أول وأصعب الفصول التى يدرسها طلاب القانون فى أمريكا هو فصل تعليم القراءة والكتابة! وذلك الفصل الدراسى يسمى quot;التحليل والكتابةquot; أى على الدارس أن يتعلم ليس كيف يقرأ الحروف والكلمات وإنما كيف يتعرف على ما تحتويه تلك الكتابة من معان وعناصر، وأيضا يعلمه ذلك الفصل كيف يكتب كلاما مفهوما يحتوى كافة العناصر والمعلومات فى ترتيب أكاديمى ومنطفى مفهوم.
الغالبية من كتاب العربية وبالذات فى إيلاف يكتبون بأسلوب راقى ومفهوم ومتفق مع الشروط الأكاديمية. ولا أريد ان أقوم بذكر أسماء هؤلاء الكتاب لإجتناب السهو والخطأ، ولكن لا يسعنا إغفال ذكر الأساتذة شاكر النابلسى وغالب الشابندر ومجدى خليل سواء إتفقنا مع أفكارهم أم إختلفنا. ولكن المشكلة المستعصية أن كل كتابة يجب أن توجه لجمهور ما، ومن أهم مبادىء الكتابة أن يتعرف الكاتب على جمهوره، وعلى حسب ذلك الجمهور ينبغى أن يتوائم الأسلوب. وهذا الجمهور يمكن التعرف عليه بما أتاحته إيلاف ndash; وحسب ما تبعها فيه أغلب الجرائد العربية- من إمكانية تعليق القراء على المواضيع المكتوبة. من متابعة تلك التعليقات يمكن القول بضمير مطمئن أن الكثرة الغالبة من قراء العربية بما فيهم أغلب قراء إيلاف هم فى الحقيقة وللأسف أميون أو يدعون الأمية!


فى كثير من المقالات حاولت وحاول كثير من كتاب إيلاف أن يرشدوا قراءهم للطريقة المثلى للقراءة وللإستيعاب. أى مقال أو موضوع أو حتى جزء من كتاب ينقسم إلى مقدمة وquot;قلبquot; وخاتمة. المقدمة هى تمهيد ومدخل لفهم قلب الموضوع، ثم القلب وهو عادة الفقرة أو الفقرات التى تتضمن وجهة نظر الكاتب مدعمة بالمراجع والحجج إن وجدت، وكل فقرة من فقرات الموضوع أو القلب يجب أن تجرى على ذات السياق أى مقدمة وقلب وخاتمة. ثم تأتى بعد ذلك الخاتمة والمفروض أنها تتضمن خلاصة الموضوع والحكمة المستفادة من المقال وهى تنعطف بشكل أو بآخر على المقدمة وترتبط بها، حتى اننى أتذكر مقولة أن كتابة أى موضوع أشبه بساندويتش تقوم المقدمة والخاتمة فيه بدور الخبز الذى يحتوى اللحم أو quot;الطازجquot; بالفصحى بين دفتيه والذى يمثله فى الكتابة قلب الموضوع.


أمية أغلب قراء العربية على ما سبق شرحه ليست جهلا بالقراءة ولكنها جهلا بكيفية إستخلاص العناصر والحكمة التى يحتويها قلب الموضوع. أما إدعاء الأمية بمعنى إصطناع عدم الفهم فهى ألعن وأذل سبيلا. وخير مثال على إدعاء أو تمثيل عدم الفهم هم أفراد من قراء إيلاف وغيرها من المدونات العربية يقومون بالتعليق على أغلب مواضيع كتاب المقالات بطريقة تنم على الجهل ولكنها ليست جهلا وإنما إدعاء للجهل، وبادعاء الجهل أو عدم الإلمام بالموضوع يتاح للمعلق الخبيث أن يخلط الأمور وينتقى جملة أو فكرة حتى ولو لم تكن من أساسيات الموضوع لمجرد أن يشتت الفكرة الرئيسية ويخيب الأثرالإعلامى أو التنويرى الذى قد تحدثه الكتابة فى المتلقى. والكثير من الكتاب ndash; ومنهم بعض كتاب إيلاف- يظنون أن تلك التعليقات نتاج شخص أو بضعة أشخاص طبيعيين! ولكنها حسب ظنى نتاج مؤسسة يلتقى أفرادها، ويقررون التعامل والرد بطريقة ما على كل مقال تنويرى لا يتوافق مع هواهم وأفكارهم، تماما كمثل هيئة تحرير أى صحيفة من الصحف، ولكنهم للأسف يمثلون صحيفة صفراء أو بالأصح سوداء كخبيئة نفوسهم الدنيئة، وكل همهم محاربة التفكير والتنوير!


تلك الهيئة التى تتوافق أفكار وشخصيات ممثليها أخذت على عاتقها مسؤلية محاربة أى فكر تنويرى أو ليبرالى. وتختلف طرق محاربة تلك الأفكار ولكن الخطوط العامة لتلك المحاربة هى الطعن فى دين ووطنية وشخص ونزاهة الكاتب، وأيضا خلط الحابل بالنابل كما أسلفنا والإستشهاد بقصص من التاريخ وتسقط كلمة هنا أوهناك لتمييع الموضوع وقيادة المتلقى لوجهة خاطئة تماما. والأهم من ذلك البحث عن مخرج يشتبه مع المنطق لما قد يحدثه الكاتب من توتر يبعث على البحث عن الحقيقة! ويمكن العثور على أمثلة كثيرة لهذه المخارج المفتعلة، فحتى أحداث سبتمبر الإرهابية يلقونها على عاتق الأمريكان حينا وعلى إسرائيل أحيانا أخرى! والذبح فى العراق يتهمون قوات الإحتلال بالقيام عليه! وإغتيال الحريرى وسمير قصير ومحاولات الإغتيال التى جرت وتجرى فى لبنان وكل العالم يجدون مخرجا للمجرمين المعروفين الذين أرتكبوها بإلقاء تهمة بدون أى دليل على الموساد أو السى آى إيه!


الخلاصة أن تعليقات الأميين الذين لا يفهمون كيفية قراءة المقال وإستخلاص العبرة والحكمة التى قد يحتويها يمكن تداركها بالتعليم وبالشرح والحوار. أما مقاومة مؤسسة تتخذ شكل معلقين أفراد بغرض مقاومة أى فكرة ليبرالية وتضييع تأثير أى فكرة تنويرية فتحتاج حصافة كبيرة من القائم على مراجعة تلك التعليقات للتفريق بين رأى مخالف مرحب به وبين إستغلال هيئة أو مؤسسة حق التعليق للتمييع ومقاومة التنوير ومحاربة سياسة جريدة تنويرية ليبرالية.

عادل حزين
نيويورك
[email protected]