كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إقامة حكم ذاتي للآشوريين في مناطق تواجدهم التاريخية في سهول نينوى ndash; نينوى العاصمة الشهيرة للامبراطوية الآشورية القديمةndash;، والمنطقة تتميز بحضور ديموغرافي مكثف للاشوريين المسيحيين بطوائفهم المختلفة ومازال سكانها يتحدثون لغة آشور القديمة. وفي خضم هذا الحراك السياسي يتم استهداف وقتل شخصيات آشورية دينية وسياسية معروفة بحضورها المؤثر على الساحة العراقية بطريقة منظمة وملفتة وكان آخرهم ذبح وبطريقة بشعة بولص بهنام أحد رجال الدين في مدينة الموصل واغتيال الشخصية السياسية البارزة ايشوع مجيد هدايا. لماذا يأتي هذا الاستهداف في هذا الوقت بالذات ؟ و كيف يمكن الخروج من هذه المحنة الحقيقية ؟

في الواقع ينبأ الواقع العراقي كثيراً من التدهور والعنف المتزايد، وقد يكون من الصعب إيجاد مخرج مناسب لهذا المأزق بسبب الواقع الإشكالي الثقافي الأيديولوجي المعقد وتدخل دول وارادات إقليمية بهدف تصفية حسابات مع الجانب الأمريكي على ارض العراق وإفشال التجربة بشتى الوسائل الممكنة في ظل التشابكات وحالة الفوضى الأمنية وتداخل كل الرؤى والطروحات الغريبة العجيبة، أضف إلى ذلك وجود طغمة انتهازية في السلطة لاتهمها لا مصلحة العراق ولا مصلحة العراقيين ماخلا اجندتها الأصولية الدينية. العراق، اليوم، تحول إلى ساحة مفتوحة لعصابات الإجرام والذبح. والحكومة العراقية عاجزة على حل المشاكل المعقدة وحتى البسيطة بل عاجزة حتى حماية نفسها، فكيف لها أن تحل مشكلة مثل مشكلة المسيحيين في بناء الحكم الذاتي الحقيقي في سهل نينوى، كما لايمكن التعويل كثيرا على الحكومة الكردستانية لأن أوضاعها أيضا غير مستقرة بل هناك الكثير من مشكلات عالقة غير محلولة.

لا بد إذا من البحث عن إمكانات ذاتية مثل إقامة برلمان خاص بإقليم سهل نينوى يجمع كافة الأحزاب السياسية والطوائف الدينية تماما كالبرلمان القائم حاليا في كردستان العراق، ثم بناء مؤسسات الحكم الذاتي بالطبع كل ذلك ضمن توافقات أطراف عراقية أساسية. لأنه لا يمكن ايقاف النزيف الآشوري المسيحي من دون هذا المطلب. وان لم يحدث ذلك فان الأمور ستتجه نحو الهاوية ونحو مزيد من التهجير وتسوء اكثر فأكثر أوضاع المسيحيين في العراق، وربما نجد عراقا بلا مسيحيين وهنا الكارثة الحقيقية المتمثلة في غياب شريحة مهمة جدا لها تاريخ موغل في القدم زد على ذلك لا يمكن تصور شرق بلا مسيحيين.

لابد من التنويه أن أعداد المسيحيين في العراق تتراجع يوما بعد يوم وقد خلت مناطق بكاملها منهم بالأخص في الفترة الأخيرة حيث يأتي الاستهداف بشكل منظم ومنهجي حالهم حال كافة الأقليات الدينية في العراق. هناك من يتبع أجندة دينية متطرفة وأجندة سياسية متطرفة وتأتي مشكلة التعايش في ظل ثقافة استعلائية لا تتصور المسيحي سوى خادما ذليلا. ولا أنكر أن هناك قوى خيرة منسجمة مع قيم العصر، قيم العدالة والمساواة وحقوق الانسان، لكنها أيضا مبتلية بذهنيات غارقة في الظلامية المقيتة. وختاما، لايأتي هذا المقال استهدافا لوحدة العراق وتمزيقه إلى دويلات مجزأة. لكن بالمقابل كيف يمكن حل مشكلة شريحة مهمة كالآشوريين في الوقت الذي يتعرضون لسياسة التطهير العرقي والديني ؟ لابد من البحث عن آليات الحل وكل الآليات مشروعة طالما أن الأمر يتعلق بحق الشعوب في العيش بأمان.

عزيز توما

[email protected]