باريس: شن العماد ميشال عون هجوما عنيفا على سوريا وحملها مسؤولية التدهور الشامل الذي وصلت اليه الاوضاع في لبنان. واعتبر ان العامل الاسرائيلي هو الركيزة الاولى للاحتلال السوري للبنان. وجدد القول "ان مؤسسات الدولة فارغة من الصلاحيات المنوطة بها، وهذه الصلاحيات تمارسها السلطات السورية، وان الادارة والاجهزة اللبنانية مرتبطة مباشرة بهذه
&السلطات، وتنفذ توجيهاتها مباشرة، ولا حاجة الى اي مركز قرار لبناني الا للمحافظة على الشكل، وقد وصلت درجة الارتباط الى حد يمكن معه ارسال الوزراء والنواب ورؤساء الدولة الى منازلهم من دون ان يتأثر سير العمل القائم بهذا الفراغ".اضاف: لا يرعبنا ان نقف في وجه النظام السوري الذي يستعمر لبنان، ويستعبد سكانه، ونرفض ان يصبح المسؤولون في لبنان فئة من الموظفين، تقبل "الوتك" بين رجلي السلطان لتنعم برضاه.
عقد العماد عون من منفاه في باريس مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن الاحداث الاخير التي شهدها لبنان. والقى في مستهله البيان الاتي:
"يمر لبنان منذ السابع من آب، باحداث لم يسبق لها مثيل، منذ بداية عهد الاستقلال، اذ قام فريق من السلطة الحاكمة مع الاجهزة الامنية بمحاولة لضرب التيار السيادي الوطني في سابقة تشكل اختراقا مزدوجا للدستور اللبناني، سواء بتجاوز صلاحيات الحكومة، او بالتوقيفات الاعتباطية التي تمت دون اي مسوغ قانوني، في الشكل وفي المضمون.
اننا نعاني الاضطهاد والتوقيف والتعذيب منذ احد عشر عاما، نحمل اثار العدوان في اجسادنا، ونتحمل لامبالاة المجتمع السياسي بكامله، الذي يعتقد ان خلاص لبنان هو في ورقة امر مفروض في الطائف، والذي لم يكن يوما اكثر من خدعة تسلل بواسطتها النظام السوري لوضع اليد على لبنان، في مقابل دخوله في حرب الخليج ضد العراق، وكذلك في المفاوضات الثنائية في مدريد.
منذ عام ،1990 بداية العهد السوري، الى هذه الساعة، توالت المجالس النيابية والوزارات، وحصدت الفشل تلو الفشل، حتى افلست البلاد في جميع مرافقها الانسانية والمادية.
لم نتوان يوما عن التحذير من الاخطار التي تشكلها سياسة العهد السوري على الوطن ارضا وشعبا، ولكنها بقيت تمارس بالاساليب والافكار نفسها تغير واجهاتها ولا تتغير.& وقد اتخذت الاحداث الاخيرة حجما كبيرا، وطاولت مسؤولين في التيار الوطني فوق الشبهات في الحياة العامة، وفوق السياسة بمفهومها التنافسي على السلطة، ومنافع هذه السلطة، وهم من القلة النادرة في كل المجتمعات، يرون ثرواتهم المعنوية الحقيقية وجنى عمرهم، في ما يحققون للوطن من انجازات تعيد له سيادته واستقلاله، وتحافظ على حرية شعبه.
ومن هذا يتضح موقف التيار الوطني الحر الذي هو فوق صراعات المحاور، ومتحرر من ارتباطاتها، ويحتفظ بحرية الموقف والحركة، وفي امكانه ان يكون بجانب اي قضية محقة. وليس من باب المسايرة ان ندعم القضية الفلسطينية، وقضية استعادة سوريا ارضها في الجولان، كما لا يرعبنا ان نقف في وجه النظام السوري الذي يستعمر لبنان، ويستعبد سكانه، ونرفض ان يصبح المسؤولون في لبنان فئة من الموظفين، تقبل "الوتك" بين رجلي السلطان لتنعم برضاه.
اننا نعيش اليوم مرحلة انهيار شامل، فلا مجلس النواب هو مجلس نواب، ولا الحكومة هي حكومة; لقد عاد مجلس النواب الى بيت الطاعة بعد هجرة بضعة ايام، والحكومة تعود ايضا الى البيت نفسه بعدما وجدوا في الازمة الاقتصادية المزمنة مخرجا للعودة. اما القضاء العسكري فقد اصبح قدرا يتحكم في مصير الناس، متحولا اداة انتقام بيد السلطات الامنية. لقد عشنا سنين طويلة مع هذه العدالة الاعتباطية، وآخر حلقة من الانتقام كانت تلك الاحكام الصادرة في حق الطلاب، وتقضي بسجنهم لانهم وزعوا مقالا اسبوعيا بعد نشره في الصحف ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة، مما يشكل تجاهلا،& او جهلا مطلقا، للقوانين وكيفية تطبيقها. ونتساءل هل يجوز ذلك في المراجع القضائية، والى متى ستستمر هذه الحال؟
كيف يمكن الركون الى نظام الطائف الذي يجعل الحقوق حبرا على ورق، ويصبح عصابة تقوم بالجريمة المنظمة، فيسلب الناس حقوقهم ثم يصلبهم؟ هذا ما يحصل معنا شخصيا منذ 13/10/،1990 قدح وذم ونميمة، ونيل من السمعة على لسان حكم يتقنع احيانا بالمصادر، واحيانا اخرى ينزع القناع متنازلا عن اخلاقية الموقع الذي يشغله. قرارات تعسفية تتجاوز حدود الصلاحية، فتنزع الحقوق التي لا يمكن انتزاعها، وتحجز منها ما لا يمكن حجزه، كما تتنازل عن حقوق لا يمكن التنازل عنها.
وفي الاحداث الجارية وزراء يستنكرون الجريمة، ويطالبون بمعاقبة المسؤولين، والى الآن لم تتوقف مفاعيل الاعتداءات، ولم تقترن اقوال الوزراء بانجاز عملي يحل المشكلة، كما لو كانت القضية تنتهي فقط بالاستنكار، وعفا الله عن مرتكبي الجريمة، وكأن شيئاً لم يكن، مع التمني للموقوفين بأتعس الاوقات في انتظار العملية المقبلة. في 12/2/1999 كتبنا: "وغداً ستلغى مراكز الحكم في لبنان، فيرتبط مباشرة بالادارة السورية من خلال موظفين يوضعون في مراكزهم حالياً تحت شعار الاصلاح، بعدما تمرّسوا بالتعاطي المباشر مع المسؤولين السوريين".
كما كتبنا في 15/10/:1999 "قلنا مراراً ونكرر، ان مؤسسات الدولة فارغة من الصلاحيات المنوطة بها، وهذه الصلاحيات تمارسها السلطات السورية، وان الادارة والاجهزة اللبنانية مرتبطة مباشرة بهذه السلطات، وتنفذ توجيهاتها مباشرة، ولا حاجة الى اي مركز قرار لبناني الا للمحافظة على الشكل، وقد وصلت درجة الارتباط الى حد يمكن معه ارسال الوزراء والنواب ورؤساء الدولة الى منازلهم من دون ان يتأثر سير العمل القائم بهذا الفراغ". وجاءت المعلومات التي تشيعها المصادر المعهودة تؤكد هذا الاتجاه وتشير الى ان عمليات التوقيف تمت بالتنسيق المباشر بين المخابرات العسكرية اللبنانية والامن العام اللبناني والمخابرات السورية، دون علم قائد الجيش ورئيس الجمهورية، ومن ثم ألزم الاخيران تغطيتها، فكانت المواقف المرتجلة والمتضاربة للداخلية والدفاع ومجلس الامن المركزي، والتي زكّاها موقف الرئيس السوري بالتأييد العلني والمباشر مع وزير دفاعه.
وبعد هذا العرض الموجز للاحداث الاخيرة مع خطوطها العريضة يهمنا ان نؤكد الوقائع الآتية:
1- سقط في لبنان ادعاء اقامة دولة القانون، وسقطت معه المؤسسات بالشكل، بعدما سقطت بالمضمون.
2- كشفت مناقشات مجلس الوزراء ان الحكم في لبنان قد تعسكر فعلاً، وليس هو على طريق العسكرة، وقد تخطى خطاب بعض الوزراء الفكر النازي. ويجب ان يدرك الجميع ان العسكرة هي حكم لبنان بواسطة الاجهزة الامنية والمخابراتية، وانها ذهنية واسلوب، وليست بزة عسكرية.
3- ان العامل الاسرائيلي هو الركيزة الاولى للاحتلال السوري في لبنان، ومن العهر ان يستحضر للتشويش على كل مطالب بخروج القوات السورية. والوجود السوري تعتبره اسرائيل عنصر استقرار لحدودها الشمالية.
4- نكرر ما قلناه في لقائنا مع اللجنة السداسية في تونس مطلع عام 1989 ان لبنان لا يحكم من دمشق، ولا من بيروت ضد دمشق، ونضيف ان النظام اللبناني لا يمكن ان يستنسخ من النظام السوري، لانه سيكون مسخاً غير قابل للحياة كما هي حالنا اليوم.
5- ان القوى السياسية المتنازعة في لبنان اشتركت جميعها في الحكم منذ مطلع التسعينات، وهي مسؤولة، مجتمعة، عن حالة الانهيار السياسي والاقتصادي، وانحلال الحكم وضياع المسؤولية. والمواقف الجيدة، ولكن العابرة والظرفية، التي تتخذها بعض القادة والمراجع اكثر اذى من غيرها، فلا معنى للفكر الوطني ان لم يكن من الثوابت التي تملي المواقف الظرفية، وليس العكس.
6- ان اللقاء بين هذه القوى لن يخرج لبنان عن مساره الانحداري، ولن يستطيع اعادة الثقة بين الحكم والشعب، ما دام يستثني القوى الحية والفاعلة في المجتمع اللبناني، ومن السذاجة ان يعتقد البعض ان الترقيع يمكنه تغطية عورات الوضع الحكومي والوضع السوري، واي حوار لبناني بناء يجب ان يتم بين القوى المتباينة في الرأي وليس بين القوى المتوافقة.
ان لبنان اليوم يلفظ انفاسه الاخيرة، والمقامات الرفيعة تشرب نخب وفاته حول الموائد السخية، وتعدنا بثمار التلاقي الجيدة".
وقال عون رداً على اسئلة الصحافيين: "هناك شوائب قانونية في الاتهامات الموجهة الى الموقوفين وهي اكثر من ان تحصى، وقد استخدمت هذه الاتهامات والتحقيقات لتشويه صورة المعارضة الحقيقية المتمثلة في التيار الوطني والقوات اللبنانية. وقد ادخلوا العامل الاسرائيلي لاثارة هاجس لدى اللبنانيين وشل حركتهم، لأن اكثرية اللبنانيين ضد اسرائيل.
لا يوحي تاريخ الاجهزة الامنية الحالية الثقة، وفي سجلها جريمة كبيرة، لم نعرف حتى الساعة كيف حدثت لانهم اتهموا القوات اللبنانية بها، وهي جريمة كنيسة سيدة النجاة.
اشاعوا جواً مشابهاً لما جرى بعد جريمة سيدة النجاة لقد القوا القنابل كما جرى بالامس تماماً ووزعوا الشائعات عن مؤامرات اسرائيلية وقبضوا حينها على كل "القوات" وحاكموا سمير جعجع في قضاء انتقائي لا مثيل له في العالم.
ما يجري اليوم ابشع، وبدلاً من القضاء الاستنسابي يقومون بتنفيذ القضاء الوقائي اي سجن المواطنين لامور يمكن ان يقدموا عليها.
لم يمثل توفيق الهندي امام القضاء حتى الساعة لا هو ولا غيره. وانا لا استبق القضاء. وعندما شاهدته على التلفزيون لم يكن طبيعياً. وانا اعرفه وبدا كأنه مخدر. اخبرني من خرج من السجون انهم وقعوا اوراقاً وهم معصوبو الاعين".
* لماذا هذا التزامن في الاعتقالات لـ"القوات" و"التيار"؟
- اننا نختلف في الكثير من الآراء مع القوات، ونحن خرجنا بالتنسيق معهم من "قرنة شهوان" قبل ان تبدأ حملة الاعتقالات، لاننا نعتقد ان حركة "قرنة شهوان" تهمش الشعب اللبناني وتقيد حركته.
كلما اردنا الاقدام على شيء يخرج البطريرك ليعلن انه ضد الاعمال العنفية، علما ان الاعتصام ورفع الشعارات ليسا من الامور العنفية. ومن المفترض في البطريرك ان يعلم ان هذه التحركات ليست عنفية. التزمت القوات توجيهات البطريرك ورفضت مشاركتنا في الكثير من التحركات.
نحن لا نؤمن بأي عمل تحريري من دون مشاركة الشعب اللبناني، والقادة السياسيون يساهمون عمليا في تهميش الشعب ويساهمون في دهورة الوضع.
يريدون النضال بواسطة السيجار ومآدب الغداء ومكيفات الهواء لتحرير لبنان. اصدروا بيانات عدة فأين اصبحت؟ أنا خطابي فوق خطابهم وانا لا أزال أدعمهم ولكنهم لا يدعموننا، ولسنا على خلاف مع احد ولكننا نريد العمل.
* لماذا طلب بعض انصار "التيار" الهجرة؟
- ان بعض الشباب كفروا من رد فعل المجتمع على قمعهم وضربهم بهذا الشكل الوحشي، والابشع ان يكون الشعب ميتا وغير متضامن. القادة السياسيون مسؤولون عن تهميش الشعب وجعله في مرحلة انتظار قاتلة.
ماذا يفعلون اليوم، هناك ثلاثة سجناء مضربين عن الطعام، ماذا يفعلون لهم؟ الوضع ليس سيئا ولا بد ان يتحرك الشعب يوما. بالامس ضربوا الاهالي امام سجن رومية. انا اعرف شخصيا الضابط الذي ضرب المتظاهرين في الوقت الذي كان فيه (الوزير) غسان سلامة يتحدث عن احترام حقوق الانسان والاعتراف بالاخر. وكذلك فعل الحريري (...).
من يصدر الاوامر الى الاجهزة بضرب المواطنين؟ هاجر مليون و200 الف لبناني خلال السنين العشر الاخيرة و22 في المئة لديهم سمات هجرة، فمن يتحمل مسؤولية عدم تأمين فرص العمل والانهيار الاقتصادي واقفال المؤسسات؟
ان مسؤولية ما جرى تتحملها كل المؤسسات بدءا من رئيس الجمهورية الى الحكومة وكل& المؤسسات والمراجع الروحية والزمنية التي أيدت الطائف وتعايشت معه. اما الاعتراضات السطحية نهار الاحد والجمعة فهي لا تشكل معارضة. خطابنا الرافض للأمر الواقع وتهميش الشعب اللبناني واضح. رحبنا ببيان مجلس المطارنة ولكن لم تمر 48 ساعة حتى أخذ البيان ينحسر تدريجا الى ان انتهى".
* هل سيستمر تحرك "التيار"؟
- انا لا أطوع أحدا، ونحن في أضعف موقع ماديا، ولكن نخبة الشباب المناضلين هم فوق الصراعات السياسية وتريد سيادة وطنها وحريته".
* لماذا لا تعود الى لبنان؟
- انا& مستهدف ولست خائفا على حياتي رغم ما تعرضت له من محاولات اغتيال على يد الحكم الحالي والاسرائيليين. لقد قتلوا رئيسي جمهورية والمفتي والنواب ويريدون قتلي ايضا. انا نقيض الوضع السياسي في لبنان ولست في مواجهة مع السوريين فقط.
لم أفهم حتى الساعة رد فعل البطريرك (الماروني الكاردينال نصرالله بطرس) صفير على( الاعتقالات وماذا فعل في اللقاءات مع لحود. هل سأل البطريرك لحود مرة عن ملف المواطن ميشال عون، وماذا يتضمن هذا الملف؟ انا مواطن مثل الآخرين سلبت حقوقي، الا أستحق سؤالاً عن وضعي؟ البطريرك مرجع روحي لا يهتم بالسياسة اليومية بل يدافع عن حقوق الانسان والمواطنين اللبنانيين جميعا لا المسيحيين وحدهم، فهلا شرح لنا فقط سبب عدم عودتي؟
ان النائب وليد جنبلاط يقوم بما يستطيع القيام به، وهناك ثابتة لا يستطيع احد العبث بها واعادتها الى الوراء وهي العيش المشترك اللبناني - اللبناني وهذا التلاقي الذي حصل. وهذا الامر أزعج السوريين والنظام اللبناني. لأن تلاقي اللبنانيين سيؤدي الى السيادة والاستقلال حسب مجرى التاريخ والطبيعة. ولكن لي ملاحظة: منذ اعتقال كادرات التيار والقوات سمعنا من يقول ان هذه ضد البطريرك ووليد جنبلاط والحريري، ثم جرى تكرار هذا الامر، ومع احترامنا للشخصيات المذكورة، ولكن نديم لطيف ليس نائبا بطريركيا، ولا جورج حداد مسؤولا اشتراكيا ولا حكمت ديب.
وأعلن عون انه "مع آخر شخص يدافع عن سيادة لبنان واستقلاله، والتيار مستمر (...)".
وتساءل: "ما هي القوة التي يوفرها الحضور السوري في مجلس النواب والحكومة للوضع العربي، وما هي فائدة ذلك وما هي المصلحة في تدمير لبنان والاعلان ان سوريا عامل استقرار& في لبنان، علما "ان سوريا& مسؤولة عن كل ما حصل في لبنان منذ الستينات، وكنت ضابطا عندما كنت أشاهد قوافل المسلحين والاعتداءات على الجيش اللبناني في البقاع والجنوب".
وتطرق الى ما أوردته مجلة "الوطن العربي" في عددها الاسبق فقال: "ان هناك تنسيقا مشتركا بين الجيشين ودوريات مشتركة، وهذا أمر قديم".
وعن احتمال تعاونه مع الحريري قال: "السؤال هو مدى قدرة الحريري على التعاون والتحرك"، وأبدى عون استعداده للاجتماع به عندما يأتي الى باريس.
&