كريستيان شيز من القدس: فكرة بناء جدار فاصل في الضفة الغربية طرحها اليسار في الاساس وكان يعارضها ارييل شارون، بيد انه اصبح عنصرا محوريا في استراتيجية رئيس الوزراء الاسرائيلي اذ انه سيرسم بحكم الامر الواقع حدود الدولة الفلسطينية المقبلة. ويعتبر&البعض هذا الجدار&بمثابة سلاح محتمل في المعركة الديموغرافية&اذ انه يهدف&الى منع وقوع هجمات فلسطينية، لكن قد يكون له هدف اخر هو الحفاظ على غالبية يهودية في اسرائيل. ويصل الى اسرائيل اليوم وفد اميركى لاجراء مباحثات حول خطة الانفصال الاحادي الجانب. من جانبه، طلب&وزير الدفاع الاسرائيلي&شاوول موفاز&ان تحتفظ اسرائيل بالسيطرة على الحدود بين قطاع غزة ومصر بعد رحيل المستوطنين. ويسعى الفلسطينيون&من خلال رفع قضية الجدار&الى محكمة العدل&الدولية الهيئة القضائية الرئيسية في الامم المتحدة، الى ادانة احتلال اسرائيل لاراضيهم.
وهذا الجدار الذي ستبدأ محكمة العدل الدولية جلساتها للنظر في شرعيته اعتبارا من 23 شباط/فبراير الحالي في لاهاي يندرج في اطار خطة "فك ارتباط" احادية الجانب واسعة كشف عنها شارون في كانون الاول/ديسمبر الماضي. وتنص هذه الخطة على اخلاء اسرائيل لبعض المستوطنات المعزولة (17 في قطاع غزة وثلاث على الاقل في الضفة الغربية على ما افاد شارون) لكنها ستؤدي خصوصا الى ضم الدولة العبرية عمليا لمناطق واسعة في الضفة الغربية.
وفي هذا الاطار يرى المحلل الاسرائيلي دان شوفتان ان الجدار "هو الجزء المادي من استراتيجية" شارون. ويضيف ان الجدار "يجعل هذه الاستراتيجية قابلة للتطبيق" لان ما من شك بنظره، ان كل المناطق في الضفة الغربية الواقعة شرق هذا الجدار اي من الجانب الفلسطيني "لن تكون ضمن الاراضي الاسرائيلية" وستكون عائدة "لدولة فلسطينية او كيان مهما كان شكله، سيقام هناك".
اما مستوطنات الضفة الغربية التي ستكون "على الجانب الاخر" سيتم التخلي عنها بطبيعة الحال. ولهذا السبب يعارض اليمين القومي والمستوطنون هذا الجدار. وشارون الذي كان معارضا لهذا الجدار في البداية عاد ليؤيد هذه الفكرة عندما ادرك بعد موجة من الهجمات الانتحارية ان الاسرائيليين بغالبيتهم العظمى يدعمون هذا المشروع.
وقد سعى الى تغيير مسار الجدار حتى يقع اكبر عدد من المستوطنات في الجانب الاسرائيلي. لكن في الواقع هذا الجدار الذي يقول شارون انه مجرد "سياج امني"، يعتبره المعنيون جميعا من مستوطنين وفلسطينيين على انه رسم للحدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية المقبلة. ويشدد شوفتان على ان الجدار "في الحقيقة هو سياج سياسي".
وتتهم السلطة الفلسطينية شارون بانه يحاول في الواقع تحت غطاء مكافحة الارهاب، ضم جزء من الضفة الغربية حتى تكون الدولة الفلسطينية المحتملة مجرد "معزل" يبقى تحت هيمنة جارته النافذة. وترى السلطة الفلسطينية تاليا ان مشروع شارون لا يتماشى مع "خارطة الطريق" خطة السلام الدولية التي تنص على قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار بحلول العام 2005.
وفي هذا الاطار ترتدي مساحة المناطق في الضفة الغربية التي ستكون تحت اشراف اسرائيلي بسبب هذا الجدار، اهمية حيوية. وتبقى علامة الاستفهام الرئيسية في احتمال بناء جدار في القسم الشرقي من الضفة الغربية للسماح لاسرائيل بالمحافظة على سيطرتها على وادي الاردن ومنع الدولة الفلسطينية من الحصول على حدود مشتركة مع الاردن.
ويوضح شوفتان ان شارون "يريد ان يبقي على حزام (صحي) على طول نهر الاردن والبحر الميت لمنع الفلسطينيين من تدمير الاردن وتمرير اسلحة عبرالحدود الاردنية كتلك التي يحصلون عليها حاليا عبر الحدود مع مصر" في قطاع غزة. لكن سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين والاحتلال الاميركي للعراق ازالا اي تهديد مداهم لاسرائيل على الجبهة الشرقية.
بيد ان المحلل الاسرائيلي يشدد على ان "اسرائيل لا يمكنها ان تعرف ماذا سيحل بالعراق" بعد رحيل الاميركيين. وتقول ديانا بوتو المستشارة القانونية لمنظمة التحرير الفلسطينية ان "اسرائيل ستضم 40 الى 45% تقريبا من الضفة الغربية" تبعا لعرض الجدار.
وقبول شارون الان بمبدأ قيام دولة فلسطينية ضعيفة واخلاء بعض المستوطنات المعزولة، لا يشكل تحولا مفاجئا في نهجه بل يندرج في الواقع في صلب المواقف التي دافع عنها طوال حياته.
&
***الجدار الفاصل في الضفة الغربية***
يتألف الجدار الفاصل الذي تبنيه اسرائيل في الضفة الغربية والذي ستبحث محكمة العدل الدولية في شرعيته اعتبارا من 23 شباط/فبراير الحالي من عدة اجزاء والهدف منه رسميا الحؤول دون وقوع هجمات فلسطينية داخل اسرائيل وضد المستوطنات اليهودية. ويعتبر هذا الجدار الذي سيمتد على مسافة 730 كيلومترا متى انجز، من اكثر المشاريع التي قامت بها اسرائيل كلفة. وتقدر كلفته الاجمالية بحوالى 3.4 مليارات دولار.
وقد انجز حتى الان 180 كيلومترا من هذا الجدار لا سيما في شمال الضفة الغربية المحتلة وفي منطقة القدس. وتأمل السلطات الاسرائيلية الانتهاء من بنائه قبل نهاية العام 2005. وباشرت اسرائيل اعمال البناء في حزيران/يونيو 2002. وهذا الجدار الذي تطلق عليه اسرائيل اسم "سياج الوقاية من الارهاب" والفلسطينيون اسم "جدار الفصل العنصري"، يتوغل احيانا في عمق الضفة الغربية ليشمل المستوطنات الرئيسية.
وفي بعض المناطق يأخذ شكل سياج بارتفاع ثلاثة امتار مجهز بنظام الكتروني لرصد عمليات التسلل. وهو محاط شرقا بكتل من الاسلاك الشائكة هرمية الشكل وبحفرة وطريق للقيام بدوريات. واقيم طريق اخر للدوريات محاط باسلاك شائكة ايضا غرب الجدار المركزي. ويبلغ متوسط عرض الجدار بكل مكوناته ومنها طريق رملية لتقفي اثار الاقدام، خمسين مترا. ويتم حاليا وضع نظام مراقبة الكترونية بالقرب من الجدار في الجزء الخاضع للسيطرة الاسرائيلية.
وفي مناطق اخرى مثل قلقيلية في شمال الضفة الغربية او ابو ديس في ضاحية القدس الشرقية، يتحول السياج الى جدار فعلي مؤلف من كتل اسمنتية بارتفاع ثمانية امتار. وتفيد اسرائيل ان هذا الجدار هو لمنع عمليات التسلل ونيران القناصة. وابقت اسرائيل على بعض "الابواب" في الجدار للسماح للفلسطينيين الذين يحملون التراخيص الضرورية بالعبور.
ومن المقرر اقامة حائط مزدوج شرق مطار بن غوريون الدولي قرب تل ابيب على ان يسير الجدار الاول بشكل عام بمحاذاة الحدود مع الضفة الغربية على بعد سبعة كيلومترات من المطار والثاني على بعد حوالى 15 كيلومترا داخل الضفة الغربية. وفي نهاية المطاف سيضم الجدار 80% من المستوطنين البالغ عددهم نحو 220 الفا في الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية المحتلة التي ضمتها اسرائيل.
لكن العشرات من المستوطنات اليهودية الصغيرة الواقعة في عمق الضفة الغربية ستكون خارج هذا الجدار. ويفيد تقرير لمكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية ان 11% فقط من مسار الجدار يسير بمحاذاة "الخط الاخضر" الفاصل بين الضفة الغربية واسرائيل. ويضيف التقرير ان اكثر من 274 الف فلسطيني في 122 بلدة ومدينة "سيقيمون في مناطق مغلقة بين الجدار والخط الاخضر او في جيوب محاطة كليا بجدار".
ويوضح ان حوالى 850 كيلومترا مربعا من الضفة الغربية المحتلة -باستثناء القدس الشرقية- اي 14.5 % من مساحتها ستكون في الجانب الذي تشرف عليه اسرائيل.
&
***انعاكسات الجدار على الفلسطينيين بالارقام***

تفيد الامم المتحدة ان نحو 680 الف فلسطيني في الضفة الغربية سيتأثرون سلبا مباشرة بالجدار الفاصل الذي تبنيه اسرائيل والذي ستبحث محكمة العدل الدولية في لاهاي في شرعيته اعتبارا من 23 شباط/فبراير. ويوضح تقرير اعده مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية ان حوالى 850 كيلومترا مربعا من الضفة الغربية المحتلة -باستثناء القدس الشرقية- اي 14.5 % من مساحتها ستقع بين هذا الجدار وخط الهدنة لعام 1949 الذي يطلق عليه اسم "الخط الاخضر".
ويضيف التقرير ان اكثر من 274 الف فلسطيني في 122 بلدة ومدينة "سيعيشون في مناطق مغلقة بين الجدار والخط الاخضر او في جيوب محاطة كليا بجدار". وسيضطر اكثر من 400 الف فلسطيني يقيمون شرق الجدار الى عبور بعض الحواجز للوصول الى مزارعهم او اماكن عملهم. ويؤكد المصدر ذاته "هذا يعني ان الجدار سيؤثر سلبا ومباشرة على اكثر من 680 الف فلسطيني اي 30% من سكان الضفة الغربية".
فقط 11% من مسار الجدار الذي يفترض ان يمتد على مسافة 730 كيلومترا، يسير بمحاذاة "الخط الاخضر" الذي يفصل بين الضفة الغربية واسرائيل بحسب التقرير. وبسبب هذا المسار المتعرج الذي يتوغل في عمق الضفة الغربية سيكون الجدار الفاصل متى تم انجازه، اطول بكثير من الخط الاخضر على ما يؤكد المصدر ذاته.
ويفيد التقرير ان "الاضرار الناجمة عن تدمير اراض وممتلكات لبناء الجدار لا يمكن الرجوع عنها والفلسطينيون قد لا يتعافون منها حتى لو تحسن الوضع السياسي". وقد ادى الجدار الذي انجز 180 كيلومترا منه حتى الان، الى عزل بلدات بكاملها في الضفة الغربية، عن الاسواق والخدمات الطبية والمدارس.
ولانجاز هذا الجزء من الجدار تمت مصادرة اكثر من 1100 هكتار من الاراضي الفلسطينية الخاصة واقتلاع اكثر من 102 الف شجرة وفق مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية. وتعتبر هذه الاراضي التي يعمل فيها ربع السكان المحليين، الاكثر خصوبة في الضفة الغربية. وتدر ما مجموعه 900 الف دولار سنويا في الكيلومتر المربع الواحد اي ضعف ما تدره الحقول الاخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة. وادى الجدار الى عرقلة الوصول الى آبار وموارد ماء اخرى في المنطقة.
ورسم مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية صورة قاتمة اكثر لانعاكسات الجدار على السكان الفلسطينيين في ضواحي القدس الشرقية. وقد تم انجاز 22 كيلومترا من الجدار في هذه المنطقة. ويوضح المصدر ذاته ان "البلدات المحيطة بالقدس ستصبح معزولة عن المدينة التي تعتمد عليها في التجارة والعمل والخدمات الاجتماعية الاساسية" بما في ذلك الطبابة والتعليم.
ووصفت صحيفة الاهرام الحكومية المصرية الموقف الاوروبي من قضية الجدار العازل بأنه&"غير اخلاقي.