استنفرني الطرح الجريء الذي بدأه المفكر الاسلامي العراقي احمد حسن القبانجي في انتقاده لانقياد المواطن العراقي لتقليد رجال الدين، وتذكرت مرة ونحن نعمل في المعارضة العراقية سؤالا توجه به لي قيادي في أحد الاحزاب هو (انت تقلد من؟) وكانت المرة الاولى التي اسأل فيها هذا السؤال الذي لم يخطر لي على بال، فقلت له: وما الحاجة لذلك؟ فأنا احل اموري بنفسي؟ فقال أن من الضروري أن نلقي عن انفسنا مسؤولية الصح والخطأ ونحملها الى عالم دين نقلده فتكون حسناته لنا وسيئاتنا عليه.. ولم استطع اخفاء علامات الدهشة على وجهي من عقلية هذا الرجل الذي يفترض به ان يكون قائدا وهو يخشى المسؤولية بل يحتال في ممارستها بشكل غريب.
واعجبني قول قبانجي (ان تقليد رجال الدين في كل شيْ أمر مذموم وهو حالة مرضية يجب معالجتها وعدم اعطاء فرصة الامساك بخناق الناس بتحريك العقل، والنهل من التجربة البشرية. وازمة العراق الحالية ليس سببها الاحتلال وانما هي وليدة ثقافة متخلفة وعدم منح المتخصصين والمخلصين فرصة ادارة البلاد ).


ووجدت نفسي مع سماع خبر تأجيل جلسة البرلمان من يوم 19 الى 17/3 بسبب انشغال اغلب اعضاءه بمراسيم الاربعين لاستشهاد الامام الحسين(ع) استذكر قول القبانجي ان (استشراء الفساد في العراق يعزا الى الفكر الديني المنحرف والطقوس الخاوية وان ما نشاهده اليوم هو تحويل الاسلام الى صنم يطلب ذبح الناس من اجله ).. ووجدت ان من الغريب ان ينشغل ساسة البلد المنتخبون عن هذه الازمة والوضع الخطر بمداراة المناسبات الدينية وغيرها وتأجيل الحلول والمواطن معا على سطح صفيح ساخن.
وتكاد هذه الصنمية ان تجد لها صدى وموطئ قدم رغم جرأة بعض الاقلام وانتقادها للساسة لتحويلهم السلطة الى صنم شخصي، لا تجد فيه المصلحة العامة مكانا يحترم او يضحى من اجله. ولولا المخافة لاعيد الى الحياة الحق الالهي للسلطويين ولاعلنوا انفسهم خلفاء الله على الارض، وصاروا يحكمون بأسم الله في عباده المساكين.
واستغربت أكثر ما تناولته صحيفة الشرق الاوسط على لسان عضو في قائمة الائتلاف العراقي الموحد من انه اجتمع مع رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري للتباحث حول الازمة الحقيقية التي يمر بها الائتلاف وان الجعفري قال له (ان الله والشعب اختاراني لهذا المنصب).. وكأن الله تعالى معني بتنصيبه رئيسا للوزراء على طريقة تنصيب امراء المسلمين من الخلفاء الامويين والعباسيين ومن تلاهم وهي اكذوبة يراد منها منح مجيئهم للسلطة بأي ثمن شرعية الاهية..

ورغم ان هذا العضو لم يذكر اسمه الا ان رئيس ديوان رئاسة الوزراء خضير عباس وهو مقرب من الجعفري استخدم نفس المفردة (المرشح الشرعي) وقال (الجعفري يحترم ارادة الجماهير، والجماهير قررت ان يكون رئيسا للحكومة واذا تخلى الجعفري عن هذا الترشيح فهذا يعني انه يحطم ارادة الجماهير وهو لن يقدر على خطوة مثل هذه ).. وكأن الجعفري او غيره (مع احترامي وتقديري لجميع المنتخبين ولنضالهم) قد انتخبوا بالاسماء لا بالقوائم والتي تمثل ادنى درجات الديمقراطية، حيث لا توفر وسيلة مباشرة بين الناخب والمنتخب بل تكون فيه القائمة هي الوسيط، مما لا يمنح الناخب القدرة على التحكم الدقيق في النتائج وشخوص المنتخبين، فكيف يقول رئيس الديوان ذلك؟!
نحن بحاجة اليوم الى تكريس وتطوير القدرات الفردية على الاختيار والنقد عبر الحرية الفردية المطلقة، لا ألى تكريس القطعانية وتقليد المراجع الدينية والسياسية.. ومن واجب الساسة ان يكونوا أول من يسعى بهذا الاتجاه لا بالضد منه.

جليل البصري
[email protected]