سامي البحيري
&
عندما كنا فى المدرسة فى القاهرة، كانت هناك حرمة للمدرسة، فكنت على سبيل المثال اذا رغبت فى أنهاء صراع سياسى معين بالقوة مع تلميذ آخر منافس، فكان من العيب أن تتشاجر داخل المدرسة، لذلك كنت تقول له وبلهجة كلها تحدى: "أن كنت راجل صحيح أطلع لى برة "، والمقصود هو أن الشارع خارج المدرسة سوف يشهد عراكا حاميا بالأيدى وقد يصل الأمر الى أستخدام اسلحة الدمار الشامل مثل رش الحبر على الملابس وذر التراب فى الأعين والضرب على الرأس بأستخدام الشنطة الجلد المملوءة بكتب التاريخ والجغرافيا والمحفوظات، فقد كانت للمدرسة حرمة من جهة وكنا نخشى من (عصا) ناظر المدرسة من جهة أخرى. واذا كانت هذه حرمات المدارس، فما بالكم بحرمات المساجد، وخاصة حرمة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.
و(للحذاء) فى التاريخ الأنسانى والعربى منزلة أقل ما يقال فيها (أعزك لله) أنها غير محببة، وقد ورد فى القرآن أن الله سبحانه وتعالى قد أمر موسى عليه السلام بأن يخلع نعليه عندما تكلم اليه "أنى أنا ربك فأخلع نعليك انك بالوادى المقدس طوى" (سورة طه-12)
و لاأستطيع أن أجزم بالسبب التاريخى فى موضوع التقليل من شأن الحذاء، ولكنى أعتقد أن هذا قد بدأ منذ وطئت أول قدم بحذاء فى مخلفات البهائم وغيرها من القاذورات، والضرب بالحذاء فيه أهانة شديدة، وما زلت أذكر العبارة الفكاهية من أحدى مسرحيات الكوميدي (سمير غانم) حيث قال:"أنا أنضرب بالجزمة... لكن كرامتى فوق كل شيء".
و لاأستطيع أن أجزم بالسبب التاريخى فى موضوع التقليل من شأن الحذاء، ولكنى أعتقد أن هذا قد بدأ منذ وطئت أول قدم بحذاء فى مخلفات البهائم وغيرها من القاذورات، والضرب بالحذاء فيه أهانة شديدة، وما زلت أذكر العبارة الفكاهية من أحدى مسرحيات الكوميدي (سمير غانم) حيث قال:"أنا أنضرب بالجزمة... لكن كرامتى فوق كل شيء".
&ورغم هذا فان عدم أرتداء الحذاء كان ولايزال رمزا للفقر ويعتبر (الحفاء) عارا على صاحبه، وكثيرا ما نسمعهم يتكلمون عن شخص من أثرياء محدثى النعمة بقولهم: "ده كان حافى مش لاقى ياكل، دلوقت ما حدش عارف يكلمه".
وقد سمعت من قبل عن" الأطباق الطائرة "، ولكننى لم أشاهدها، وقد أتيحت لى الفرصة فى الأسبوع الماضى لمشاهدة "الأحذية الطائرة" داخل المسجد الأقصى، عندما رأيت على شاشة التليفزيون أحذية تطير فى الهواء فى أتجاه وزير الخارجية المصرى السيد أحمد ماهر، ورأيت الحرس الأسرائيلى والمصرى والفلسطينى وهم يحاولون أنقاذ الوزير من براثن الغوغاء، وأخذت أتخيله وهو فى طريقه الى مستشفى (هداسا) بالقدس وهو يقول لنفسه: "ما ينوب المخّلص الا تقطيع هدومه"، "أنا مالى ومال ده كله، ما يتحرق الأسرائيليين على الفلسطينين "، " كل لما نتوصل لأتفاق يرجعوا فيه"، "وبعدين يبقى كويس يعنى لو كانوا موتونى"، "أنا أفتكرت دلوقت: مش هم دول اللى قتلوا يوسف السباعى الله يرحمه"، "ومش دول اللى قال رئيسهم ياسر عرفات لما سمع بمقتل السادات:( نحن نقّبل اليد التى ضغطت على الزناد) "، "وبرضه هم دول نفسهم بالأشتراك مع صدام اللى كانوا ورا طرد مصر من جامعة الدول العربية، ولما شافوا بعض دول الخليج مترددة فى مقاطعة مصر، هددوهم وقالوا لهم بالحرف الواحد:( سوف نصل الى غرف نومكم) "، "أنا مالى ومال الكلام ده، بقى أنا يترمى على الجزم، وفين ؟ داخل المسجد الأقصى، أما ناس ما عندهاش أخلاق ولا دين ولا أحترام ، يقولوا على ايه ولا دى وأحفادى لما يشوفوا المنظر ده".
ويجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا، ان من أرتكبوا هذا الأعتداء ليسوا قلة أبدا كما أدعى البيان الفلسطينى الرسمى وأيده البيان المصرى الرسمى، بل يؤسفنى بأنهم يمثلون الكثرة الغوغائية فى الشارع العربى والفلسطينى اليوم، هؤلاء هم من يرفضون أى حل سلمى مع أسرائيل، هؤلاء هم من رفضوا معاهدة كامب دافيد الأولى والتى كانت ستضمن أنشاء الدولة الفلسطينية منذ أكثر من عشرين سنة، هؤلاء هم من سار وراءهم ياسر عرفات وأضاع على الفلسطينين فرصة عمرهم عندما رفض كامب دافيد الثانية مع باراك وكلينتون، هؤلاء هم من جاءوا بشارون الى الحكم وحققوا له أملا كان يحلم به، هؤلاء هم من يصفقون لتفجير الأتوبيسات والمطاعم لهدم أى بارقة أمل فى السلام، هؤلاء هم المتفقون مع المتطرفين اليهود لنسف السلام وأستمرار إراقة الدماء البريئة على الجانبين، هؤلاء يمثلون كل جبهات الرفض والصمود والتحدى وكل حملة الشعارات الجوفاء، هؤلاء يمثلون العروبيين والذين فشلوا فشلا رهيبا فى حروبهم ضد أسرائيل كما فشلوا فى محاولات السلام معها لأنهم لم يكونوا جادين، لم يكونوا رجالا.. لا فى الحرب ولا فى السلام، هؤلاء هم من أخترعوا تعبير حالة "اللاسلم واللاحرب" لكى يبقى الوضع على ما هو عليه لآستنزاف مقدرات الشعوب ولضمان بقاء الطغاة جاثمين على الصدور، من ألقوا بالأحذية على أحمد ماهر داخل المسجد الأقصى يمثلون خواء الشارع العربى، يمثلون منظمات حماس والجهاد وكتائب القسام وكتائب الأقصى ومنظمة الجماعة الأسلامية والجهاد المصرية والقاعدة والشعبية وغير الشعبية والقيادة العامة (أحمد جبريل) ومنظمة الأسد المرعب ومنظمة حلّق حوش الفدائية و... و...
الشئ الكوميدى الوحيد فى الموضوع هوأن (فاروق قدومى) وزير الخارجية الفلسطينى قال: بأنه يشك بأن الحادث من تدبير اسرائيل !! وشر البلية ما يضحك.
الأحذية الطائرة فى المسجد الأقصى تمثل العقول العربية التى طارت فى الهواء ولم ترجع.&
&
التعليقات