نضال حمد
&
&
&
يصعب على المرء فهم الجملة أعلاه وما تحمله من معاني بغير ما تعنيه من هروب من واقع المواجهة وتحمل المسئولية الفعلية في معركة الأمة العربية. كلمات مثل نحن أو أنا ضد المقاومة غير المتكافئة، وأنا مع المقاومة المتكافئة... ليست واضحة وضبابية وفيها الكثير من الغموض والالتفاف على المعاني،والفرار من واقع تفرضه طبيعة المعركة المصيرية التي تواجه الأمة.
&
شخصيا لا أعلم انه كان هناك في التاريخ مقاومة متكافئة،فلولا أن الاحتلال كان أقوى من الخاضعين لسلطته والقابعين تحت رحمته،لما كان هناك بالأصل ضرورة للمقاومة ولما كان هناك ولادة لشيء اسمه المقاومة.
&
طبيعة المقاومة هي هكذا كما ولدتها الآلام والمصاعب والمظالم والاحتلال والاستعمار والتفرقة العنصرية والحكم الاستبدادي، وكما ولدتها إرادة الشعوب التي تريد التخلص من كل تلك الأشياء،لذا نراها تولد قوية بضعفها لأنها تخرج من المعاناة، ثم ومع الوقت تصبح معاناة للذين كانوا السبب في ولادتها.
&
المقاومة تحتاج للفعل والوقت حتى تبني نفسها وتصبح موجودة بقوة على ارض الواقع. هذا كان حال كل التجارب المقاومة في التاريخ البشري، فالثورة الفيتنامية ولدت ضعيفة وغير متكافئة واستمرت بدون تكافؤ حتى هزمت الولايات المتحدة الأمريكية شرّ هزيمة، والمقاومة الجزائرية نفس الشيء ثم انتصرت وهزمت الاستعمار الفرنسي، وكذلك المقاومة في جنوب إفريقيا ، ونلسون مانديلا قاد من السجن مقاومة شعبه التي أثمرت انتصارا كبيرا قضى على الابارتهايد والعنصرية في البلاد.
&
&وفي هذا قال الشاعر التونسي العربي الكبير الراحل ابو القاسم الشابي :
&
&" ان السلام حقيقة مكذوبة
&
&والعدل فلسفة اللهيب الخابي
&
& لا عدل إلا أن تعادلت القوى
&
&وتواجه الإرهاب بالإرهاب."
فالشعوب لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي وفاقدة للعدل والحياة الطبيعية والسلام ، لذا عليها بركوب خيول المقاومة وفرض ميزان القوى في المعركة لصالحها من اجل انتصار إرادتها أي إرادة المقاومة والحرية.
&
المقاومة الفلسطينية ليست حالة شاذة بالنسبة للتكافؤ وموازين القوى، فهي مقاومة غير متكافئة مع قوة العدو، لكنها عظيمة ومجيدة، علمت الاحتلال دروسا في الحسابات وتقدير قوتها المنبثقة من لا تكافئها مع آلة العدوان والحرب الصهيونية، والمقاومة في فلسطين المحتلة لازالت تقدم وتعطي وتثمر عنفوانا وطنيا فلسطينيا تجلى في ديمومتها واستمرارها وتجددها بالرغم من هزيمة قيادة المنظمة سياسيا وتفاوضيا،وبالرغم من كل أخطاء قيادة السلطة الفلسطينية وفسادها وابتعادها عن واقع حال وهموم المواطن الفلسطيني، وبالرغم من ارتهان بعض أركانها للاحتلال وأسياده في واشنطن. وهذه المقاومة في فلسطين هي التي جعلت ليل المستوطنات جحيما لا يطاق، وهي التي تدافع عن عزة وكرامة أمة مهانة في عقر دارها من سبتة ومليلة المحتلتين و بيت الإسلام الأول في شبه الجزيرة العربية مرورا ببغداد عاصمة العباسيين حتى قدس صلاح الدين.
&
لا بد& للمقاومة الفلسطينية أن تنتصر، رغم قوة وخطورة معسكر الأعداء ، لكن لا يوجد في الواقع شعب مقاوم يبحث عن انتزاع حقه المسلوب يتعامل مع المقاومة والكفاح الوطني من منظور الليبراليين الجدد. فالمقاومة تصنع التكافؤ وتفرض إيقاعها على اللاعبين السياسيين وتفرض الأمر الواقع. وما مقاومة شعب فلسطين سوى حلقة من حلقات النضال الوطني الفلسطيني الطويل.
&
&معسكر أعداء المقاومة في فلسطين يمتد من الكيان الصهيوني الدخيل في فلسطين المحتلة حتى البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس في واشنطن.والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وجماعته من المحافظين الجدد أتباع أحد الفلاسفة من اصل يهودي ألماني، هؤلاء هم أعداء لكل من يرفع راية التحرر العربي والانعتاق من العبودية السياسية والإعلامية والاقتصادية التي تحاصر الأمة العربية وتجعلها شبه مستعمرة أمريكية صهيونية.كل من يردد مقولاتهم ولو مجملة كما يفعل الليبراليون العرب الجدد " المتأمركون بعقليتهم ومفهومهم" ليس من صف المقاومة المتكافئة أو حتى غير المتكافئة.لأنه بصراحة يقف في صف العدوان والاحتلال والعنصرية والارهاب.
&
والذين يقولون بان زمن السلاح والمقاومة والحلول العسكرية قد انتهى واهمون أو جهلة ، فكيف إذن يفسرون الغزو والحملة الأمريكية الغربية الصهيونية على كل من يقول لا لأمريكا ؟ وما هو تفسيرهم لاحتلال أفغانستان ومن ثم العراق وما جرى و يجري هناك هذه الأيام ؟
&
وكيف يفسرون سياسة الحرب والقتل والدمار والقوة العسكرية الإسرائيلية التي تحارب المقاومة الفلسطينية بالتصفيات والاغتيالات والقتل والتدمير الشامل والكامل والابادة المنظمة والإرهاب الذي ترعاه الدولة ؟؟
&
في الأرض الفلسطينية المحتلة تحارب الصهيونية الشجر والحجر والخبر والبشر من أجل بقاء احتلالها للوطن الفلسطيني المستباح.وتلتزم قولا وفعلا بالنهج التدميري ،العنصري،العسكري والتصفوي الشامل الذي يرتكز على السلاح، بالنسبة للصهيونية وللمحافظين الجدد القوة العسكرية هي الوسيلة المثلى لإخضاع البشرية وحكم العالم. وزمن السلاح هو زمن هؤلاء ولكن ليس زمنهم وحدهم لأن الشعوب المقاومة لا زالت وسوف تستمر بحمل السلاح والمقاومة في فلسطين والعراق وأينما وجد الاحتلال والظلم.
كل هذا الموضوع تكونت فكرته ليلة أمس بعدما شاهدت برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة القطرية الفضائية، حيث كان الأستاذ فيصل القاسم يستضيف الصديق والزميل الكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور وكذلك الدكتور شاكر النابلسي عبر الاقمار الصناعية من بلاد العم سام ،من الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلا لما اتفق على تسميته تيار الليبرليون العرب الجدد ، هذا التيار الذي نتحدث عنه في مقالنا هذا.
كنت اريد ان استمع لوجهتي النظر مع معرفتي المسبقة بمواقف الضيفين. فرشاد ابو شاور يمثل نهج المقاومة القومية والوطنية ويدافع عنها في كتاباته اليومية. أما الدكتور شاكر النابلسي فيمثل نهج الموضة الأمريكية، وينادي بما تنادي به ادارة بوش وأتباعها من القادة والحكام العرب. وقد يذكر المتابع لكتابات النابلسي كيف كان ترديده لما قيل ان الملاك الأردني عبدالله الثاني قد قاله عن الرئيس عرفات، فقد كتب ما يلي : " وبالأمس عندما أشار الملك عبد الثاني ملك الأردن من بعيد في حديثه لصحيفة "نيويروك تايمز" إلى ضرورة أن يقف عرفات أمام المرآة ليرى وجهه جيداً، وليسأل نفسه: هل بقاؤه مفيد أو مضر للقضية الفلسطينية؟ وهي دعوى ذكية غير مباشرة من الملك الأردني لعرفات لكي يتنحى، ثارت ثائرة الغوغاء والدهماء الفلسطينية مما اضطر معه القصر الملكي إلى النفي والاعتذار عن سوء الفهم. وما كان هناك سوء فهم بقدر ما كان هناك الخوف من حُسن الفهم!"..
هذا الكلام لو قيل معكوسا وعلى لسان ياسر عرفات أو& أي رئيس عربي آخر لكان الدكتور شاكر أول من هاجمه بشدة وبدون رحمة، لكن وبما أنه صادر& عن ملك بلاده فقد ارتأى أن يركب الموجة الحالية ويتضامن مع الملك عبدالله ومن ثم يزيد من الهجاء بحق الرئيس الفلسطيني عرفات ، ولا أريد أن يفهم من كلامي أني عرفاتي ،فانا لم ولن أكون عرفاتيا لكني فلسطيني القلب وعربي الهوى وأممي الفكرة الإنسانية ومدافع ثابت عن الحق والحقيقية.
منذ زمن وانا من الذين يتابعون كتابات الدكتور شاكر النابلسي ولم أقرأ له ما يدين او يتحدث عن تخلف الرجعيات العربية و الحكام من المترهنين للولايات المتحدة الأمريكية والدائرين في فلك السياسة الأمريكية الصهيونية.كل ما يكبت يكون عادة ضد سوريا وإيران ولبنان وفلسطين وليبيا والدول التي تلتقي مع نهج المقاومة، بالرغم من ان ليبيا خرجت مؤخرا من هذا المحور. وأكثر مقالات الليبراليين العرب الجدد هذا إذا كانت التسمية تصح، تكون ببغائية، تكرارية،تردد الشعارات المعادية للقوميين والإسلاميين بكل فئاتهم من الجهاديين حتى المتزمتين،كذلك ضد الوطنيين واليساريين والشيوعيين العرب الحقيقيين لا شيوعيي بريمر في العراق.
لو كانوا فعلا هؤلاء الليبراليين الجدد يحرصون على القضايا العربية الحقيقية لكانوا على الأقل ومن باب المجاملة طالبوا بالتغيير الحقيقي والديمقراطي الفعلي، الذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعوب في المنطقة وتراث وتاريخ وحاضر ومستقبل الأمة العربية. ثم أن التغيير لا يبدأ من ياسر عرفات بعد صدام حسين والفرق كبير بين الرجلين وبين البلدين والقضيتين، فياسر عرفات رئيس منتخب من قبل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وقد جرت الانتخابات بنزاهة وحرية وبمراقبة معتقلي صدام حسين و محتلي العراق، وهو بهذا يكون أول رئيس عربي ينتخب بهذه الطريقة الديمقراطية المُشرف عليها أمريكيا وغربيا، لذا أن يطالبه هؤلاء بالتنحي ويتركوا الذين ورثوا الحكم عن آبائهم وأجدادهم في الحكم دون سؤال أو استفسار، هذا ظلم وجبن ثقافي وتزمت في الفكر والموقف.
&اوسلو