قرار مجلس الأمن 1626 الذي صدر بالأمس، والذي يحظر التحريض على الإرهاب، يعتبر انتصاراً دولياً كبيراً لبيان الليبراليين العرب الذي وقّع عليه أكثر من أربعة آلاف مثقف ورجل أعمال وقانوني وطبيب ومهندس وأكاديمي ومعلم وطالب ورجل دين ليبرالي عربي وكردي. والذي رفعه معدو البيان الثلاثة (العفيف الأخضر ،جواد هاشم، وشاكر النابلسي) للأمم المتحدة في فبراير 2005 من منطلق التحريض الديني على الإرهاب، حيث لم توجد عملية إرهابية تمت بعد 1980 إلا وكانت بفتوى دينية. مما ألحق الأذى بمعدي هذا البيان وعلى رأسهم العفيف الأخضر الذي أصدر راشد الغنوشي فتوى بقتله، ونسب اليه ظلماً وبهتاناً تأليف الكتاب المشين (المجهول في حياة الرسول).

***
جاء في الأخبار أن أعمال قمة العالم التي افتتحت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك 14/9/2005 تمخضت عن تبنى مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة نادرة على مستوى القمة، وبإجماع أعضائه الـ15 مشروع قرار رعته بريطانيا يدين الإرهاب ويحظر التحريض عليه. ودعا القرار 1626 أعضاء الأمم المتحدة الـ191 إلى منع التحريض على القيام بالأعمال الإرهابية عن طريق تبني قانون لهذا الغرض. وجاءت لهجة القرار قوية تعويضاً عن اللهجة المخففة التي فضل أعضاء المنظمة الدولية اعتمادها كحد أدنى في وثيقة الإصلاح الأممية. ويدعو القرار كل الدول إلى مواجهة ما أسماه الإيديولوجيات المتشددة واتخاذ خطوات لـ"منع التحريض في مجالات التعليم والثقافة وفي المؤسسات الدينية على يد الإرهابيين وأنصارهم", وكذا حرمانهم من الملاذ الآمن .
وهذا القرار 1626 هو تأييد كبير لما جاء في البيان الأممي ضد الإرهاب الذي وقع عليه الليبراليون العرب والأكراد في الوطن العربي وفي كافة أنحاء العالم. والذي قُدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة في شهر مارس الماضي وتمت احالته إلى مجلس الأمن بموجب الخطاب المؤرخ في 2/7/2005 الذي أرسله المستشار القانوني للأمين العام لمعدي البيان الثلاثة (العفيف الأخضر، جواد هاشم، وشاكر النابلسي). وكان بيان الليبراليين العرب ينص على اننا "نحن المثقفين العرب والمسلمين الديمقراطيين والمسالمين الليبراليين الموقعين على هذه العريضة نود أن نلفت أنظاركم - وانتم تضعون التوصيات اللازمة لتنفيذ وتفعيل قراركم رقم 1566- إلى مصدر خطير للإرهاب. هذا المصدر الخطير هو الفتاوى المُحرّضة على جريمة الإرهاب التي صدرت وما زالت تصدر عن مجموعة من رجال الدين المتزمتين. فلا يكفي اصدار قرارات تدين الإرهاب، بل إن الحكمة تقتضي انشاء محكمة دولية من قبل الأمم المتحدة لمحاكمة الإرهابيين وفقهاء الإرهاب الذين يقدمون للإرهابيين فتاوى دينية تشجعهم على الإرهاب، هذه الفتاوى تلعب دوراً أساسياً في تحرير سادية الإرهابي وغريزة الموت لديه من جميع الضوابط الأخلاقية، وتجفف ما تبقى له من ضمير أخلاقي، ومن شعور صحي بالذنب.
جميع الإرهابيين ماتوا أو سيموتون، بفضل مثل هذه الفتاوى، وضميرهم مرتاح وقناعتهم راسخة، لأنهم سيدخلون الجنة في يوم موتهم نفسه، كما تقول لهم هذه الفتاوى. طبعا نحن لا نختزل أسباب الإرهاب لهذه الفتاوى التي تبرره، فللإرهاب أسباب عدة منها قنبلة الانفجار السكاني، ونتائجها من أمية وفقر وبطالة واستبداد سياسي وتخلف في مناهج التعليم وظلامية التعليم الديني... الخ. لكن الفتاوى الدينية المُحرّضة على الإرهاب تلعب دوراً مباشراً وأساسياً في التحريض عليه. ومع ذلك فإن بعض الفتاوى الدينية تصبغ على الإرهاب الشرعية الدينية بتحويله من جريمة إلى تنفيذ حد من حدود الدين أو فريضة من الفرائض.
ونظراً لصعوبة بل استحالة محاكمة فقهاء الإرهاب هؤلاء وأمثالهم في العالم العربي والإسلامي، حيث ينشرون فتاواهم في الصحافة وفي التلفزيون وعلى صفحات الانترنت وبكل سهولة، كما لو كانت واجبا دينيا يُثاب فاعله ويؤثم تاركه. وحيث أن الفتاوى الدينية التي يُفتي بها بعض رجال الدين المتزمتين تساعد على ممارسة الأعمال الإرهابية بدافع التعصب والتطرف الديني، ولأهمية الإسراع في مكافحة الأعمال الاجرامية التي يرتكبها الإرهابيون فإننا نحن الموقعين على هذه الرسالة نطالب مجلس الأمن والفريق العامل المُشكّل وفقا للفقرة التاسعة من قرار مجلس الأمن رقم 1566 بضرورة الإسراع في إنشاء محكمة دولية International Tribunal تختص بمحاكمة الإرهابيين من أفراد وجماعات وتنظيمات بما في ذلك الأفراد الذين يشجعون على الإرهاب بإصدار الفتاوى باسم الدين".


***

وفي 2/7/2005 بعث نيكولاس مايكل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية والمستشار القانوني، برسالة إلى كل من العفيف الأخضر، جواد هاشم، وشاكر النابلسي، يبلغهم فيها تسلم الأمانة العامة للأمم المتحدة لنص "البيان الأممي ضد الإرهاب" والتواقيع الأربعة آلاف عليه. وقال المسشار القانوني للأمين العام للأمم المتحدة في هذه الرسالة:

الأعزاء السادة: هاشم والنابلسي والأخضر :
كلفني الأمين العام للأمم المتحدة بالرد على بيانكم المؤرخ في فبراير/شباط 2005 والذي تقترحون فيه اقامة محكمة دولية للإرهابيين .
إن اقامة مثل هذه المحكمة أمر متعلق كلياً بمجلس الأمن التابع للامم المتحدة. واصبح هذا الموضوع من اختصاص مجلس الأمن بعد أحداث يوغسلافيا، والمذابح التي اقيمت في راوندا. كما أن هناك طريقة أخرى لانشاء مثل هذه المحاكم، وهي قيامها من خلال اتفاق دولي. وقد اختارت الدول هذه الطريقة، عندما قامت بانشاء محكمة الجرائم الدولية في روما 1998 .
وفي رأينا، فإن قرار انشاء المحكمة التي تطالبون بها، يجب أن يأتي من قبل أعضاء الدول في الأمم المتحدة. ولعلمكم، فقد تم توزيع نسخ من بيانكم على كافة أعضاء مجلس الأمن الدولي، كخطوة لمتابعة قرار مجلس الأمن رقم 1373 الصادر في عام 2001 والمتعلق بمحاربة الإرهاب.

المخلص
نيكولاس مايكل
مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية .
المستشار القانوني

***

إن قرار مجلس الأمن 1626 يأتي تتويجاً لجهود الليبرالية العربية/ الكردية المثمرة. وهو انتصار للثقافة العربية /الكردية والليبرالية العربية/الكردية في أكثر المعارك الواقعية التي تخوضها ضد الإرهاب والإرهابيين والمحرضين على الإرهاب والمباركين للإرهابيين. وهذا القرار دليل على مدى كيفية أن يكون المثقف مثقفاً عضوياً ملتصقاً بواقع مجتمعه ، مدافعاً عن قيمه الانسانية، ومحارباً لغُربان الشيطان الناعقة بالخراب والدمار.

[email protected]