شعرت أن الجلسة الأولى للمحاكمة، كانت برقية وسريعة، وتشبه محاكمة جاوجيسكو وهيلينا في رومانيا، فقد سبق الحكم إعداد لائحة التهم، ودوّت الطلقات قبل عقد المحكمة.. إذن( وكما أسلفت ) فالليبرالية العربية هي مركب يسبح في عالم إفتراضي ( إنترنت، ميديا جديدة ) أكثر من كونها حقيقة واقعية...إنها في الحالة الأعم تعبير عن السخط والتمرد ومحاولة للإنعتاق من ربق الدالات الثلاث( دين، دولة، دنيا )، أو تعبير عن الهلوسة والتمزق والإغتراب ( وهذه حالات مرضية تكثر في وسط ليبرالي المهجر، وكاتب السطور من بينهم )...لكن أخطر تجلياتها، تتمثل في بيع الضمير، بسوق النخاسة الإعلامي ( المرهون بإرادة الهيمنة الأمريكية )...ولهذا أعتقد أننا جميعا، نخوض حربا دونكيشوتية، مع طواحين الهواء، وذلك لسبب جوهري، تفرضه طبيعة الليبرالية ذاتها ( التي لاتعني شيئا خارج سياقها )إلا إذا صدقنا أن السمك يعيش في الثلاجة أو في المقلاة !! الليبرالية عموما ( مصطلح فرنسي يعني الحرية ) هي وليدة لصيرورة تاريخية، أنتجت أطرا إجتماعية للمعرفة، سادت فيها قيم العلمنة، والتحرر من المقدس وانفصل فيها الإنسان عن علاقات القبيلة والرحم والقربي، ليصبح ذاتا فردية، وأداة وهدفا للتاريخ، وليس مخلوقا لتحقيق إرادة المطلق ومشيئته...إنها ( نطام وآلية ) لإدارة مجتمعات رأس المال وسوق الإقتصاد الحر..الذي يقوم على الوفرة والإنتاج، والبنى المعرفية والقيمية المتناغمة معه.....فبالله عليكم ماذا تعني هذه الليبرالية لمجتمعات القبيلة مثلا ( قبيلتا شمر والعنزة مثلا : عاشتا حتى منتصف القرن العشرين على إقتصاد الرعي والغزو )ماذا تعني في مجتمعات لا تزال فيها الدولة فكرة طارئة، والنظام السياسي يقوم على مبدأ الغلبة والعصبية ( بمفهومها الخلدوني ) أليست تجربة العراق برهانا ساطعا، يثبت أن المرجعيات الحقيقية، هل التي تستظل بعباءة السادة السيستاني والضاري والبرزاني....إلخ أي ( المرجعيات القبلية الدينية )...كيف نتحدث عن ليبرالية ووسائل الإنتاج مازالت بدائية تقوم على إقتصاد الكفاف وفي أرقى حالاتها ريعية كاركاتورية، تقوم على ( غزو ) ونهب مدخرات الطبيعة ؟؟أية ليبرالية تلك، وأعظم صناعاتنا الثقيلة، لاتتجاوز صناعة العلكة السورية، والهريسة التونسية، وعلب الحمص والبابا غنوج اللبناني ؟؟ أو بعض الأجبان ( المستورد حليبها من الدانمرك، وورق تغليفها من الصين، وعمال نقلها من الباكستان )كما في الحالة الخليجية ؟؟باختصار شديد : ماذا تعني الليبرالية ( ببعدها المفاهيمي ) في مجتمع لايزال مغلقا بمفتاح التقاليد وذهنية التحريم (حسب أوصاف كارل بوبر )....أليس الكلام عنها في واقعنا نوعا من العبث والترف والهلوسة ومغص وغازات ينفثها جسد عربي، أثخن في أكل الفلافل ( الطعمية ) والفول ؟؟؟؟
ما كتبت ليس أكثر من برقيات و عناوين يلزمها تفصيلات كثيرة، فنحن أمام مركبات إجتماعية وسياسية وتاريخية..من اللاجدوى تبسيطها واختزالها... أتمنى أن أمتلك الصبر واللذة والمتعة وألا تصبح هذه المحاكمة مملة وسقيمة وبائسة كمحاكمة صدام حسين أو كالمسلسل المكسيكي لخالص جلبي عن اللاعنف في الإسلام.
نادر قريط
فيينا
التعليقات