ممدوح المهيني&
&
&
&
الكثيرون الآن يشعرون أن الجو الحالي غير ملائم للتصريح بأفكار عن الجهاد والولاء والبراء وتكفير الأديان و المذاهب الأخرى وغيرها من المواضيع، وهم يشعرون بالخوف إزاء الحديث عنها بشكل علني وإن كانت تتداول في المجالس الخاصة بكثرة، هم خائفون ولكن الخوف لن يجعلك أبداً متسامحاً وتؤمن بالعقل والحرية والإنسان على اختلاف دينه ومذهبه وفكره وعرقه.
&
كان العصر خانقاً عندما استطاع مجموعة من الشبان الإمساك جيداً& بجمل ضخم في مساحة أرض ترابية تقع بين منازل ذات أوجه متآكلة. أوثقوه جيداً و قام بعد ذلك رجل مسن بقطع رقبته بنصل حاد وعلى نحو سريع انبثقت دماؤه الداكنة الحمرة، ولطخت حبات الرمل .
&& كان ذلك هو العلامة الأبرز على أهمية المناسبة التي ستقام في ليلة ذلك اليوم، على الرغم من أن هذه المناسبة ستقام في صالة كبيرة للأفراح إلا أنها لم تكن زواجاً بل انبعاثاً وولادة جديدة شعرت بها عائلة شقيقين في أواخر العقد الثالث من عمريهما بعد أن تمت تبرئتهما من تهمة الانتماء لتنظيمات إرهابية.
ربما كانا محظوظين على الرغم من بقائهما في السجن لمدة تقارب العام . للتو بدآ في مشوار التصلب الديني ولهما الكثير من الأصدقاء والمعارف في مناطق متعددة في السعودية سبقوهما في خطوات طويلة في هذا الخط. ما إن تبدي صفات متزمتة دينياً فلن تبخل عليك البيئة بمنحك الكثير من الأصدقاء الذين يدفعونك إلى رأس مثلث التطرف.
&& قام هذان الشقيقان باستضافة مجموعة من هؤلاء الأصدقاء في منطقتهم الشمالية التي مروا عليها لينطلقوا منها للانضمام إلى الجماعات الجهادية التي تقاتل في العراق. قُدم العشاء مبكراً وحضره مجموعة كبيرة من الشباب المتعصب وانقضت السهرة سريعاً. كل شيء في تلك الليلة& كان مكبَّراً تحت عدسة رجال المباحث. في الصباح زج الكثير ممن حضر تلك الحفلة في السجن، وفي مقدمتهم أصحاب الوليمة الأسخياء.
&& مجرد الاشتباه في قضية كهذه يعد أمراً مفزعاً. عائلتهم بدت مشلولة تماماً عن التفكير والتحرك.إنها كمعظم العائلات السعودية المتعسرة مادياً والتي لا تملك علاقات مع شخصيات مهمة في الدولة، وعندما يتخرج أولادهم من المرحلة الثانوية يبدءون في النبش عن معارف وأقارب غائصين في أعماق الذاكرة& يحتلون مناصب حكومية رفيعة أو أثرياء يتمتعون بروابط متينة مع شخصيات مهمةً من أجل التوسط لتوظيف أولادهم ليساعدوهم في تحمل مصاريف العيش وغالباً ما تفشل هذه التوسلات بعد أن تموت في مسلسل طويل من الوعود والتأجيلات.
والدة هذين الشقيقين قالت إنهم لم يتحركوا لأنهم علموا أنهم لن يستطيعوا التحرك، فهم عائلة بسيطة والقضية مرعبة وليس هناك شخصية يعرفونها يمكن أن تساعدهم في مشكلتهم المريعة. هذه الأم وزوجها يعملان كفراشين في مدرسة ابتدائية للبنات .في أيام الاعتقال الطويلة عانت الأم من أوقات مرة وقاسية وكادت أن تفقد الأمل برؤية ابنيها مجدداً وعندما مثلا أمامها على نحو مفاجئ وضعت يدها النحيلة الهرمة على صدرها وبدأت بإطلاق شهقات حادة لم تعرف كيف توقفها إلا بعد أن احتضنتهما بعد أن كادا يتبخران كالأحلام.
&& لم يكن لهذين الشابين أي علاقة ذات طبيعة عملية تربطهم بأصدقائهم المشتبه فيهم، فالوليمة التي أقاموها كانت إشارة للتقارب الفكري والعاطفي ولكنهما لم يشتركا معهم في مخططاتهم الجهادية.بعد أن ثبت كل ذلك بالنسبة للمحققين أخرجوهم. في أثناء الحفل كانا هادئين . ربما يكونان أكثر حذرا ً وخوفاً من هكذا صداقة ولكنهما ربما مازالا يريان أن هؤلاء الأصدقاء أكثر وفاءً لأفكارهم ولكن الأوضاع القائمة غير الصحية تقف ضدهم.
يشعر الكثير من الشبان السعوديين تجاه الجهاديين بالنقص. إن هؤلاء يطبقون كل ما يؤمنون به من أفكار ومعتقدات وهي تقريباً نفس الأفكار التي يؤمنون هم بها، ويشعرون بالضعف والجبن للقيام بها.كلما تقدمت الأيام كلما ازدادت حالة الانفصام التي يعانون منها وكلما تيقنوا أنهم شخصيات مراوغة وتفتقد لأهم خصائص الرجولة. الإيمان والشجاعة.
بالطبع& هذه الأفكار تشوشت قليلا بعد التفجيرات التي حدثت في بلدهم ولكنها تتميز ببنيان متماسك من الداخل وستعود لتتوضح بشكل أكبر عندما تنتهي الأزمة الحالية وينقل المجاهدون أهدافهم نحو بلاد أخرى، ولكنهم مازالوا يمقتون الواقع الآخذ في التغيير نحو الانفتاح والتحرر الفكري والسلوكي وهو عكس ما يريدون،& ولكنهم عاجزون عن العيش في كهوف تورا بورا, إنهم يكرهون الكفار ولكنهم بدلًا من يقوموا بدعوتهم وإرغامهم على الدخول في الدين الإسلامي أو قطع رقابهم فهم مشغولون بالتهام& بطاطا الكر يسبي المقلية التي تقدمها مطاعم هارديز الأمريكية وهم غير قادرين على تحمل انقطاعها عنهم. رؤوسهم تضج بالأفكار الثورية المتصارعة ولكنهم يجبرون على تجاهلها عندما يتذكرون أنهم موعودون بليلة أسبوعية مشبعة بالعطور الباريسية مع زوجاتهم.
& صديق لي عانى طويلا ً من هذا التمزق . عند نشوب أي حرب في بلاد إسلامية يعلن أنه سيذهب إلى هناك للجهاد والدفاع عن بلاد وحرمة المسلمين، وينقطع عني وعندما نلتقي أكتشف أنه لم يذهب وعندما أسأله عن السبب يقول بنبرة منكسرة إن ما يحدث هناك فتنة ورأى أن يصبر لحين تتكشف الأمور.
كان مولعاً بالسينما.أقترح أن نشاهد فيلماً فيبدي سروراً دفيناً يمكن أن ألمحه من بريق عينيه، ولكنه يظل صامتاً و يبدي مهارة نفسية عالية في استئصال أي مشاعر ابتهاج يمكن أن تبزغ فجأة. يدور الشريط ويبدأ هو بصراع مؤلم ينهيه بالهرب ويتهمني بمحاولة إغوائه.
في مرة سألني عن حلمي في الحياة فقلت له& حياة ناجحة حتى بعد الموت وامرأة فاتنة وطفلان فقط . رده كان :( أنت تفكر بعقلية مسيحية).إذن كيف يجب أن تفكر العقلية المسلمة وتتعامل مع هذه الدنيا ؟!
&& ربما ذات الشيء. بيت دافئ وأطفال ناعمون و منصب رفيع إلا انه ثمة شيء يجب التفكير فيه دائماً حتى لو لم تقم بعمله . عليك أن تساهم بجميع الوسائل من الجهاد في سبيل الله إلى محادثات التشات في الإنترنت لجعل المسلمين أكثر و أقوى وأشرس لكي يتمكنوا في النهاية من تحويل جميع البشر إلى مسلمين أو دافعي جزية لدعم الاقتصاد لدولتهم الأممية إذا ما أرادوا البقاء على أديانهم السابقة.
ولكن هذا الأمر سيعكر عليك جميع حياتك التي ستتحول إلى مخلب صغير ينغرز في الأجساد الحمراء الكافرة والمنتشرة في كل مكان ليقوم بجرحها حتى تنزف لتضعف& أوتموت بعد ذلك.
هذه العقلية تصاغ في البيوت والمدارس والجامعات والمساجد والإعلام وهي تمتلك مخزوناً هائلاً من تعاليم الكراهية والعدوانية& والتطرف .
شباب يرتدون سراويل البرمودا ويحلقون شواربهم ويتركون ذقونهم ناتئة ويعتقدون بإمكانية عودة& الحروب الدينية من جديد ولكنهم يدركون& أن الوقت غير مناسب الآن لأن المسلمين ضعفاء, ولكن كما يقول أحد الشباب والخبير في مجال الكومبيوتر والإنترنت:( بعد مائة عام , يمكن أن تتبدل الكثير من الأشياء.يمكن وقتها أن نكون أقوياء، وفي ذلك الحين لن يكون أبداً لنا عذر على التوقف عن اجتياح العالم من جديد كما فعل أسلافنا، وتعليم الناس دينهم الحقيقي).
الكثيرون الآن يشعرون أن الجو الحالي غير ملائم للتصريح بأفكار عن الجهاد و الولاء والبراء وتكفير الأديان و المذاهب الأخرى وغيرها من المواضيع وهم يشعرون بالخوف إزاء الحديث عنها بشكل علني وإن كانت تتداول في المجالس الخاصة بكثرة.هم خائفون ولكن الخوف لن يجعلك أبداً متسامحاً وتؤمن بالعقل والحرية والإنسان على اختلاف دينه ومذهبه وفكره وعرقه.
الشابان كانا متزوجين ولهما أطفال عادوا لهما ولأمهما التي ظلت ترقص في تلك الليلة بنشاط فتاة في العشرين حتى بزغ الفجر.
السطح يبدو مريحاً ولكن العمق قاتم وغير مطمئن بالنسبة للكثير من العائلات السعودية.الكثير من الأفكار المتطرفة ماتزال قابعة ومنغرزة في العقول ولم تتعرض لاهتزازة وزحزحة نقدية حقيقية يمكن أن تقصيها وتستبدلها بأفكار أكثر عقلانية وتسامحاً، ولذلك فما زال الخطر قائما أن تدفع هذه الأفكار هؤلاء الشباب في منتصف الليالي الباردة إلى ترك أمهاتهم وأطفالهم وزوجاتهم وتلبية أوهام هابطة من السماء يسمونها نداء الله.

(صحفي سعودي)
[email protected]
&