بدون مقدمات طويلة،ولا تحليلات عميقة،ولا استرجاع للأحداث التي وقعت يوم 25 مايو،يوم الاستفتاء في مصر على تعديل مادة في الدستور تسمح بتعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، وبنظرة سريعة على الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية المصرية..سنجد أن النتيجة كانت في صالح المعارضة تماماً..وبنسبة 66 في المائة !!

والمعارضة للتعديل تعني - كما هو معروف للجميع- الاعتراض على إجراءات الترشيح،وليس الاعتراض على تعديل المادة في حد ذاتها،فجميع من يسكنون بر مصر يوافقون بل يرغبون ويتمنون أن تكون الانتخابات بين اكثر من مرشح.

ولكن كيف جاءت النتيجة لصالح المعارضة..؟!

الإجابة بسيطة جدا..فقد دعت أحزاب المعارضة المصرية وحركة كفاية وكافة القوى السياسية المعارضة في مصر إلى مقاطعة الانتخابات..وكان عدد الناخبين الذين ذهبوا إلى صناديق الاستفتاء – هذا إذا سلمنا تماما بأرقام وزارة الداخلية المصرية- 52 في المائة تقريبا..أي أن هناك 48 في المائة من إعداد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية،لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع،وبالتالي يمكن اعتبارهم مستجيبين لقرار المقاطعة الذي دعت إليه الأحزاب والقوى السياسية المعارضة.

أما النسبة الباقية التي ذهبت كان منهم – طبقا لأرقام وزارة الداخلية أيضا – 82 في المائة موافقون أو قالوا نعم..ونسبة 18 في المائة تقريبا رافضون أي قالوا لا..وبحسبه بسيطة سنجد أن حاصل جمع 18 في المائة الرافضون مع 48 في المائة المقاطعون تساوي 66 في المائة..أي أن الأغلبية رفضت التعديل الدستوري بالشكل الذي تم عليه،وليس التعديل نفسه.

هذا إذا أخذنا وسلمنا تماما بالأرقام والإحصائيات الرسمية،ولكن إذا وضعنا في الاعتبار عمليات الحشد البشري التي قام بها الحزب الوطني الحاكم،والمساندة الإعلامية من كافة وسائل الإعلام الرسمية من صحف وقنوات تليفزيونية ومحطات إذاعية،وإذا وضعنا أيضا في الاعتبار اللجان التي كانت تقبل أي شخص يدخل إليها،بغض النظر عن إمكانية إدلاءه بصوته في لجان أخرى –كما فعل صحفيون بجريدة الوفد المعارضة لكشف هذا التلاعب – إذا وضعنا كل هذا في الاعتبار سنجد أن المعارضة كسبت نتيجة الاستفتاء بلا ادني شك.

وقد يقول البعض أن نسبة المشاركة في الاستفتاء الأخير كانت هي الأعلى بين الاستفتاءات والانتخابات السابقة على الإطلاق،ولكننا في الحقيقة لا يجب أن نقارن بين هذا الاستفتاء وبين أي استفتاء أو انتخابات أخرى،فقد كان للاستفتاء الأخير طبيعة خاصة ومختلفة،فهو استفتاء على قرار مصيري طالب به كل مصري،بل حلم به في اليقظة والمنام،والمشاركة فيه واجب وليس حق فقط،وكل مصري لم يشارك في الاستفتاءات أو الانتخابات السابقة،ما كان ليتردد لحظة في المشاركة هذه المرة لولا ما حدث في مجلس الشعب من أعضاء الحزب الوطني،الذين أصروا إصرارا على تقييد حق الترشيح لمنصب الرئيس من المستقلين بموافقات أعضاء المجالس النيابية..رغم أن حق الترشيح لهذا المنصب هو حق أصيل لكل مصري من أبوين مصريين،وكانت مناقشات نواب الحزب الوطني وآرائهم في مجلس الشعب على حق الترشيح تفتقد للمنطق،فقد كانت معدة سلفا،وبات الأمر وكأنه منافسة للظهور على شاشات التليفزيون التي نقلت الجلسة على الهواء مباشرة.

بعضهم قال انه يجب تقييد حرية الترشيح ووضع ضوابط لها حتى لا يترشح للمنصب مواطن يتلقى تمويل أجنبي..!! أي أنهم حكموا على البعض بالخيانة مسبقا..دون أن يسألوا أنفسهم كيف سيعرف أعضاء المجالس النيابية إذا كان المتقدم يتلقى تمويلا أجنبيا أم لا..؟ إلا إذا كانوا سيسألون الأجهزة الأمنية قبل أن يوقعوا بالموافقة على الترشيح..!!

وبغض النظر عن التفاصيل،أعود مرة أخرى للأرقام،وأقول أننا بنظرة إيجابية للنتيجة سنجد أنها كانت في صالح المعارضة بنسبة 66 في المائة..وهذا على الأقل.
[email protected]

كاتب وصحفي مصري