بين شأن الله وشأن العبد..

الفتوى هي حل لشأن مستجد كما يراه المفتي مستندا على النص القرآني أيضا كما يقرأه هو ومستند على الأحاديث والسنة النبوية الشريفة، وقياس الشاهد على الغائب..كل هذه الأدوات النصية تكون فضاء معتقديا ومعرفيا وأيديولوجيا للمفتي وفق قراءته وتجربته النصية نفسها. ونحن بتنا نلاحظ في الأونة الكثيرة الفتاوي الكثيرة تنهال على الشعوب الإسلامية من كل حدب وصوب. وبغض النظر عن صحة أوعدم صحة هذه الفتاوى، فإنها تندرج في سياق حجم الإشكاليات التي يواجهها النص الإسلامي في هذا العصر المتغير سريعا. كما تندرج في تحول الفتوى تدريجيا إلى ( منافسة سلمية في الرأي ـ وإن كانت الفتوى لاتمثل رأيا فقط ـ بين المشايخ وأصحاب العلم بالدين والدنيا: منهم من يوافق على فتوى ومنهم من يكفرها ومنهم من يتخذ موقف الحياد، ومنهم من يدافع عن فتاوى غيره من العلماء..الخ ).
لقد كثر الدعاة وكثر القضاة وكلهم علماء، أليست هذه هي وجها من وجوه الدنيوية، ومثلهم مثل كافة الآراء ( والفتاوى ) تتنافس وتتصارع وتتواصل: أليست هذه هي روح العصر الآن؟
لأن المعيار هنا بات أرضيا ولم يعد سماويا: كأن تصلي خمس مرات في اليوم، حكم معياري ثابت لا يقبل النقض في النص القرآني. وبين الأحكام الثابتة والفتاوى ( كآراء ):
إنها مسيرة العلمنة والعصرنة للنسق الإسلامي والتي لايريد هؤلاء العلماء أنفسهم الاعتراف بها.
عندما يفتي شيخا في لبنان مثلا: على المواطنين الشيعة ألا يعطوا تمثيلهم سوى لحركة أمل وحزب الله، ما الذي يمكننا أن نطلقه على هذه الفتوى: فتوى سياسية مثلا؟
كأن يفتي الشيخ القرضاوي بالسماح للمسلمين في بلاد المهجر وحفاظا على أموالهم أن يتعاملوا مع البنوك، ثم يقال أنه تراجع عن هذه الفتوى!! ماذا نسمي هذه الفتوى أو ماذا نسمي الفتوى والتراجع عنها؟
وغير ذلك الكثير الكثير الآن.. في هذه الحالة ألا يمكننا القول:
من يكون الحكم في تكثر الفتاوى وتكاثرها؟ أليس نحن أمام أشكالا من ( الحزبية المعاصرة )؟ لو كان النص القرآني يحمل حلا لما كانت الفتوى وبالتالي على المفتين جميعا أن يجدوا حكما بينهم، ليس شخصا وإنما مؤسسة كما يحدث حول مؤسسات الإفتاء في الدول الإسلامية التي كانت تحتكر حتى فترة قريبة هذه المهمة بينما نجد الآن أننا أمام حالة من الصراعات عبر الفتاوى في كل شؤون الدنيا. وكلما كثرت الفتاوى كلما زادت المسافة بين النص المقدس وفضاءه وبين الحياة المتغيرة دوما. لن في قراءتي للفتوى نجد أنها في وجه من وجوهها هي:
عدم وجود حلا لأمور الحياة المستجدة في النص وتجربة انبثاقه التاريخية وفضاءه المعرفي. أظن يسمح لنا سادتنا العلماء بمثل هذه القراءة.
إنها مجرد آراء أيضا وقراءة لمواطن مسلم لكنه ليس عالم دين..!

سامي عبد الرحيم