كثيرة هي التيارات التي نشأت في نقاط جغرافية مختلفة من هذا العالم، وكما هي العادة حاول البعض استنساخها وزرع نماذج واعدة منها في منطقة الشرق الاوسط، التي تعاني كمّا هائلا من الامراض المزمنة.

انهم غير مقتنعين بانهم لا يملكون حلولا سحرية، ويراهنون على توجهاتهم بكل تطرف، ولا زالت تحكمهم آفاق ضيقة لم تتخلص من ركام الماضي، فانهم لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة تقديم حتى التيار الليبرالي نفسه الذي نشط طيلة القرن الماضي في اوربا بالتحديد والذي ساهم في بلورة الحياة المدنية التي ينعم بها شمال الكرة الارضية.

ومن جملة تلك التيارات الوافدة هو تيار الليبراليين العرب الذين حاولوا محاكاة التوجه الليبرالي العالمي، وبداية رغم اشكالية التعريف لمفاهيم من هذا النوع، فان (أن إشكال التعريف ليس خاصاً بمفهوم الليبرالية تحديدا، بل هو المشكل الدلالي المزمن الذي تعاني منه جميع المفاهيم السياسية، وذلك راجع إلى أنها ليست مجرد دوال لفظية حتى يمكن الاكتفاء فيها بالمقاربة المعجمية، بل هي أفكار مجسدة في الواقع وموصولة بالتاريخ وما يعتمل فيه من تدافع وصراع، وما يختزنه من اختلاف وائتلاف ) لكننا رغم ذلك سوف نكتفي بتعريف يلخص الفكرة ويجمع شيئا من شتات الهيكلية فيها، فالليبرالية تعني من جملة ما تعنيه انها:

(مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الانسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية الاربعة السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية).

وللانصاف فان الليبرالية العربية رغم انها خاضت العديد من المحاولات النقدية الناجحة في سبيل التغيير فانها في نفس الوقت واجهت اشكالية مستعصية تكاد تكرر ذاتها في اغلب ان لم تكن في جميع التيارات الموجودة في المنطقة، والمعني بتلك الاشكالية هو عقدة الايدلوجيا التي تتوفر في العديد من التيارات الموجودة في المنطقة العربية والاسلامية وان كانت تختلف من تيار الى اخر بشئ من التفاوت.

ان الليبراليين العرب لا يقفون عند سقف معين في توجيه الاقلام النقدية، فجميع المفاهيم والمقولات بالنسبة لهم ليست فوق النقد بما في ذلك المناطق المحاطة بهالة كبيرة من التقديس، حيث انهم شنوا حملة نقدية مفرطة على المفاهيم الدينية ومجال اللاهوت، فالرب هو المستهدف رقم واحد في مشاريع الليبرالية الفكرية والثقافية العربية في عالمنا العربي والاسلامي، ومع ذلك فانها لا تملك الجراة المطلوبة لانتقاد هذا النظام العربي او ذاك لا بل تجامل في بعض الاحيان العديد من الانظمة والحكومات المريضة والخاوية، كما ان الليبرالية في نفس الوقت الذي تصر على ضرورة التخلص من داء التقديس لهذا الرمز او ذاك فانها من حيث تشعر او لا تشعر تقع في نفس الاشكالية وفي ذات العيب (رمتني بدائها وانسلت) وذلك لانها في بعض الاحيان تدافع وبشكل متعصب متطرف عن بعض رجالات الفكر والثقافة رغم انهم بشر كما هو الحال مع الاخرين ومع ذلك فهي تُعيب تلك الفعلة عند الاخرين، كما ان ذلك التيار عليه ان يستقبل الاقلام النقدية اكثر من غيره طالما تعلو صيحاته بشكل ملفت بضرورة التجديد.

انهم غير مقتنعين بانهم لا يملكون حلولا سحرية، ويراهنون على توجهاتهم بكل تطرف، ولا زالت تحكمهم آفاق ضيقة لم تتخلص من ركام الماضي، فانهم لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة تقديم حتى التيار الليبرالي نفسه الذي نشط طيلة القرن الماضي في اوربا بالتحديد والذي ساهم في بلورة الحياة المدنية التي ينعم بها شمال الكرة الارضية.

ان ذلك التيار والتوجه اذا استمر على ذلك المنوال ولم يراجع ذاته فانه سوف يتحول الى رقم اخر يضاف الى بقية التيارات الفولكلورية، التي غاية ما تكافح من اجله هو ان تبقي على وجودها الرمزي فحسب ولا يتعدى طموحها اكثر من ذلك.

جمال الخرسان

كاتب عراقي

[email protected]