآخرين. وإن كان للعدد تأثيره عند فتح صناديق الأقتراع فللأرض والتأريخ حقوقها وفعلها ايضا. الكلدآشوريون سكنوا العراق وبنوها منذ القدم فالسهول والجبال تشهد بذلك. وإن كان لا يأتي لذكرهم عندما يحتدم السلاح و يسيطر منطق القوة ولكنهم قوة ثقافية وحضارية ضاربة، عمال ماهرين في البناء والإعمار وذوو زخم كبير نحو الديمقراطية والتحرر لا يستهان بهم اوقات السلم والأعمار.
&وأخيرا أود القول أنه ليس من مصلحتهم القومية ترك وطنهم والضياع في بلدان غريبة كما وانه ليس من مصلحة العراق ايضا فقدان هؤلاء الأبناء المخلصين.
التعليقات