&
سعيد حريري من بيروت: ماريا معلوف صاحبة البرنامج السياسيّ العربيّ الأكثر جدلاً "بلا رقيب" الذي يبثّ عبر شاشة "نيو تي. في." اللبنانيّة غاضبة ممّا يحصل في العراق، وثائرة لشرف أمّة عظيمة مجروحة في صميمها. المشهد السياسيّ لعراق اليوم تحلّله ماريا في لقائنا معها عبر "إيلاف"، وتعبّر عن وجهة نظرها، وتدعم المقاومة وتدين الغزو الأمريكيّ وتنادي بعراقٍ سيّد حرّ مستقلّ. ماريا معلوف، إبنة العائلة اللبنانيّة العريقة ثقافةً وأدباً وعلوماً، تدرك تماماً كيف تكون
&الأكثر رقابةً على حضورها ومواضيعها، فضلاً عن أناقتها الأدبيّة والكلاميّة جنباً إلى جنب مع أناقتها الأنثويّة الراقيّة.
كيف ترين الوضع في العراق اليوم؟
العراق الآن يرزح تحت وطأة الاحتلال الانغلو-أميركي المباشر بكل ما في هذه الكلمة من معنى. وقد خدع مثقفونا في الستينات حين توهموا انّ شكل الاستعمار والاحتلال القديم لن يعود. وقد استبدل القديم بالاستعمار الجديد نظراً الى حزمة طويلة من المبررات قدّمت حينها، لكننا اليوم نشهد عودة شرسة ومتوحشة للاحتلال العسكري المباشر يقف وراءه تحالف عريض مكوّن من المال والسلاح والسياسة والايديولوجيا. ونأمل الآن أن يستفيق "بعض العرب" من وهم "الحرية"
الأميركي المستنسخة من صواريخ كروز وتوماهوك ... إن معرفتنا بالشعب العراقي وقدراته البشرية الغنية ودوره الفريد والمتميز على مدى حضارات متعاقبة وبصورة خاصة في الحضارة العربيّة الاسلاميّة، في تعميق وتأصيل الهويّة العربيّة الاسلاميّة. إنّ هذه المعرفة تفيد بأن العراقيين يملكون على تحرير بلدهم، وما نشاهده اليوم من ظاهرة التوليد والتكاثر للفعل المقاوم هو دليل على أن حرب حرية العراقيين بدأت تتصاعد مقابل إنكفاء "حريّة" المحتلّ على الرغم من ان بعض العرب، العراقيين على الخصوص يجتهدون "مشايخ ومثقفين" لتجميل وجه الاحتلال غير أنّهم نسووا أو تناسوا أن دورهم إنتهى مع أوّل صاروخ قصف بغداد، وأنّ دخولهم على ظهر الدبّابة الاميركيّة قد حذفهم من الخارطة الوطنيّة العراقية.
برأيك، لماذا نركض وراء الشعارات متجاهلين الواقع؟
للأسف الشديد هناك بعض المفاهيم أخذت دلالات سلبيّة بحكم تكرارها المقصود في الحقل الدلالي السلبيّ، ومن بين تلك المفاهيم ما نطلق عليه "الشعار"، فالشعار هو حالة تكثيفيّة وتراكميّة تمّ انتاجها بناءً على دراسة متأنيّة ودقيقة لعناصر. وتلخص هدفاً بالوصول إليه يتم تجاوز الحالة السلبيّة في الواقع وبالتالي فإنّ الفصل بين الشعار والواقع هو في الحقيقة فصل تعسفيّ يراد منه تسفيه كل محاولة للخروج من سلبيات الواقع، والدليل على ذلك أنّ أصحاب هذه الدعوة-الفصل التعسفيّ بين
الواقع والشعار- يطرحون بدائل أخرى نقيضة لتلك الأهداف التي لخّصتها الشعارات، وتصبح تلك الدعوات بحدّ ذاتها شعارات، ولكنّها لا تهدف الى تجاوز سلبيات الواقع، حتّى وإنْ كان بعضها يلبس ثوباً عصرياً مشحوناً ببريق "الديموقراطيّة" و"الحريّة" على الطريقة الأميركيّة، فهذه البدائل أو الدعوات تروّج باسم الواقعيّة (وهي الشعار المركزي لأصحاب هذه الدعوى) الى الاستسلام لسلبيات الواقع ومآزقه، فيصبح مثلاً الاستسلام والاحتلال أمراً واقعياً بل ربّما يشكل رسالة تمدين وتحضّر لهؤلاء...

وكيف يمكن الخروج من نفق الشعار الى واقع الحياة؟
الشعار ليس دائماً نفقاً مظلماً، وينبغي التمييز بين شعار لا سند له من مشروعيّة الواقع ويراد به خدمة مصالح سلطة معيّنة. وبين شعار يلخّص أهدافاً جماهيريّة حقيقيّة ويستجيب لحاجات واقعيّة وتاريخيّة. والجماهير لم تعد قادرة على التفريق بين شعار يترجم تطلّعاتها وأهدافها وشعار آخر يستغلّ اسمها لمآرب أصحابه. وهكذا فإنّ الشعار ليس بالضرورة في تناقض مع واقع الحياة. إلاّ إذا كان واقع الحياة سلبياً يحتاج إلى تغيير وتنوير...فمهمّ جدّاً أن&يصبح الشعار
ترجمة لضرورة التغييرهذه. والمهمّ هو التفريق بين الشعارات الفضفاضة التي تدفعنا السلطات العربيّة لإفراغ قضايا الامّة من مضامينها الواقعيّة، وبين الشعارات التي تلبّي تطلّع الجماهير الى تغيير الواقع وتطويره.

هل تعتقدين أنّ المشكلة برمّتها مشكلة "الديموقراطيّة"؟
الديموقراطية ليست رغبة فرد أو مجموعة ولايمكن أن تقام بقرار... إنّما مسألة شديدة التعقيد يعتمد تحقّقها كنظام حقيقي، على جملة من الشروط التاريخية والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتربويّة... ونقل الديموقراطيّة واستنساخها عملية فيها الكثير من الاستخفاف بالتاريخ والثقافة والمجتمع، ومحاولة استنباتها بشكلها الغربي المحدّد، في غير تربتها الأصليّة يجعلها مجرّد شجرة زينة لتزيين الصالونات في بيوت الطبقة الثريّة وأهل الترف الفكري. أمّا تصديرها
على ظهر الدبّابات الاميركيّة فأكذوبة كبيرة لا يصدّقها إلاّ مخدوع أو خائن. هذا لا يعني أنّنا لسنا بحاجة الى الديموقراطية لكن ما نريده هو أن تكون لنا صناعتنا الديموقراطيّة الوطنيّة الخاصّة بنا والمنسجمة مع بيئتنا الثقافيّة. ومن هنا يكمن القول أن المشكلة ليست كلها مشكلة الديموقراطيّة، ولكن الديموقراطيّة وجه من وجوه المشكلة مثلها مثل التنميّة.
ما هو رأيك بمصطلح "الوجود الأمريكيّ" في العراق؟
إنّ إستعمال هذا المصطلح يوحي وكأنّ الاستعمار قد كفّ عن كونه ظاهرة عدوانيّة كريهة هدفها مصادرة حريّة الشعوب والسيطرة على مقدرتها ونهب ثرواتها وطمس هويتها. وجود أميركي في العراق؟.. أيّ تجميل! هذا الغزوهو استعماريّ عدوانيّ من الدولة الأعظم ؟!.. الاميركيون أنفسهم أقرّوا أنهم محتلّون، والاحتلال لا يمكن ان يكون إلاّ شراً ووبالاً. فلماذا لا نسمّي الأمور بمسميّاتها... الأميركيّون موجودون في العراق كمحتلّين .. ومتى كانت الشعوب
تنتظر الخير من محتليها ؟... كون العراق قد عانى طويلاً من ديكتاتوريّة مرعبة سقطت مع إحتلال العراق، فإن هذا لا يفيد شيئاً في تجميل وجه الإحتلال الأميركيّ ... وينبغي ألاّ يقود الى الشكّ في الأهداف الاستعماريّة الحقيقيّة للولايات المتحدّة التي كان بإمكانها بالتأكيد أن تسقط الديكتاتور دون احتلال البلاد، لو أردات ذلك بالفعل.

متى سيرحل الأميركيون ويصبح العراق بلداً حراً وديموقراطياً؟ ... وهل تعتقدين أن ذلك سيحصل بالفعل؟
رحيل الاميركيّين يتوقف على جملة من العوامل أبرزها:
أ -&إتّساع نطاق المقاومة العراقية للإحتلال لتشمل البلد كلّه.
ب -&إتساع دائرة الرفض العالميّ للإحتلال الأميركيّ في العراق والسياسة الامبرياليّة للأمان الأميركيّ في العراق بشكل عامّ.
ج- تنامي التعاطف والتأييد والدعم الشعبي في الوطن العربي والعالم الاسلاميّ لنضال العراقيين وكفاحهم من أجل تحرير الوطن وتحقيق الاستقلال.
&&& أما العراق الحرّ الديموقراطيّ الجديد فيولد من انتصار المقاومة على المحتلّ.