قرون مضت وواقعنا يدعو للعجب، فنحن لا نزال متفرجين ولسنا مشاركين نكتفي بإستهلاك ما ينتجه الغرب
علينا أن نتلمس بعض الضوء للخروج من النفق المظلم وحالة التقوقع والحنين إلى أمجاد التاريخ القديم والنظر إلى المستقبل، فالخروج من حالة التدهور والإنحطاط واللحاق بركب الحضارة العالمية |
صرنا في ظلام دامس ووضع صعب وسيء للغاية، متأخرين في أدنى المراتب على سلم التطور العالمي ونعاني من الأزمات والتخلف على جميع الأصعدة الإقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية.. تملكنا الشعور بالإحباط والكسل وبات التفكير العربي جامداً، حتى بدأنا نتساءل خفية أو صراحة عن العيب والنقائض التي تمعنا من التقدم مثلهم، هل السبب يعود إلى نوع الجينات المختلفة أو طبيعة البيئة الجغرافية أو نوع اللغة...
ماذا فعلنا بأنفسنا حتى نصل إلى تلك الحالة المزرية من الإنحطاط والتمزق والرغبة في هجر الأوطان وإستمرار الشعور بالقلق وعدم جدوى الحياة!
نحن خير أمة أخرجت للناس القينا بالإسلام وراء ظهورنا ووضع الإرث الإسلامي على الهامش بعد أن كان قوتنا وسلاحنا ؛ لأنه قدم لنا نظرية شاملة للتنمية.. فتغير الحال فصار التخلف يلازمنا وأصبحنا نعاني من أزمة فكر وأخلاق، إن قيمة الإسلام تكمن في انه رفض الذوبان في قلب الحضارات الأخرى وكان هدفه هو تصحيح مسار حركة الإنسان والمجتمع فخلق من الشتات أمة ومن الإنسان صناعة ومن البساطة حضارة.
إننا نمتلك كل مقومات وثروات طبيعية وبشرية لكننا نفتقد إلى الإرادة والرؤية الشمولية التي تمكنا من التفاعل مع هذه المقومات لنصنع منها الفعل الإيجابي على صعيد تطورنا العالمي.
إذن أزمتنا ببساطة هي أزمة فكرية وأخلاقية من الدرجة الأولى والكل يعمل ليحقق نفعاً آنياً، أصبحنا مجتمعات دون كرامة أو قيمة ومع ذلك نحمل الآخرين مسؤولية ما اقترفته أيدينا نطالبهم بإنجاز ما عجزنا عن إنجازه وبأنفسنا فقد ابتعدنا عن صنع موقع يليق بتاريخنا.
علينا أن نتلمس بعض الضوء للخروج من النفق المظلم وحالة التقوقع والحنين إلى أمجاد التاريخ القديم والنظر إلى المستقبل، فالخروج من حالة التدهور والإنحطاط واللحاق بركب الحضارة العالمية علينا أن نولي أهمية بجانبين هما عماد قيام حضارة وهما:
1. نهضة أخلاقية فكرية
من أجل مكافحة الفساد المتفشي في مجتمعاتنا علينا تغيير أنفسنا وتصرفاتنا فهذا جزء هام وبداية للتغيير السياسي وإجراء إصلاحات سياسية وإجتماعية من شأنها الإرتقاء بالمجتمع، فإذا أردنا تغيير الأنظمة السياسية الفاسدة والتي جعلتنا توابع لإرادة الأقوى لابد من البدء بأنفسنا.
نتيجة حملات التخريب الفكري وإنتشار الفساد بأنواعه من خلال وسائل متعددة.. معظم شبابنا وقع في الفخ وحمل فكراً فاسداً، والكثير من الأمم تخشى صحوة الإسلام وتحاول إزالته من قلوب أمتنا وتسعى إلى إحتلالها فكرياً فهم يطعنون بسيوفهم شبابنا وللآسف نحن نزداد وهناً.
تعددت على الساحة العربية العديد من الثقافات الفكرية بعضها سطحي لا يقدم حلولاً تناسب واقعنا وتتناسى ولاءنا العقائدي، فظهر مجموعة من المثقفين العرب المروجين لعقائد عديدة واعتبرتها الأداة السحرية لإخراج الأمة من إنحطاطها واستعملت قلمها في مناقشة قضايانا من منظورها الخاص وأهوائها الفكرية فبعضها يأخذ بالحلول الماركسية أو الليبرالية التي لا تمت بصلة إلى مشاكلنا وواقعنا الإسلامي مما زاد الطين بله وأصبحنا ندور في حلقة مفرغة لانحطاط لا نهاية له.
وبالمقابل شهدت الفترة الزمنية الماضية ظهور موجة عارمة سميت بـ quot; الصحوة الإسلامية quot; رفعت شعار ( الإسلام هو الحل ) ومع هذه الصحوة الإسلامية الإيجابية شهدت جانب آخر سلبي فقد جاء بعضها مصحوباً بثقافة التعصب الديني والتكفير مما أدى إلى إشعال نار الصراعات المذهبية.. فالولاء للعقيدة يجب أن يكون مصحوباً بالتعقّل والتسامح، فعلاج التعصب بإشاعة روح التعقّل والحكمة وتقوية الحس الأخلاقي فيكون ولاء المرء لدينه وثقافته دون الإعتداء على حقوق الآخرين في أي دين آخر أو ثقافة أخرى.
2. نهضة علمية
لابد من توفر بيئة مناسبة متماسكة وإفساح المجال لكل من يمتلك الإرادة القوية للنجاح في الحياة العملية فذلك يساعد على استثمار طاقة المهدورة لعنصر الشباب وتوجيهه إلى طريق العمل الجاد لصالح بناء الأوطان والإستفادة من تلك الطاقات في النهضة وخير المجتمعات، فالفراغ إن لم يملأ وطنياً سوف تملؤه قوى خارجية تعمل لمصالحها لا يهمها مصلحة شعوبنا وأوطاننا.
قيام خطوات إيجابية جادة في قيام نهضة علمية لابد أن تقوم عبر إستنفار جميع الإمكانيات المادية والبشرية والتعليمية للدخول إلى عالم الصناعات الثقيلة.
والبداية تكون عبر قيام نهضة تعليمية يتم خلالها التركيز على التعليم النوعي والاهتمام بالكيف فهذا يساعد على إيجاد فرض عمل للشباب وجذبهم للإستقرار داخل أوطانهم وعدم التفكير بالهجرة نتيجة البطالة.
وبالتالي لابد من تكريس وإشاعة التفكير العلمي في مدارسنا وجامعاتنا إضافة إلى أنه لا يوجد تقدم علمي وتكنولوجي متعدد المجالات إلا بحرية البحث والتشجيع على الابتكارات العلمية.
الآن نبدأ بغربلة مجتمعاتنا ووضع واقعنا عارياً على طاولة التشريح، أن حالة التدهور والإنهيار التي نمر به منذ عقود طويلة لن تنتهي وتتراجع إلا بالعمل الجاد وإمتلاك أساليب التحويل الشامل لنبدأ الانطلاقة الأولى نحو الإرتقاء العالمي.
حنان محمد فارع
عدن
التعليقات