محمود محمد الناكوع
&
&
&
تابعت عبر الفضائية الليبية اجزاء من الندوة الاقتصادية التى عقدت حوالي عشرين وواحد وعشرين من شهر ديسمبر 2003، والتى شارك فيها عدد من الخبراء الاقتصاديين الليبيين، كما شارك فيها عدد من اساتذة الجامعات الليبية، وعدد من رجال الاعمال وكان على رأس المشاركين الدكتور شكرى غانم الامين العام للجنة الشعبية العامة (رئيس مجلس الوزراء ) وهو خبير اقتصادى يتمتع بذكاء معروف.
الندوة كانت تبحث عن معالجة اقتصادية لمشكلة ميزانية الدعم لعدد من المواد الاساسية، وهي ميزانية تبلغ نحو مليار دينار سنويا،بل اقل من ذلك حسب بعض الارقام، وهذا المبلغ يساوى اقل من عشرة فى المئة من دخل ليبيا من النفط وحده سنويا. لكن الأهم فى المناقشات والمعالجات مسألة البدائل، او ماهو البديل الذى يجعل الخزانة الليبية قادرة على الغاء ميزانية الدعم دون ان يحدث الخلل الاقتصادي الذى قد يؤدى الى خلل سياسي مثل ما يسمى ( ثورة الخبز ) التى حدثت فى بعض الدول العربية، وكادت ان تطيح برؤسائها.
ومن خلال متابعتى لا حظت ثلاثة ظواهر ايجابية:
اولا: ان الندوة فعلا كانت ندوة خبراء واساتذة جامعات، بعيدة عن الشعارات وعن تهريج اللجان الثورية، وكانت تحاول ان تجد حلولا صحيحة لأزمات طال استمرارها ومنها ازمة تدنى دخل المواطن الليبى وهو يعيش فى بلد بحيرات النفط والغاز، وغيرهما من الثروات البحرية والسياحية والزراعية وهي ثروات مهملة.
ثانيا: ان فى ليبيا ــ ليس كما تعكس و توحى السياسة الاعلامية الليبية المتخلفة ـــ خبراء ومفكرون، وطاقات قادرة على معالجة ما يواجه البلاد من ازمات ومشكلات اذا اعطيت هذه القدرات الصلاحيات الكاملة، واذا توفرت لهم حرية التفكير والتعبير.فهؤلاء الخبراء، هم المؤهلون لانقاذ ليبيا من جميع ازماتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية اذا فعلا وجدت الارادة السياسية المخلصة الصادقة.
ثالثا: ان هذه الندوة تعتبر حالة صحية، ومثلا جيدا اذا كانت سياسة عامة وتحظى بالرعاية والاستمرارية من جانب المؤسسات وصانعى القرارات، اما اذا كانت مجرد حالة استثنائية منعزلة، فانها ستقود صاحب الفكرة و هؤلاء الخبراء وامثالهم الى مزيد من الاحباط والفشل.
هذه الندوة عقدت فى ظروف حرجة جدا بالنسبة للمواطن الليبى. وهي من اهم الندوات التى اعطت صورة ايجابية على نخبة من ابناء الشعب الليبى، يتمتعون بمهارات علمية جيدة، ومن المعلوم ان الخبراء يعطون رأيا ولا يملكون صلاحيات التنفيذ والتطبيق، وهذه الاراء تظل حبرا على ورق اذا لم تتوفر الارادة السياسية، واذا لم تتوفر القدرات التنفيذية.
زبدة الكلام ان ابناء وبنات الشعب الليبى، ورغم كل العقود العجاف، ورغم كل المحن والابتلاءات، فقد ظلوا قادرين على امتصاص آثار تلك المحن، (او ظل بعضهم على الاقل ) وظلوا متشبثين بالحياة وقادرين على التقاط الأنفاس، ومحبين لبلادهم، ومكافحين من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه، واصلاح ما يمكن اصلاحه.
وبعد بضعة ايام من انعقاد تلك الندوة، انعقدت المؤتمرات الشعبية، وتابعت عبر الفضائية الليبية بعضا من مناقشات تلك المؤتمرات، وتوقفت كثيرا امام مايقوله المواطنون البسطاء، ولاحظت ان الأغلبية الساحقة منهم يتحدثون بوضوح عن موضوعات اساسية تمس معاشاتهم ودخلهم الشهرى، انهم يتحدثون عن ملابس اولادهم وعن الطعام والشراب، وعن الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية. وسمعت بعض المتحدثين يشكون بمرارة، وكاد بعضهم ان يبكى مطالبا برفع المعاشات وبمراجعة قانون رقم 15، واغلب المتحدثين فى مؤتمرات عدة كانوا يتحدثون عن هذا( القانون الشرير) الذى حرمهم من رفع المرتبات لمدة تزيد عن عشرين عاما، بينما الاسعار ترتفع بصورة كبيرة، وقيمة الدينار تتهاوى امام العملات الاخرى.
ان الازمة الحقيقية فى ليبيا، وصلت الى اللحم الحي كما يقال، وصلت الى المطالب الاساسية، الى الخدمات الأساسية، وكاد الليبيون فى داخل الوطن ان ينسوا الحديث عن دولة الدستور ودولة القانون والحريات العامة، رغم انهاقضايا و مطالب اساسية بل هي حقوق اساسية، لكن حل بهم ما جعلهم يعتبرونها من الكماليات ومن الرفاهيات.
ان كل المناقشات الجارية فى داخل المؤتمرات واللجان والمؤسسات تدور حول مطالب البطون، والسكن، والملابس، والمياه، والعلاج.... كل هذا يحدث فى بلد اغناه الله بثروات كبيرة، وهذا البلد يسكنه شعب صغير، وشعب بدائي طيب الأصول والاعراق والاعراف، ولعل طيبته وبدائيته جعلته يرضى بالقليل من حقوقه الانسانية، وجعلته لايتحدث بلغة وثقافة ابى ذر الغفاري الثائر فى زمن دولة الاسلام العادلة، ولا بلغة علي ابن ابى طالب القائل ( عجبت لأمرء ينام جائعا وجاره شبعان، كيف لايرفع سيفه ).ولا بلغة عمر ابن الخطاب القائل ( لو كان الفقر رجلا لقتلته )
الى متى يظل هذا الشعب يعالج مرضاه فى تونس وفى الاردن وغيرهما من البلدان، وكان اولى ان تكون مستشفياته العامة والخاصة من افضل المستشفيات فى المنطقة؟
الى متى يظل هذا الشعب الطيب ينهشه الجوع والمرض والجهل، وخزينته العامة تعتبر من اغنى خزائن المنطقة على الاطلاق؟ وامواله تنهب و تبذر هنا وهناك دون رقيب او محاسب....
&لقد سقطت دولة الشعارات والهتافات واللجان الغوغائية فى ميدان معركة البناء الاجتماعى والاقتصادى.وظهر الناس يصرخون فى مؤتمراتهم الاساسية مطالبين بضرورات الحياة، الا يدل ذلك على انهيار كامل او شبه كامل لما يسمى بسلطة الشعب؟.
الى متى يظل الانسان فى هذا البلد الجميل الاصيل يعيش مهمشا منسيا، لا يسمع له صوت، ولا يستجاب له مطلب او نداء؟
&اما حان وقف مسيرة الخراب والدمار؟ اما حان تفكيك اللجان الثورية، واللجان الشعبية بعد ان ثبت فشل ادائها الادارى والاجتماعى والاقتصادى؟
ان ما سمعته من المواطنين وانا اتابع ما يقولون فى المؤتمرات الأساسية ينذر ( بانتفاضة الخبزاو انتفاضة المعاشات ) فى ليبيا، مثل تلك الانتفضات التى حدثت فى كل من تونس ومصرزمن حكم بورقيبة والسادات، وكادت ان تطيح بهما.
هناك اصوات كثيرة ترتفع من خارج ليبيا ومن داخلها، من الليبيين ومن غير الليبيين المتعاطفين مع الشعب الليبى داعية الى الاصلاح،داعية الى التغيير الشامل بعد ان ثبت فشل السلطة ولجانها، وداعية الى الاتجاه نحو سياسات جديدة، بارادة سياسية جديدة.... كلام كثير وتوقعات كثيرة. فهل تحدث المعجزة، وان يسمع الليبي قرارا من راس السلطة يؤكد ارادة سياسية نحو الاصلاح الحقيقى والشامل فى البلاد.؟
&اذا حدثت المعجزة ــ وشعبنا فى حاجة لها ــ فسوف يصفق لها الليبيون فى الداخل اولا اكثر من تصفيق جاك سترو وزير الخارجية البريطانية عندما صفق لقرار القيادة الليبية بتفكيك اسلحة الدمار الشامل.
ان الاصلاح الحقيقى، هو ذلك الاصلاح الذى يبدأ من المربع السياسى، وليس من المربع الأمنى وحده.ولا من المربع الاقتصادى وحده. الاصلاح الحقيقى يبدأ بوضع دستور للبلاد يحدد هيكل الدولة ومؤسساتها، ويحدد المسئوليات، ويقر مبدأ الانتخابات وصناديق الاقتراع لحسم مسالة التداول على السلطة بالطرق السلمية.
الاصلاح الحقيقى يتمثل فى اغلاق السجون السياسية، وتعزيز القضاء المستقل.
الاصلاح الحقيقى يتجسد فى اطلاق الحريات العامة، حرية التفكير والتعبير، وحرية الصحافة، وحرية تدفق المعلومات عبر كل وسائل الاعلام. هذ هو الاصلاح الحقيقى الذى يليق بالشعب الذى قتل نصف عدده فى معركة الحرية ومن اجل طرد المستعمرين حتى توج كفاحه العسكرى والسياسى بالاستقلال.
هذا هو الاصلاح الذى يجب ان نطالب به جميعا فى داخل الوطن وفى خارجه. هذه المبادئ تقع فى خانة الحقوق، وهي حقوق اساسية وجوهرية، وقد منحها الله الخالق لكل مواطن ويجب الا يتنازل عنها لأحد مهما طال الطريق....
ان هناك فرصة تاريخية تلوح فى الافق، وان رياح التغيير نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان تبدو اكثر ضغطا، وان اي نظام فى المنطقة العربية لن يتجاهلها او يفلت منها، وبذلك تصبح الكرة فى ملعب المناضلين الوطنيين الشرفاء فى داخل الوطن وخارجه، من داخل السلطة ومن خارجها، بل من داخل اللجان ومن خارجها، فليس كل من عمل فى تلك اللجان ملوث الضمير واليدين.
هذه الفرصة التاريخية تنادى الجميع الى الاتفاق على الهدف الاساسى، وبعد ذلك فليعمل كل بطريقته الى تحقيق ذلك الهدف،فلا مكان للخلافات الجانبية والتفصيلية.
&يجب ان توجه كل الجهود الوطنية للتأكيد بصوت واحد، ونداء واحد نحو: دولة القانون، دولة الديمقراطية الدستورية، دولة حرية الصحافة، دولة التداول السلمى على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. دولة الرفاه الاقتصادى للجميع، دولة التعليم المجانى للجميع وعبر كل مراحل التعليم، دولة تدفق المعلومات من اجل الجميع.
يجب الا تعطى اي فرصة للاصلاح المغشوش، اصلاح المساحيق، اصلاح تغيير الشعارات، وتغيير الاسماء، وابعاد فلان او علان، يجب الا تعطى اي فرصة لاصلاح الدوران حول الذات، على حساب الجماهير وحقها فى الاختيار الوطني الحر الفاعل.
يجب ان يكون الاصلاح جوهريا وشفافا وصادقا، وليس من المستحيل ان يحدث كل ذلك او الكثير منه اذا وجدت الارادة الوطنية متمثلة فى جميع القوى الوطنية الشريفة المؤمنة بدورها وحقها فى الحياة فى وطن حباه الله بخيرات كثيرة.
الندوة كانت تبحث عن معالجة اقتصادية لمشكلة ميزانية الدعم لعدد من المواد الاساسية، وهي ميزانية تبلغ نحو مليار دينار سنويا،بل اقل من ذلك حسب بعض الارقام، وهذا المبلغ يساوى اقل من عشرة فى المئة من دخل ليبيا من النفط وحده سنويا. لكن الأهم فى المناقشات والمعالجات مسألة البدائل، او ماهو البديل الذى يجعل الخزانة الليبية قادرة على الغاء ميزانية الدعم دون ان يحدث الخلل الاقتصادي الذى قد يؤدى الى خلل سياسي مثل ما يسمى ( ثورة الخبز ) التى حدثت فى بعض الدول العربية، وكادت ان تطيح برؤسائها.
ومن خلال متابعتى لا حظت ثلاثة ظواهر ايجابية:
اولا: ان الندوة فعلا كانت ندوة خبراء واساتذة جامعات، بعيدة عن الشعارات وعن تهريج اللجان الثورية، وكانت تحاول ان تجد حلولا صحيحة لأزمات طال استمرارها ومنها ازمة تدنى دخل المواطن الليبى وهو يعيش فى بلد بحيرات النفط والغاز، وغيرهما من الثروات البحرية والسياحية والزراعية وهي ثروات مهملة.
ثانيا: ان فى ليبيا ــ ليس كما تعكس و توحى السياسة الاعلامية الليبية المتخلفة ـــ خبراء ومفكرون، وطاقات قادرة على معالجة ما يواجه البلاد من ازمات ومشكلات اذا اعطيت هذه القدرات الصلاحيات الكاملة، واذا توفرت لهم حرية التفكير والتعبير.فهؤلاء الخبراء، هم المؤهلون لانقاذ ليبيا من جميع ازماتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية اذا فعلا وجدت الارادة السياسية المخلصة الصادقة.
ثالثا: ان هذه الندوة تعتبر حالة صحية، ومثلا جيدا اذا كانت سياسة عامة وتحظى بالرعاية والاستمرارية من جانب المؤسسات وصانعى القرارات، اما اذا كانت مجرد حالة استثنائية منعزلة، فانها ستقود صاحب الفكرة و هؤلاء الخبراء وامثالهم الى مزيد من الاحباط والفشل.
هذه الندوة عقدت فى ظروف حرجة جدا بالنسبة للمواطن الليبى. وهي من اهم الندوات التى اعطت صورة ايجابية على نخبة من ابناء الشعب الليبى، يتمتعون بمهارات علمية جيدة، ومن المعلوم ان الخبراء يعطون رأيا ولا يملكون صلاحيات التنفيذ والتطبيق، وهذه الاراء تظل حبرا على ورق اذا لم تتوفر الارادة السياسية، واذا لم تتوفر القدرات التنفيذية.
زبدة الكلام ان ابناء وبنات الشعب الليبى، ورغم كل العقود العجاف، ورغم كل المحن والابتلاءات، فقد ظلوا قادرين على امتصاص آثار تلك المحن، (او ظل بعضهم على الاقل ) وظلوا متشبثين بالحياة وقادرين على التقاط الأنفاس، ومحبين لبلادهم، ومكافحين من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه، واصلاح ما يمكن اصلاحه.
وبعد بضعة ايام من انعقاد تلك الندوة، انعقدت المؤتمرات الشعبية، وتابعت عبر الفضائية الليبية بعضا من مناقشات تلك المؤتمرات، وتوقفت كثيرا امام مايقوله المواطنون البسطاء، ولاحظت ان الأغلبية الساحقة منهم يتحدثون بوضوح عن موضوعات اساسية تمس معاشاتهم ودخلهم الشهرى، انهم يتحدثون عن ملابس اولادهم وعن الطعام والشراب، وعن الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية. وسمعت بعض المتحدثين يشكون بمرارة، وكاد بعضهم ان يبكى مطالبا برفع المعاشات وبمراجعة قانون رقم 15، واغلب المتحدثين فى مؤتمرات عدة كانوا يتحدثون عن هذا( القانون الشرير) الذى حرمهم من رفع المرتبات لمدة تزيد عن عشرين عاما، بينما الاسعار ترتفع بصورة كبيرة، وقيمة الدينار تتهاوى امام العملات الاخرى.
ان الازمة الحقيقية فى ليبيا، وصلت الى اللحم الحي كما يقال، وصلت الى المطالب الاساسية، الى الخدمات الأساسية، وكاد الليبيون فى داخل الوطن ان ينسوا الحديث عن دولة الدستور ودولة القانون والحريات العامة، رغم انهاقضايا و مطالب اساسية بل هي حقوق اساسية، لكن حل بهم ما جعلهم يعتبرونها من الكماليات ومن الرفاهيات.
ان كل المناقشات الجارية فى داخل المؤتمرات واللجان والمؤسسات تدور حول مطالب البطون، والسكن، والملابس، والمياه، والعلاج.... كل هذا يحدث فى بلد اغناه الله بثروات كبيرة، وهذا البلد يسكنه شعب صغير، وشعب بدائي طيب الأصول والاعراق والاعراف، ولعل طيبته وبدائيته جعلته يرضى بالقليل من حقوقه الانسانية، وجعلته لايتحدث بلغة وثقافة ابى ذر الغفاري الثائر فى زمن دولة الاسلام العادلة، ولا بلغة علي ابن ابى طالب القائل ( عجبت لأمرء ينام جائعا وجاره شبعان، كيف لايرفع سيفه ).ولا بلغة عمر ابن الخطاب القائل ( لو كان الفقر رجلا لقتلته )
الى متى يظل هذا الشعب يعالج مرضاه فى تونس وفى الاردن وغيرهما من البلدان، وكان اولى ان تكون مستشفياته العامة والخاصة من افضل المستشفيات فى المنطقة؟
الى متى يظل هذا الشعب الطيب ينهشه الجوع والمرض والجهل، وخزينته العامة تعتبر من اغنى خزائن المنطقة على الاطلاق؟ وامواله تنهب و تبذر هنا وهناك دون رقيب او محاسب....
&لقد سقطت دولة الشعارات والهتافات واللجان الغوغائية فى ميدان معركة البناء الاجتماعى والاقتصادى.وظهر الناس يصرخون فى مؤتمراتهم الاساسية مطالبين بضرورات الحياة، الا يدل ذلك على انهيار كامل او شبه كامل لما يسمى بسلطة الشعب؟.
الى متى يظل الانسان فى هذا البلد الجميل الاصيل يعيش مهمشا منسيا، لا يسمع له صوت، ولا يستجاب له مطلب او نداء؟
&اما حان وقف مسيرة الخراب والدمار؟ اما حان تفكيك اللجان الثورية، واللجان الشعبية بعد ان ثبت فشل ادائها الادارى والاجتماعى والاقتصادى؟
ان ما سمعته من المواطنين وانا اتابع ما يقولون فى المؤتمرات الأساسية ينذر ( بانتفاضة الخبزاو انتفاضة المعاشات ) فى ليبيا، مثل تلك الانتفضات التى حدثت فى كل من تونس ومصرزمن حكم بورقيبة والسادات، وكادت ان تطيح بهما.
هناك اصوات كثيرة ترتفع من خارج ليبيا ومن داخلها، من الليبيين ومن غير الليبيين المتعاطفين مع الشعب الليبى داعية الى الاصلاح،داعية الى التغيير الشامل بعد ان ثبت فشل السلطة ولجانها، وداعية الى الاتجاه نحو سياسات جديدة، بارادة سياسية جديدة.... كلام كثير وتوقعات كثيرة. فهل تحدث المعجزة، وان يسمع الليبي قرارا من راس السلطة يؤكد ارادة سياسية نحو الاصلاح الحقيقى والشامل فى البلاد.؟
&اذا حدثت المعجزة ــ وشعبنا فى حاجة لها ــ فسوف يصفق لها الليبيون فى الداخل اولا اكثر من تصفيق جاك سترو وزير الخارجية البريطانية عندما صفق لقرار القيادة الليبية بتفكيك اسلحة الدمار الشامل.
ان الاصلاح الحقيقى، هو ذلك الاصلاح الذى يبدأ من المربع السياسى، وليس من المربع الأمنى وحده.ولا من المربع الاقتصادى وحده. الاصلاح الحقيقى يبدأ بوضع دستور للبلاد يحدد هيكل الدولة ومؤسساتها، ويحدد المسئوليات، ويقر مبدأ الانتخابات وصناديق الاقتراع لحسم مسالة التداول على السلطة بالطرق السلمية.
الاصلاح الحقيقى يتمثل فى اغلاق السجون السياسية، وتعزيز القضاء المستقل.
الاصلاح الحقيقى يتجسد فى اطلاق الحريات العامة، حرية التفكير والتعبير، وحرية الصحافة، وحرية تدفق المعلومات عبر كل وسائل الاعلام. هذ هو الاصلاح الحقيقى الذى يليق بالشعب الذى قتل نصف عدده فى معركة الحرية ومن اجل طرد المستعمرين حتى توج كفاحه العسكرى والسياسى بالاستقلال.
هذا هو الاصلاح الذى يجب ان نطالب به جميعا فى داخل الوطن وفى خارجه. هذه المبادئ تقع فى خانة الحقوق، وهي حقوق اساسية وجوهرية، وقد منحها الله الخالق لكل مواطن ويجب الا يتنازل عنها لأحد مهما طال الطريق....
ان هناك فرصة تاريخية تلوح فى الافق، وان رياح التغيير نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان تبدو اكثر ضغطا، وان اي نظام فى المنطقة العربية لن يتجاهلها او يفلت منها، وبذلك تصبح الكرة فى ملعب المناضلين الوطنيين الشرفاء فى داخل الوطن وخارجه، من داخل السلطة ومن خارجها، بل من داخل اللجان ومن خارجها، فليس كل من عمل فى تلك اللجان ملوث الضمير واليدين.
هذه الفرصة التاريخية تنادى الجميع الى الاتفاق على الهدف الاساسى، وبعد ذلك فليعمل كل بطريقته الى تحقيق ذلك الهدف،فلا مكان للخلافات الجانبية والتفصيلية.
&يجب ان توجه كل الجهود الوطنية للتأكيد بصوت واحد، ونداء واحد نحو: دولة القانون، دولة الديمقراطية الدستورية، دولة حرية الصحافة، دولة التداول السلمى على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. دولة الرفاه الاقتصادى للجميع، دولة التعليم المجانى للجميع وعبر كل مراحل التعليم، دولة تدفق المعلومات من اجل الجميع.
يجب الا تعطى اي فرصة للاصلاح المغشوش، اصلاح المساحيق، اصلاح تغيير الشعارات، وتغيير الاسماء، وابعاد فلان او علان، يجب الا تعطى اي فرصة لاصلاح الدوران حول الذات، على حساب الجماهير وحقها فى الاختيار الوطني الحر الفاعل.
يجب ان يكون الاصلاح جوهريا وشفافا وصادقا، وليس من المستحيل ان يحدث كل ذلك او الكثير منه اذا وجدت الارادة الوطنية متمثلة فى جميع القوى الوطنية الشريفة المؤمنة بدورها وحقها فى الحياة فى وطن حباه الله بخيرات كثيرة.
التعليقات