لم يشعر ديفيد (اسم مستعار) يوما بالأمان في العراق، ولا سيما بعد إقرار قانون يجرم المثلية الجنسية ويفرض عقوبات قد تصل إلى السجن 15 عاما.

هكذا روى الشاب العشريني العراقي تجربته لبي بي سي، كشخص من مجتمع الميم-عين في بلاده:

"لا أعرف بماذا شعرت حين بدأت تنتشر الأخبار حول هذا القانون. إنه قانون تمييزي، يسلب حقوق الإنسان، حقوق فئة مهمشة في المجتمع. كان من المفترض أن يُشرع قانون كي يحمي هؤلاء الناس، لا كي يعاقبهم. لطالما كانت الكراهية ضدنا كمجتمع ميم-عين موجودة ولكن هذا القانون سيزيدها. سيشكل مسوغا قانونيا يسمح لأي شخص بالاعتداء علينا بشكل اعتباطي.

لا أفهم سبب إقرار قانون كهذا. نحن بشر، لا نريد إلا أن نعيش بأمان، هكذا ببساطة. فلماذا تدعمون قانونا قد يؤذينا ونحن لم نؤذ أي أحد. من يدعمون قانونا كهذا ليسوا سوى متأثرين بالدعاية الدينية المتشددة، شعبويون لا يهمهم إلا رضا المجتمع لا أكثر."

  • أقر البرلمان العراقي مشروع قانون يجرم العلاقات الجنسية المثلية بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و15 عاماً. ويتضمن المشروع سجن الأشخاص العابرين جنسياً لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات. وقوبل هذا القانون الذي أقر في أبريل / نيسان الماضي – وجاء كتعديل لقانون "مكافحة البغاء" الحالي في البلاد - بانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان ودول غربية.

"في الماضي قبل إقرار القانون، كانت القوات الأمنية تعتدي على أي شخص يختلف عن الشكل النمطي أو يعبّر بطريقة أو بأخرى عن هوية جندرية مختلفة. كانت الانتهاكات والمضايقات تطاله لمجرد أن شعره طويل أو يرتدي زيا مختلفا عن الشائع أو يضع مساحيق تجميل، رغم أن هذه الأمور ليست دالة بالضرورة على المثلية الجنسية. الآن، مع إقرار هذا القانون، ستزيد البلاغات الكيدية ضدنا، وضد أي شخص مختلف جندريا. أنا أرى أن القانون الجديد سيوسع دائرة الاستهداف ضدنا.

لن تقتصر الانتهاكات التي تمارسها القوات الأمنية والميليشيات المسلحة علينا فحسب، بل سيصبح أي شخص داعم لمجتمع الميم-عين معرضاً للسجن، ناهيك عن الاعتداءات التي يمكن أن تحصل داخل السجن.

"التصويت على مقترح القانون جاء انسجاما مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية وحفاظا على كيان المجتمع العراقي من الانحلال الأخلاقي ودعوات المثلية التي غزت العالم ولخلو التشريعات العراقية من العقاب الرادع لأفعال المثلية ومن بروج لها"

بيان مجلس النواب العراقي

لضمان سلامتي وسلامة أصدقائي المثليين، قررنا – بعد إقرار القانون- اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية، كالتأكد من هوية الأشخاص المضافين على حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذف أي شخص لا نثق به. نحن الآن أكثر عرضة للضرر والخطر."

تحديات مجتمع الميم عين في العراق

يواجه أفراد مجتمع الميم-عين في العراق تحديات عدة
Getty Images

"في كل يوم نشهد همزا ولمزا بشأننا. لم يأت يوم لم نر فيه واقعة تحرش تطالنا أو أقله نوعا من المضايقات. وضعنا لم يكن أفضل يوماً، فهو من سيء إلى أسوأ. ولا أمل عندي في تحسن الوضع إطلاقا، لا الآن ولا بعد خمسين أو مائة سنة حتى. وأشارك هذا الشعور مع كل الذين أعرفهم داخل العراق من مجتمع الميم-عين والداعمين له. نشعر بشكل عام أن 99% من الشعب يرفض حقوق المرأة والطفل أساسا فكيف له أن يتقبلنا؟

أنا وغيري هنا نفكر بجدية في مغادرة العراق ولكن لا وسيلة أو منظمة تساعدنا على ذلك. في كل مرة أخرج فيها مع أصدقائي، بمجرد أن ملابسنا أو هيئتنا أو طريقة حديثنا مختلفة عما هو معتاد عليه مجتمعيا، نتعرض للعنف اللفظي أو نسمع كلاما غير لائق ويصل الأمر أحيانا إلى حد التحرش بنا.

لا يوجد مكان آمن كي نلتقي فيه بالعراق، وبالتالي نجتمع إلكترونيا فقط. وسائل التواصل الاجتماعي هي المنفذ الوحيد. إذا خرجنا للجلوس في مقهى، نظرات الناس تلاحقنا بغرابة، يتهامسون بينهم بشكل مزعج. غالبية المرات التي أخرج فيها إلى الشارع، توقفني سيارات وتعرض عليّ الركوب مجانا، والمقصود هنا واضح بالطبع! في الجامعة أتلقى انتقادات على الدوام لمجرد أنني أحب ارتداء بعض الاكسسوارات. وقد تعرضت لمشكلة بالفعل بسبب ذلك، كادوا يفصلونني، ومنعوا دخول أي طالب يرتدي اكسسوارات إلى حرم الجامعة.

الأمر لا يختلف بين مدينة وأخرى في العراق، فالأخطار التي تلاحقنا هي نفسها داخل العاصمة أو خارجها، كذلك في كردستان التي تعد أكثر حرية. والدليل هو تعرض بعضنا للقتل، مثل نور بي إم الذي قتل في بغداد قبل أشهر عدة، وحادثة مقتل إحدى المتحولات جنسيا في كردستان في فبراير – شباط الماضي."

ماذا يعني أن تكون مثليا في العراق؟

أقر البرلمان العراقي قانونا يجرم المثلية الجنسية ويقضي بالسجن 15 عاما على أفراد مجتمع الميم-عين
Getty Images

"منذ صغري كنت دائما أتصرف على نحو يعد غير مقبول في المجتمع. فكنت دائم الاهتمام بهيئتي وأجمّل حواجبي وأزيل الشعر عن وجهي أو جسمي. بسبب ذلك، كنت أتلقى تعليقات مسيئة من الأهل والأقارب. يقال لي إن هذه أفعال "المخنثين" على حد تعبير كثيرين، ورغم ذلك كنت أفعل ما يحلو لي. تصرفاتي كانت مرفوضة من المجتمع، وكنت أخاف من النظرة المجتمعية للمثليين. نكرت أنني مثليا، وكنت أتظاهر بكره المثليين أصلا. لكن الحقيقة عكس ذلك: ليس المثليين من أكرههم بل نظرة المجتمع لهم.

عندما بلغت 18 عاما، كنت أتابع صفحات حقوقية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكنت مهتما بحقوق الإنسان بشكل عام، واكتشفت أن المثليين يستحقون حياة كريمة.

عندما كنت أشاهد أعمالا درامية، في أغلب المشاهد الرومانسية تكون العلاقات بين ذكر وأنثى. كنت أتساءل لماذا لا نرى علاقات بين ذكر وذكر أو بين أنثى و أنثى؟ ثم أتذكر أن أهلي ومجتمعي يعتبرون الأمر حراما. لكن ذلك لم يمنعني من التفكير في الموضوع.

فاختلطت بأشخاص مثليين يدافعون عن قضيتهم بشغف وشعرت بنوع من الانتماء، وكانت عقلياتنا تتشابه إلى حد كبير. أدركت أنه ليس خطأ أن أكون مثليا، وأنه لا ينبغي أن نكره المثليين لمجرد أن المجتمع يكرههم."