"إيلاف"من لندن: ودعت مملكة البحرين اليوم واحدا من رجالاتها من جيل البناة الأوائل الذين خاضوا معركة بناء الدولة البحرينية العصرية الحديثة وكان من أهم المستشارين المقربين لحكم أسرة آل خليفة الملكية وأول وزير للعلم لديها.
فقد نعت أنباء المنامة الوزير والكاتب والسياسي المخضرم يوسف بن أحمد الشيراوي الذي توفي أمس في أحد مستشفيات لندن إثر أزمة قلبية مفاجئة حادة لم تمهله طويلا.
ونعى الديوان الملكي البحريني وديوان رئيس مجلس الوزراء المفكر الراحل الشيراوي (77 عاما) الذي تقلد الوزارة منذ استقلال البحرين في العام 1970 وحمل حقائب عديدة كانت آخرها وزارة التنمية والصناعة، ومن قبلها وزارتي التنمية والخدمات الهنسية ووزارة شؤون مجلس الوزراء، إلى أن تفرغ العام 1995 لمنصب مستشار أمير البحرين ومستشار شركة (طيران الخليج) التي كان أحد مؤسسيها البارزين.
والشيراوي الراحل، فضلا عن أداء قسطه للعلا لوطنه البحرين مساهما في بنائه منذ تباشير ما قبل الاستقلال حتى اكتمال الدولة الحديثة، يعتبر واحد من مخضرمي حركة القوميين العرب مع جيلها المؤسس من أمثال جورج حبش وسامي المنيس وأحمد الخطيب ووديع حداد وهاني مهنا وغيرهم من أشاعوا فكرا عروبيا تجديديا نهضويا في نهايات أربعينيات القرن الفائت انطلاقا من مركز دراستهم في الجامعة الأميركية في بيروت التي تخرج منها الشيراوي مع رفاق الرعيل الأول مؤسسي الحركة التي ذبلت الآن.
وهو أيضا، عدا عن كونه مخططا اقتصاديا بارعا ومناظرا شارك في مئات من المناظرات والمساجلات العربية والعالمية، مغرم بالأدب والثقافة والفنون، حتى أنه اعتبر عند محبيه ومجايليه صديقا دائما لشاعر العرب عبر التاريخ من دون منازع أبي الطيب المتنبي الذي كتب عنه كتبا يحمل عنوان "أطلس المتنبي" وهو أيضا من البارعين في التعامل مع صوفية الدين والحب والعشق الإنساني، وكان متبعا وقارئا وحللا بارعا لرباعيات الشاعر الفارسي عمر الخيام.
وكان الراحل يوسف بن احمد الشيراوي جاء إلى العاصمة البريطانية لقضاء فترة عيد الأضحى مع زوجته الدكتورة مي التي هي ابنة الشاعر والأديب البحريني المعروف إبراهيم العريض، وفجأة ألمت به وعكة صحية عارضة نقل على إثرها إلى المستشفى وما لبث أن ودع الحياة.
وفقيد البحرين الكبير، من مواليد مدينة المحرق سنة 1927، وحصل على الشهادة الابتدائية والثانوية من البحرين وعلى البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1950، وكان أول بحريني يتخرج من الجامعة الأميركية، والتحق بالتعليم العالي في غلاسجو الاسكتلندية بين عامي 1953 و 1955 .
وفي بدايات عطاءاته، عمل الشيراوي مدرسا ونائبا لمدير مدرسة البحرين الثانوية في الفترة ما بين 1950 وحتى 1953، ومنذ عام 1955 وحتى 1957 عمل مساعدا لمدير التعليم - دائرة التعليم، وأصبح سكرتيرا للمجلس الاداري بالدولة ومساعدا لمستشار الحكومة في الفترة ما بين عامي 1956 و 1970.
وفي العام 1963 عين مديرا لشئون النفط ومديرا لمكتب التنمية بوزارة المالية واستمر في هذين المنصبين حتى عام 1970 ثم عين رئيسا لدائرة التنمية والخدمات الهندسية، وتقلد ثلاثة مناصب وزارية، الأول وزير التنمية والخدمات الهندسية وذلك في الفترة ما بين 1971 و 1975، والثاني: وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء بالوكالة على مدى عشر سنوات من 1982 وحتى 1992، والثالث وزير التنمية والصناعة وذلك العام 1995 .
ومن بعد ذلك أسندت إليه مسئوليات أخرى كانت على التوالي: رئيس مجلس ادارة شركتي البحرين الوطنية بابكو - بنوكو- وشركة الومنيوم البحرين ألبا، وعضو في مجلس ادارة شركة طيران الخليج ونائب رئيس وعضو في مجلس أمناء جامعة البحرين، وعضو شرف في مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو في المركز العالمي للدراسات الاستراتيجية في واشنطون.
وفي 25 نوفمبر (شباط) العام 1986 منحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وشاح الملك فيصل، وألف كتابا بعنوان: "التقويم العربي" عام 1990، ومثّل البحرين في العديد من المؤتمرات بالداخل والخارج، وعرف عنه انه من الرياضيين البارزين القدماء.
ويعرف عن الشيراوي الراحل انه ذا علم واطلاع واسعين ويملك خبرات وتجارب حافلة في العديد من المجالات التي عمل بها سواء في الإدارة أو الاقتصاد والصناعة سخرها لخدمة وطنه، فهو لم "يكن وزيرا عاديا ولكنه واحد من أكبر هواة الفلك في الوطن العربي. وقد عرف عنه عندما كان يدلي برأي في قضية ما إن يكون لرأيه وزن وخاصة في محاضراته وندواته داخل وخارج البحرين".
وكان الشيراوي إلى جانب انشغالاته ومهماته السياسية والاقتصادية متعدد المواهب وأحد المتبحرين في علم الفلك وقد وضع في ذلك العلم كتابا أطلق عليه اسم (تقويم الشيراوي) وضع فيه إلى جانب حساب الأشهر العربية ثروة من المعلومات عن علم الفلك العربي.
وتقول صحيفة "الشرق الوسط" اللندنية في تقرير عن رحيله نشرته اليوم "والمعروف عن الشيراوي انه شغوف بشيخ الشعراء أبو الطيب المتنبي وقد حاول على طريقة البحارة الخليجيين القدامى سبر أغوار هذا الشاعر والغوص في سيرته وحياته واضعاً ما يعرف بأطلس المتنبي". وللراحل ست بنات هن: سيما وريما وسيرين ودانا ورانيا وشيرمين.
وحول كتابه عن شاعر العرب أبي الطيب المتنبي كتبت تعليقات كثيرة شغلت الصحافة العربية الأدبية، وعل سبيل المثال تورد "إيلاف" تحليلا نقديا كانت كتبته صحيفة (الوطن) السعودية عن كتاب الشيراوي عن المتنبي وفيه قالت الآتي " شغل المتنبي الناس في حياته وشغلهم بعد مماته فبعد ألف عام من وفاته ما تزال العديد من الأسئلة حوله حائرة ليس لها جواب".
فما حقيقة نسبه هل هو ابن السقاء كما يقول حساده وأعداؤه أم انه من أسرة علوية شريفة النسب هل هو معروف النسب ام انه ابن غير شرعي هل تزوج وكم مرة ام انه لم يتزوج هل له ولد اسمه محمد وكم كان عمره وهل قتل معه أم انه لم يكن له ولد هل جدته التي توفيت في الكوفة هي أمه الحقيقية وأخفي أمرها لسبب من الأسباب أم أنها جدته بالفعل؟!
هذه الأسئلة وغيرها عن المتنبي وحياته لا تزال بلا إجابات حاسمة برغم اجتهادات العديد من الدارسين والنقاد قديما وحديثا حولها هذا عدا عن شراح شعره ونقاده الذين ما يزالون حتى اليوم يجدون فيه مجالا خصـبا للدراســة والتحليل
الاستاذ يوسف الشيراوي عكف على جانب جديد يتعلق بالمتنبي واخذ بدراسته وتحليله والبحث فيه ذلك هو تنقلات المتنبي وأسفاره شرقا وغربا وشمالا وجنوبا طوال حياته حيث خلص من تلك الدراسة الى إعداد ما سماه (أطلس المتنبي) وزوده بالخرائط الدقيقة لجغرافية العالم الاسلامي في زمن المتنبي (القرن الرابع الهجري) وكذلك خرائط للمناطق التي زارها والتي تمتد من جنوب تركيا وديار بكر إلى إيران والعراق وبلاد الشام ومصر والحجاز.
وفي الأخير، تقول الصحيفة "ومن خلال تتبع حياته ومراحلها المختلفة سواء في صباه في الكوفة وبادية السماوة إلى رحلاته شمال سوريا واتصاله بالأمراء وذهابه وإقامته في طبريا ثم إلى مصر في عهد كافور وعودته من مصر وكذلك رحلاته وأسفاره مع سيف الدولة الحمداني في حروبه ومروره على مدن وأماكن ومواقع عديدة أتى على ذكرها في شعره كل ذلك وضعه المؤلف في سياقاته التاريخية ورسم على الخرائط خطوط رحلات وأسفار المتنبي والأماكن والمدن التي مر بها وذكرها في شعره".