داود البصري&&

&

لم أكن أشك للحظة واحدة في مدى الإرتباطات الوثيقة بل والمتداخلة بين الصحافة والإعلام والفضائيات.. والإستخبارات والأجهزة الأمنية الخاصة، لأن ذلك الإرتباط ببساطة من طبائع الأمور وضرورتها أيضا ؟ ولكنني أيضا لا أخفي ذهولي من إرتباط قناة "الجزيرة" القطرية وحجم تورطها الهائل في مستنقع العمالة والذيلية والإرتباط بأتعس نظام سياسي عربي في العصر الحديث! فما أثير سابقا من كلام وتكهنات حول علاقات مفترضة بين الجزيرة ونظام صدام البائد يمكن أن يفسر وفق زوايا وإجتهادات عديدة.. ولكن بعد أن تحدثت الوثائق فلابد للحقائق أن تتكلم، ولابد أن تكون الصراحة والمكاشفة سيدة الموقف، ولابد من وقفة موضوعية وجريئة وحاسمة تكشف كل المستور وتعري كل أصوات النفاق والإنبطاح وتضع على المحك حقيقة سماسرة الإعلام القومي وباعة الشعارات الوطنية في أسواق النخاسة الإستخبارية!! وهم يظهرون بصورتهم الذليلة كعبيد للفاشست والطغاة وقتلة الشعوب ويلتفون على شعاراتهم البراقة كشعار: (من حق الشعوب أن تعرف)! وشعارات الرأي والرأي الآخر ليجندوها في خدمة غلمان الطاغية البائد ودوائره الإستخبارية الفاشلة الذليلة والتي لاهم لها إلا متابعة الأقلام والأصوات الحرة ومطاردتهم وتهديد أهاليهم وتشويه سمعتهم إعتمادا على تقارير (إعلاميو العروبة) وملاحظاتهم القيمة وليكونوا هم وشهادات الدكتوراه التي يحملونها مجرد جنود مجندة وبائسة وذليلة في خدمة الجهلة والقتلة وسقط المتاع من أمثال ( الدكتور الخطير والجنرال اللامع عبد حمود التكريتي..) والذي فتح فيصل القاسم فمه معه في أوسع إبتسامة في صورتهما التاريخية معا قبل شهور قليلة من السقوط!! فتصوروا مالذي يجمع بين فتى الشاشة الأول فيصل القاسم وبين وحش الشاشة البعثية عبد حمود؟ هل هو التخصص الأكاديمي وحده بإعتبار التكريتي يحمل الدكتوراه أيضا في العلوم العسكرية ولو عن طريق البلطجة!!، المهم أن ورود إسمي المتواضع في التقرير الإستخباري الجديد والوثائقي لصور التعامل بين الجزيرة وحلفاؤها في النظام الصدامي البائد يسلط الضوء أكثر فأكثر على حقيقة الإعلام العربي الفضائي وعلى مدى الإرتباط بين الدبلوماسية والصحافة والسياسة والمخابرات والأجهزة السرية! وهي الإشكالية التي تلقي بظلالها الدائمة على محترفي العمل الإعلامي بشكل عام، فالخيط رفيع بين البراءة والإدانة، ولست قاضيا ولاحاكم عدل كي أستطيع تقويم الأمور ولكنني هنا وعبر هذه المقالة العابرة أدلي بشهادتي المتواضعة في الأمور التي جرت معي وأترك الباقي لمن هم أقدر مني على رصد الخفايا والزوايا ومعرفة الإتجاهات؟... ففي الوثائق المنشورة أخيرا في المؤتمر العراقية وفي إيلاف الإلكترونية وردت معلومات لم تكن جديدة، بل كانت معروفة مسبقا ومنذ زمن حدوثها عن لقاءات وإتصالات جرت بين الجزيرة وبين الدكتور فيصل القاسم بالتحديد وبين رموز النظام العراقي، كما نشرت منذ عام 2002 وقبل سقوط النظام في صحيفة (المؤتمر) اللندنية المعارضة وقتذاك صورا للسيد فيصل القاسم مع عبد حمود وعدي صدام وزيارته للعراق كانت معروفة وعلنية وأشيعت أخبارها في زوايا الأرض الأربعة، وأعتقد أن ورود إسم فيصل القاسم في لقاء مجاملة دبلوماسي ولربما لقاء عمل في الدوحة ليس بالأمر الغريب ولا السر المثير لأن من المعروف عن النظام العراقي البائد ولعه حد المرض بالإعلام وخوفه من كلمات المعارضين، وحرصه الدائم على إخراس الأصوات، وكرمه المبالغ به في شراء الأصوات والمحازبين والأنصار ولو كانوا من أعتى الخصوم السابقين! وشرطه الوحيد أن لايكونوا عراقيين!!! فالنظام لايدفع لأي عراقي أي فلس؟ وحتى الذين مجدوا النظام من مثقفي السلطة كانت أوضاعهم المادية مزرية! والطريف أن عقلية النظام في الرشوة أسيرة لخلفية أساطين النظام الريفية المتخلفة! فهداياهم على الدوام تتراوح بين تقديم الويسكي والهدايا العينية وأحيانا خدمات خاصة وإنتيم جدا يمنعني خدش حياء القراء من ذكرها!! ولكنها معروفة على أية حال !! وسفارة صدام في دولة الكويت قبل الغزو والإحتلال كانت مرآة عاكسة لتصرفات النظام وأساليبه المتخلفة، والوثائق المذكورة تحدثت عن حوار بين القاسم والمسؤول الإستخباري العراقي وهو حوار عادي للغاية وخصوصا حينما يلجأ القاسم لوصفي والأخ فائق الشيخ علي بالعملاء.. وأنه يريد تعريتنا أمام الملأ العربي والرأي العام؟ فهذا شرف لنا ووسام شرف نعتز به ونفخر ولكنه تبرير مقبول دبلوماسيا فما عساه يبرر للنظام العراقي حالة إستضافة معارضين عراقيين وهي مسألة تغضب بغداد كثيرا؟ ولكنه بالمقابل بريد نجاح مدوي وضجة إعلامية لبرنامجه؟ وأعتقد أن السيد فيصل كان يحاول الإستفادة من جميع الأطراف لمصلحته ومصلحة المحطة التي يعمل بها؟ وسيكون ساذجا إن لم يقبل الهدايا والعطايا كونها تدخل ضمن المقبول والمسموح خصوصا إذا كانت من صنف المسكرات والمعطرات...؟ ولاوجود لدليل مادي على إستلام أموال ودولارات أو ريالات حتى اليوم على الأقل.. ولكن ذلك لايعني أنه لم يحصل إستلام وتسليم في مراحل معينة؟ فمن يقبل الويسكي والبيرة وهي بالمناسبة متوفرة للبيع في مطار الدوحة يتقبل أشياء أكثر أهمية وجدوى وربحية! والسيد فيصل في النهاية يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف؟ وكما تعلمون فإن { رزق الهبل على المجانين}! ولكن المشكلة أن فيصلا ليس أهبلا رغم أن البعثيين هم في طليعة المجانين!! لذلك أسمح لنفسي بالتدخل لأروي جانبا من تجربتي الشخصية مع برنامج (الإتجاه المعاكس) والذي إستضافني ثلاثة مرات، مرتان قبل تحرير العراق، ومرة بعده وخلال الشهور الأخيرة، لإستخلص من ذلك لنتيجة معينة قد تتوضح في سياق الرواية؟.
أول مرة وطأت قدماي أرض "الجزيرة" كانت في الحادي عشر من مايو/ أيار 1999 وكانت للمشاركة في حلقة مخصصة حول (المؤتمر القومي العربي البيروتي) وكان الطرف المقابل المحامي المغربي خالد السفياني وهو أحد أعضاء المؤتمر القومي العربي ومن المقربين للنظام العراقي، وقتها إتصل بي فيصل هاتفيا قائلا بالحرف الواحد وأنا أقولها أمانة للتاريخ: (بأنه يتمنى أن أشرشح المؤتمر القومي وأمسح به البلاط مؤكدا لي بأنه من حقي قول أي شيء ودون معوقات)!!... وهكذا حصل الذي حصل؟.
المشاركة الثانية كانت حاسمة وقوية ومثيرة بتاريخ الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني 2002 وكانت تتمحور حول (الخطط الأميركية لتغيير الأنظمة) بعد حرب أفغانستان وكنت ولا أزال من أنصار ذلك التدخل!! وكان من المقرر أن يكون خصمي فيها أحد العراقيين الذي إعتذر لتأتي الصحفية السورية التي ورد إسمها أخيرا في قوائم الكوبونات النفطية السيدة حميدة نعنع وهي من أنصار النظام البائد المعروفين!! وقتها أيضا إتصل بي فيصل القاسم ليقول لي أن خصمي هذه المرة (من القابضين من صدام)!! هكذا وبصراحة وأنه يريدني أن أكون صريحا وأشرشحها على قدر الإمكان ولكن... مع الرجاء أن أخفف هجومي على نظام صدام لأنه ليس محور النقاش حسبما قال؟... وقد جاءت تلك الحلقة بعد حلقة شهيرة جمعت بين زميلي وصديقي (العميل) فائق الشيخ علي والسيد معن بشور أحد أقطاب المؤتمر القومي العربي البيروتي! وهاتان الحلقتان أطارتا صواب النظام العراقي والذي حرص على نسج العلاقات وإدامتها مع السيد فيصل والجزيرة عموما وإستغلالهما وتوفير الإمكانيات لهما وبالشكل الذي ذكرته الوثائق الأخيرة إلى الدرجة التي جعلت طاقم الإتجاه المعاكس يتبنى ملفات ويستدعي مشاركين لصالح صدام بشكل علني وفج كما حصل مع السيد نصار المصري والذي عرضت حلقته وكانت ضد الصحفي الكويتي نبيل الفضل من على شاشة (الفضائية العراقية) سابقا!! وهي سابقة لم تحصل في تاريخ الإعلام العراقي وكان التنسيق على أشده بين المدير السابق للجزيرة محمد جاسم العلي والمخابرات العراقية من خلال محطتي الدوحة ودبي، وفيصل القاسم ليس غبيا ولاساذجا لكي يتورط فهو شعلة من الذكاء والكياسة وهو يحاول الإستفادة من جميع الأطراف ولأنه يعلم أن وظيفته ليست دائمة ففي الخليج العربي لاشيء يدوم سوى وجه الله تعالى!! وهو بالتالي يعرف تفصيليا بمدى توازن القوى ولايتجاوز دوره المرسوم بدقة هندسية كبيرة جدا ؟ فهو في الوقت الذي يرضي فيه غباء القيادة العراقية السابقة لايقطع شعرة معاوية مع المعارضة العراقية بل يحرص على الصمت وإنتظار الفرصة القادمة ليخبط خبطته الصحفية متأسيا بقول الشاعر:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر القوم جراها ويختصم؟
&
ولكن منذ مشاركتي الأخيرة في أوائل 2002 وحتى سقوط النظام إنقطعت إتصالاتي مع الجزيرة وفقا على مايبدو للوعد والعهد الذي قطعه فيصل القاسم على نفسه للمدعو أياد محيي الدين كما ورد في الوثيقة المخابراتية، لتعود فجأة بعد تغير الموقف الإستراتيجي لأشارك في حلقة 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 وفي حلقة حول مستقبل حزب البعث وخصمي الموريتاني البعثي عبد السلام ولد حرمه... ولم ينس القاسم توصيتي هذه المرة أيضا بشرشحة ولد حرمة ولعن سنسفيل البعثيين والشموليين وبأن آخذ حريتي في الكلام!!
(ماتقدم كان شهادتي المتواضعة لأمور جرت أمامي وساهمت فيها)
أما ماحصل من إتصالات خاصة وكواليسية وتعبوية وإستخبارية فلست مسؤولا عنها، أما حكاية العميل الرمز ( 005) وهو الكود الخاص بفيصل القاسم! فتضل لغزا من الألغاز؟ فهل حصل تورط أكبر؟ وهل جرت صفقات أوسع ؟ هذا الأمر متروك للتاريخ ولكوم الوثائق القادمة التي قد تسلط الأضواء على حقيقة التناغم الفضائي/ الجاسوسي؟... ألم نقل لكم سابقا بأن الطوفان قادم وبقوة؟ وبأن الفضيحة بجلاجل ستكون سيدة الموقف الإعلامي العربي لشهور طويلة قادمة!.