كنا ولزمن طويل نتفرج على التهريج الذي حدث وما زال يحدث في الجزائر منذ أوائل التسعينات، والذي حصد عشرات الآلاف من الأرواح البريئة، وقـد كنا قبل ذلك،ومعه، نتفرج على التهريج الذي كان يحدث في

كان حصانهم الذي امتطوه في كل الأحيان هو قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، والذي لم يزدد على أيديهم إلا ظلما وقهرا وتدميرا، ولو لم يحولوا تلك القضية لأجندتهم الخاصة لكان العالم قـد تكالب، وتدافع، لرفع هذا الكابوس من على كاهل هذا الشعب المغلوب على أمره والذي تعتبر قضيته أوضح وأعدل قضية عرفها التاريخ،
أفغانستان ومازال. والآن نتفرج على التهريج الذي يحدث في العراق. وما حدث في الرياض، والدار البيضاء، وموسكو، وبالي، ولندن ومدريد وأنتشر في الكثير من بقاع العالم ما هو إلا امتداد لهــذه السلسلة من التهريج،و الذي يتوج الآن بما يجري علي ارض لبنان وفلسطين والعراق. كل هذا التهريج قد أدمناه، ومازلنا ندمنه، وسنظل ندمنه حتى يسكت الشخصان المتسببان فيه، واقصد بهما رجل القومية العربية الفاعل، ورجل الدين الايدولوجي الفاعل (رجل الإسلام السياسي ). كان الأول قــد حول السياسة إلى تهريج، وجاء الثاني ليختطف الدين ويحوله إلى أجندة تهريجية تخصه هـو وحده ولا علاقة للمسلمين بها. والآن هما معا، وبعد أن ركب الأول موجة الثاني وصار دعما وسندا له، بل صار خادما في بلاطه، هما معا يحولان الدين والسياسة إلي تهريج.


سكتنا عليهما كثيرا، خوفا، وجبنا، وحرجا، سكتنا عليهما، وتركنا لهما الساحة خالية ليسرحا، ويمرحا فيها، فما كان من الأول إلا وقادنا إلى هزائم متلاحقة كانت كلها تـُحـَّول إلي انتصارات لنصدقها بعقولنا المغسولة، ونسكت عـليها بأفواهـنا المكممة. كان هذا ثمنا لإنجازات بسيطة ضـُخـِمت ونـُـفخ فيها حتى صدقنا بأنه ليس في الإمكان أبدع من ذلك، وسكتنا عليه لكي يـُنـصـِّب نفسه وطنا فقادنا إلى معاداة نصف العالم. ثم جاء الثاني لينصب نفسه محتكرا أوحد للدين،فقطع الألسن التي كانت مكممة وألغى العقول التي كانت مغسولة، فكان أن قادنا ـ والأول في سرجه ـ إلى معاداة كل العالم بعد أن أوهمونا بأنه فاسد ونحن رُسل العناية الإلهية لإصلاحه،بل قادونا حتى إلى معاداة أنفسنا وكل الحياة.

فعلوا كل ذلك بلا تأهيل ولا حيثيات ولا آليات، بل كان كل تأهــيلهـم خطبا بكماء، صماء، مكرورة، حفظها حتى الأطفال، ونصوصا دينية منتقاة أجادوا توظيفها لخدمة أجندتهم مستغلين في ذلك جهلنا وأميتنا من ناحية، ومن ناحية أخرى عاطفتنا الجياشة( الساذجة) تجاه الدين. كان حصانهم الذي امتطوه في كل الأحيان هو قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، والذي لم يزدد على أيديهم إلا ظلما وقهرا وتدميرا، ولو لم يحولوا تلك القضية لأجندتهم الخاصة لكان العالم قـد تكالب، وتدافع، لرفع هذا الكابوس من على كاهل هذا الشعب المغلوب على أمره والذي تعتبر قضيته أوضح وأعدل قضية عرفها التاريخ، وعذابا ته ومعاناته يراها كل العالم كل يوم، وهاهم يعقدوها الآن ويوصلوا هذا الشعب حد المجاعة واستجداء الغذاء.

بعد كل هذا السكوت (الحرج، الخائف، الجبان) هــل هـو أمر غريب أن تكون هتافاتنا تحت قيادة هؤلاء ــ خارج نطاق الزمان والمكان؟ وهـل هــو غريب أن يكون زعماؤنا، وقادتنا، ــ الذين يتحرك شارعـناالساذج ليلهج باسمهم ويهــتف لهم ــ هل غريب أن يكونوا هم أولئك الذين يسكنون الأحراش والكهوف والحـُفر؟وأخيرا هـل تواتي عقلائنا الشجاعة للوقوف في وجههم لإنهاء هـذا التهريج؟ أم سيستمر الخوف والحرج حتى يقضوا علي لبنان وفلسطين والعراق او حتى تسيطر طالبان الصومال التي تُسمى المحاكم، ويأتينا 11 سبتمبر جديد؟

د. سحر محمد حاتم
كاتبة من منازلهم