يتعرض العراق الى عاصفة هوجاء من المد الطائفي وصل حد الذبح والسلخ والشي بين الطائفتين المسلمتين ( السنة والشيعة)، مما ينذر بتدمير البلد على أيدي بعض مراهقي السياسة الذين فرخهم العهد الجديد ما بعد سقوط صنم بغداد!..


وقد وصل الجنون بالطائفتين المتقاتلتين حدا أن ينسفوا المساجد والحسينيات على رؤوس بعضهم البعض مع أن المساجد لله يفترض أن تعمر لا أن تهدم!!..وأصبح المنتمون الى الطائفتين المتحاربتين أضحوكة أمام أنظار العالم بخوضهم لهذه الحرب اللعينة التي تشغل الحكومة وتصرف أنظارها عن الإلتفات الى المعاناة اليومية للعراقيين الذين يعيشون أسوأ أيام حياتهم بشكل فاق حتى أيام الحصار الدولي، حيث لا يجد العراقي قوت يومه، وإن وجده بالكاد فأن الغلاء والأزمات المعيشية تنهش جسده من كل حدب وصوب.. فالعار العار للطائفتين المسلمتين اللتين تتاقتلان في حرب عبثية لا طائل من ورائها ولا يجني العراقيون منها سوى المزيد من الخراب والدمار، وهما يجتمعان في دين الله الذي رضيه رب العزة للعالمين جميعا وها نحن نسود وجهه بهذه الحرب الطفولية السخيفة فنضحك القاصي والداني على أنفسنا وعلى ديننا حتى يتجرأ رئيس أكبر دولة التي تقود عالم اليوم ليصفنا بـ( الفاشيين الجدد)؟؟!!..


إن الميليشيات السنية والشيعية التي تعيث اليوم فسادا وخرابا في هذا البلد، وتقتل على الهوية ما هي إلا صنيعة لقادة العهد الجديد الذي بذلنا أنهارا من الدماء للوصول اليه، فهذه الميليشيات هي سبب الداء والدمار الذي يحيق بنا من كل جانب، والحكومة التي يفترض أن تنأى بنفسها عن هذه المجاميع المسلحة السائبة، نجدها على العكس تغذي وجود تلك الميليشيات وتؤيدها، بل وعلى ما يذكرون تقدم لها السلاح والمال؟!!. وقد بات واضحا أن لكل كتلة أو طرف سياسي في الحكومة والبرلمان ميليشيات خاصة بها، فأصبحت الدولة دولة الميليشيات، وأصبح وزراء الحكومة أمراء الحرب على غرار أمراء الصومال؟!.
وبرغم أن هذه الحكومة تتمتع بسيادة كاملة في البلد، لكن لا يبدو أنها قادرة على مواجهة تلك الميليشيات السائبة، بدليل أنه في أعقاب تفجيرات مدينة الصدر الأخيرة، لم تنفع مناشدات هذه الحكومة في وقف عمليات الثأر والإنتقام ردا على تلك المجزرة الرهيبة، ففي اليوم التالي هوجمت منطقة الحرية وقتل العشرات فيها إنتقاما من تفجيرات مدينة الصدر.


كنت منذ البداية أعلم يقينا، أن جميع الميليشات الموجودة في العراق وهي ميليشيات مستحدثة تتلقى الدعم الكامل من هذه الحكومة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وعندما كنت أتأمل المشهد السياسي في العراق الجديد، كنت أعرف أن سبب هذا الخراب الذي حل بالعراق الديمقراطي التعددي البرلماني المنشود إنما يتحمل الجزء الأكبر منه بعض القوى المحسوبة على الطائفة السنية، فهم كانوا البادئين بفرض تلك الحرب الدموية..


ولا أريد أن أتهم الطائفة بأكملها فأضطر لأقول بعضها، فمنذ البداية إرتكب السنة خطأ تاريخيا كبيرا بالتحالف مع القوى الإرهابية لتقويض الحكم الجديد في العراق رغم أن أبواب العملية السياسية كانت مفتوحة أمامهم منذ البداية،فتلك العملية لم تكن تكتمل من دون مشاركتهم مع جميع المكونات العراقية الأخرى، ولكن للأسف إختارت قوى سنية اللجوء الى السلاح والإعتماد على القوى الإرهابية المستوردة من الخارج في محاولة منها لإسقاط التجربة الجديدة في العراق!!.


ونحن نعلم أن السنة الذين حكموا العراق لأكثر من ثمانية عقود ليس من السهل إنتزاع السلطة من أيديهم بعد حرب لم تدم سوى ثلاثة أسابيع ولم تسل فيها قطرة دم من العراقيين. وبما أن السنة منذ بداية تشكيل الدولة العراقية إعتادوا على تنفيذ الإنقلابات والإنقلابات المضادة في البلد، فقد توهموا بأن التاريخ سيعيد نفسه، وأنهم سوف يتمكنون بتنفيذ إنقلاب جديد أن يستعيدوا حكمهم ؟؟!! ولكنهم إرتكبوا بهذا الوهم خطأ مكررا عندما نسوا،أن القوات الأمريكية الموجودة على أرض العراق سوف لن تسمح لهم بتكرار فترة الإنقلابات، وطبعا ليس ذلك من أجل سواد عيون العراقيين، بل لحراجة موقف إدارتها أمام العالم،وبسبب أنه في حال فشل بناء تجربة ديمقراطية في العراق، فإن ذلك يعني فشل مشروعها المعلن حول الشرق الأوسط الكبير.


أنا لست شيعيا، وبرغم كوني سنيا لكني لست مصابا بعدوى الطائفية، وعليه فلا أحبذ أبدا أن أخالف أي شخص على المذهب أو أثير خلافا أو خلافات لم تحل منذ أربعة عشر قرنا، ولكن يمكنني القول وبكل ثقة، أن بعض القوى المحسوبة على الطائفة السنية هم الذين دفعوا العراق الى حافة الهاوية بتحالفهم مع الإرهابيين القادمين من خارج الحدود بـ( وهم ) تمكنهم من إستعادة سيطرتهم على حكم البلاد، وبذلك فقد أعطوا مبررا قويا لنشوء الميليشيات الشيعية وتقويتها بدعم من الحكومة التي هي شيعية بدورها، فالمعركة الحالية الجارية على الساحة العراقية هي معركة الحياة أو الموت بكل المقاييس يخوضها الطرفان بكل قناعة من غير المبالاة بما سيحصل للعراق جرائها !. وأقولها بكل ثقة أنه لو إمتلك الطائفتان الدبابات والطائرات لتقاتلوا بها من دون أي حساب لحجم الضحايا الأبرياء !.وقد يمتلكون تلك الأسلحة في المستقبل عندما تشتد سعير نار الفتنة الطافية، فهناك دائما من هو مستعد لأن يدفع وهناك من يشتري ويصدر؟؟!!.
في المشهد الراهن يأتي شخص سني يرتدي حزاما ناسفا أو يركب سيارة مفخخة فيفجر نفسه وسط الشارع أو الحي أو الدائرة ويوقع عشرات القتلى والجرحى بدقائق معدودة في عملية واحدة، فيكون الناتج، مقتل شخص واحد من الطائفة السنية مقابل قتل العشرات أو المئات من الشيعة، وعمليات السنوات الأخيرة في كربلاء والنجف والحلة وأحياء بغداد الشيعية خير شاهد على ذلك. أفترى بعد تلك المجازر البشعة أن يسكت الشيعة على تفجير إرهابي منسوب الى السنة ؟؟!! ثم اليس منطقيا أن تنشأ ميليشات شيعية لتقوم بقتل عدد مماثل من السنة على الهوية، وأن تلقى تلك الميليشيات دعما من الحكومة العراقية وهي حكومة شيعية على كل حال فيدخل العراق في معترك حرب طائفية مدمرة بسبب السيطرة على السلطة؟؟ فنحن نعرف أن الحكومة العراقية الحالية لا حول ولها قوة لوقف العمليات الإرهابية في العراق لأنها بالأساس تفتقر الى جيش منظم وقوي، أو مؤسسات أمنية متكاملة قادرة على ردع القوى الإرهابية و طردها من العراق خصوصا وأن تلك القوى الإرهابية تلقى دعما لوجستيا كبيرا في بعض المناطق السنية، أليس من المنطق أيضا أن تستند الحكومة الشيعية على ميليشاتها الطائفية لردع الميلشيات السنية والقوى الإرهابية المتحالفة معها؟؟!!


لماذا نحرم على الحكومة وهي شيعية أن تعتمد على ميليشيات طائفتها لخوض حرب الحياة أو الموت مع القوى الإرهابية التي تسعى الى إسقاطها وإنتزاع الحكم من أيديها، وهي حكومة فازت بالأغلبية في الإنتخابات بسبب كثافتها السكانية ولها الحق القانوني في إدارة الحكم بالبلاد ؟؟.


أقول وبكل صدق من دون حرج، أن السنة يتحملون الجزء ألأكبر من مسؤولية خراب هذا البلد بحربهم الطائفية البغيضة على الشيعة. وأعتقد أنهم سوف يكررونها بحرب عنصرية أخرى مع الكرد إذا ما نجحوا في ذلك،لأنهم لا يتقبلون وجود طائفة أو شعب آخر يشاركهم الحكم والسلطة التي إنفردوا بها لثمانين سنة من دون أي إعتبار للمكونات العراقية الأخرى، فمشاهد الحرب العنصرية التي شنها صدام ممثلا عن السنة العرب ضد الشعب الكردي والتي أراد من خلالها محو وجود هذه الشعب في العراق ما زالت شاخصة وواضحة أمام كل ذي بصر وبصيرة، وشهادات شهود مذبحة الأنفال التي يحاكم عليها صدام اليوم هو خير دليل على الهدف الأساسي لتلك الحرب العنصرية التي خاضها صدام ضد الشعب الكردي.


بناء على ذلك، فأنا لا أصدق كل تلك الدعوات والتعهدات التي تصدر من بعض القادة في العراق بضرورة بل وحتمية حل الميليشيات المسلحة، فتلك الدعوات ما هي إلا دعوات فارغة وكاذبة تطلق للإستهلاك المحلي فحسب، لأننا نعرف جميعا، أن الحكومة العراقية لا تستطيع أن تفرط بقوة الميليشات الشيعية للحفاظ على توازن الرعب،وبالتالي فإن حل مشكلة الميليشات الذي يكثر الحديث عنها اليوم،لا يأتي بإعتقادي إلا عبر تشكيل جيش عراقي منظم غير طائفي وغير عنصري يستطيع أن يحمي النظام في البلد، أو بتخليص الحكومة العراقية من سيطرة الطائفيين وتسليمها الى شخصيات إما مستقلة أو تكنوقراط على أن تدعم تلك الحكومة من قبل القوات الأمريكية المتواجدة في العراق لكي تتمكن من فرض سيطرتها لفترة إنتقالية ريثما يتم محو هذا الفكر الطائفي والعنصري المقيت من داخل المجتمع العراقي،أو أن يسلم السنة بالواقع الجديد وينخرطوا في العملية السياسية بشكل سليم ويتركوا الإستناد على القوى الإرهابية، عندذاك فقط يمكن للعراقيين أن يبنوا بلدهم الديمقراطي الفدرالي التعددي الموحد، وإلا فأن مطحنة الحرب الطائفية ستظل تدور لفترة غير منظورة تطحن رؤوس المزيد من أبناء الطائفتين ولات ساعة مندم..

شيرزاد شيخاني

[email protected]