"إيلاف" من القاهرة: يعد أحمد فاضل نزال الخلايلة، الشهير بلقب "أبومصعب الزرقاوي" حالة نموذجية للقوارب الأصولية التي باتت تتجول عبر كل المرافئ، حاملة على متنها انتحاريين مستعدين للموت في أي لحظة، مقابل إنزال أكبر قدر من الخسائر بكل ما هو غربي عموماً، وأميركي على نحو خاص، فضلاً عن كل رموز أنظمة الحكم العربية من ساسة ومسؤولين ورجال أمن وغيرهم، وصولاً حتى إلى الصحافيين والكتاب المناوئين لفكر هذه المنظمات المسلحة.
ولولا التكذيب الذي أعلنه جنرال مارك كيميت نائب مدير عمليات الجيش الأميركي في العراق لتلك الأنباء التي تحدثت اليوم الاثنين عن اعتقال "أبي مصعب الزرقاوي" لأصبحت مصادفة من الطراز الذي يوصف بالتاريخي أن يتزامن الإيقاع بالرجل الذي ينظر إيه باعتباره ابن لادن العراق، مع اليوم الذي غادر فيه السفير بول بريمر بغداد، وتسلم فيه السلطة للعراقيين، ففي الوقت الذي عرضت فيه سلطات التحالف في العراق مكافاة بقيمة عشرين مليون دولار لمن يساعد في القاء القبض على الزرقاوي ابن عشيرة "بني حسن" إحدى أكبر العشائر في الأردن والهارب من بلاده منذ عام 1999، على خلفية سلسلة من الاتهامات تضعه في منزلة المطلوب الأول عراقياً بعد سقوط نظام صدام حسين وشخصه.
علاقته بصدام
والخلايلة أو الزرقاوي الذي تعتبره اجهزة الاستخبارات الاميركية احد افضل الخبراء في الاسلحة الكيميائية والبيولوجية في القاعدة، حكم عليه في تشرين الاول (اكتوبر) 2000، غيابيا بالسجن 15 عاما في ختام محاكمة اعضاء الخلية الثمانية والعشرين، وفي كانون الاول (ديسمبر) 2002، اتهم الزرقاوي بالتخطيط لاغتيال الدبلوماسي الاميركي لورانس فولي (62 عاما) المسؤول في الوكالة الدولية للتنمية الذي قتل قبل شهرين من ذلك، اثر اطلاق النار عليه بالقرب من منزله في عمان، وكشف حينئذ مسؤول اردني رفيع المستوى عن معلومات مفادها أن التحقيقات بشأن اغتيال الدبلوماسي الأميركي الذي اجرته المخابرات الاردنية بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الاميركية، أكدت ان الزرقاوي موجود وقتئذ في شمال العراق، في ضيافة الجماعة الأصولية المعروفة بمنظمة "انصار الاسلام" الراديكالية التي كانت قبل الحرب تسيطر على احد جيوب المنطقة وتربطها علاقات وثيقة بشبكة القاعدة
وارتبط الزرقاوي بالحديث المتجدد عن العلاقة المفترضة بين النظام العراقي البائد والتنظيم الإرهابي الدولي الذي يتزعمه أسامة بن لادن، وقد لجأ الى حركة انصار الاسلام الكردية العراقية، واتهمه الاميركيون بأنه يشكل حلقة الوصل لاثبات وجود علاقة بين شبكة القاعدة بزعامة ابن لادن ونظام صدام السابق، قبل شهرين من اندلاع الحرب في العراق، وهي المعلومات ذاتها التي أعلنها وزير الخارجية الاميركي كولن باول في معرض اتهاماته للنظام العراقي، وتحديداً في شباط (فبراير) من العام الماضي 2003، مؤكداً أن ثمة علاقة تربط بين العراق وشبكة القاعدة الارهابية ترتكز بشكل اساسي على ابو مصعب الزرقاوي، متهما العراق بايواء هذا الاخير على أراضيها، والتنسيق معه في تنفيذ عمليات إرهابية هنا وهناك
أسرة الزرقاوي
وكان الزرقاوي قد غادر في سن مبكر منزل عائلته في مدينة "الزرقاء"، الواقعة على بعد 25 كلومترا شرق عمان، متوجها الى افغانستان، حيث تلقى هناك تدريبات في المعسكرات التابعة لتنظيم "القاعدة"، وعاصر آخر أيام الحرب ضد القوات السوفيتية، لكن الزرقاوي ظل يتردد على الاردن بشكل متكرر، غير أن زياراته باتت اطول في التسعينات، وفي العام 1999 هرب الزرقاوي من المملكة الأردنية عائدا الى افغانستان، حيث ارتقى في التراتبية الهرمية داخل القاعدة إلى مرتبة قيادية رفيعة، بعد أن شارك في الحرب ضد القوات الاميركية لدى غزوها افغانستان في نهاية عام 2001 حيث اصيب في ساقه إصابة بالغة.
وحسب الأنباء المتطابقة التي أعلنتها دوائر استخبارية وأصولية فقد كان اخر ظهور للزرقاوي في شريط التسجيل الأخير الذي ظهر فيه وهو ينفذ حكم الاعدام بالسيف في الأميركي نيكولاس بيرج بعد اختطافه في العراق، في ما وصف بالانتقام للسجناء العراقيين الذين تم قتلهم أو تعذيبهم داخل سجون الاحتلال الأميركي في العراق ولا يزال الزرقاوي مطارداً من قبل قوات الاحتلال الأميركي وسلطات بلاده بعد ان حكمت عليه احدي المحاكم الأردنية بالسجن 15 عاماً بتهمة التخطيط بتدمير أهداف غربية في الأردن وتجنيد الشباب لشن هجمات ضد المصالح الغربية في البلاد.
أما عائلته فتعيش في منزل متداع من الاسمنت لا اثاث فيه سوى بعض الوسائد المتهالكة الملقاة على الارض، وهي تتالف من شقيقين وست شقيقات لفاضل الخلايلة إضافة إلى والدتهم "أم صايل"، التي تعاني من امراض في القلب جعلتها طريحة الفراش، في حين ان والده متوف، وكثيراً ما أحجمت أسرة الزرقاوي التحدث الى الصحافة، مفضلة أن تعيش منزوية منذ ان اصبح ابنها محور الاتهامات الاميركية والأردنية فضلاً عن العراقية مؤخراً.
أنصار الإسلام
وفي السياق ذاته تجدر الإشارة إلى أن واشنطن اتهمت الزرقاوي بالمشاركة في تدريب منفذي هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وذلك بمعسكرات "القاعدة" في افغانستان، ثم اختفت أخباره لفترة، وعاودت الظهور مجدداً عقب انتهاء الضربات الأميركية لأفغانستان مطلع العام2002، إذ تواترات تقارير حينئذ عن إصابته في ساقه، وفراره الى إيران ومنها الى العراق حيث خضع لعملية جراحية في ساقه، كما أفادت أنباء متواترة من عدة مصادر

وحددت تلك المصادر الفترة التي جرت فيها الإصابة بالساق بأنها تقع ما بين آيار(مايو)، وحزيران (يونيو) من العام 2002، كما ذهبت معلومات أخرى إلى حد القول بأن الزرقاوي شوهد الصيف الماضي في معسكر يقع جنوب لبنان، حيث كان يشارك في اجتماع مع نشطاء إسلاميين كان بينهم عناصر في "حزب الله" اللبناني، بحسب هذه الرواية الأميركية.
وأعلن رئيس الوزراء الاردني السابق علي ابو الراغب في 18 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي أن الزرقاوي يختبىء في كردستان العراق، متهماً إياه باقامة علاقات تنظيمية وحركية مع جماعة "أنصار الاسلام" الأصولية المسلحة التي كانت تسيطر حينئذ على أحد جيوب منطقة كردستان العراق، مشيرا الى ان هذه المجموعة مرتبطة بتنظيم "القاعدة"، واتضح خلال الشهور اللاحقة أن معلومات رئيس الوزراء الأردني السابق كانت دقيقة إلى حد بعيد في هذا الصدد، إذ استهدفت القوات الأميركية في مطلع الحرب العراقية معسكرات لمنظمة "أنصار الإسلام"، وقصفتها بضراوة" حتى أزالتها من الوجود تماماً، وقتلت أعداداً كبيرة من عناصرها لم يتم تحديدها على نحو دقيق حتى اليوم.