ليل السجون السورية هل له من آخر؟ ( 2 /2 )
قال لي محدثي: تتكلم عن ليل السجون السورية وكأن النظام السوري بدعاً من الأنظمة القمعية، في الوقت الذي أصبحت فيه معظم بلاد العربان سجناً كبيراً، والناس مابين الصغير والكبير من السجون يعرضون عليها غدواً وعشياً وبالأسحار حتى باتت من معالم نظام القمع العربي تصلها أحدث التقنيات في عالم التعذيب والاضطهاد، والأنكى أن يجدد للسجّان تلقائياً وبنسبةٍ معروفةٍ عكس محبة الناس له تبلغ المئة أو أقل منها بحبةٍ من سمسم.
قلت: هل تعلم أن ليل سجونهم تطاول، وبات لكل واحد قصة وقصص عن سجنه ومعاناته وآلامه، تبعث في النفس الأسى وتلهب المشاعر، وتبعث على الاكتئاب، والناس يروون قصصهم وتسمع حكاياتهم لتشهد مدى الدرك والانحطاط والظلم الذي وصل اليه سجانو الشعوب وسارقوا الأمة وقامعوها.
عرفته في العشرين عمره شاباً يتدفق حيويةً وحركةً، ليس له أي انتماء سياسي أو حتى أدنى اهتمام، هو مسلم ولكنه لايصلي، يصوم قليلاً. راح في غياهب سجون النظام السوري سنين عديدة لايعرف لماذا، وعانت عائلته ماعانت - ولاسيما والداه - على ماأصاب هذا الشاب من ظلمٍ بالغٍ شديد. وعقب ستٍ من سنين عجاف في سجن تدمر(الحديث عنها ليس مكانه هنا) انقلب الى أهله مسرواً وكأنه يولد من جديد. قال لي: جيء بي من سجن تدمر الى أحد فروع المخابرات في دمشق لمقابلة ضابط كبير فيه وليقول لي: ثَبَتَ لنا بالدليل القاطع والمانع والجامع أن لاعلاقة لك بشيء البتة اطلاقاً، ومن ثم ابراءً لذمّتنا (منشان الحلال والحرام) فلسوف نطلق سراحك الآن ولسوف ندفع لك رواتبك عن هذه الفترة بما تستحق (بلغ اجماليها محتسبةً بالدولار 2000 دولار) وحسب الأصول القانونية. وكما ذكر لي أيضاً: خرجت بالثياب التي دخلت فيها (ست سنين لم تتغير تقشفاً وزهداً) وليس معي أي نقود كواحد من أصحاب الكهف. وقفت في الشارع أنتظر سيارة تنقلني الى أهلي ومدينتي التي تبعد عن دمشق 500 كم. قلت للسائق: ليس عندي ماأدفعه لك ولكن عندما أصل أهلي، لاشك لسوف أعطيك المستحق من الأجر وزيادة، فوافق السائق متأخراً طامعاً ببقشيش كبير اضافةً الى الأجر بعد أن عرف أني من أصحاب تدمر. وبعد عدة أشهر من اطلاق سراحي قبضت المبلغ المذكور أعلاه 1200 دولار بعد الاستقطاعات والرشاوي( يعني 200 دولار مقابل كل سنة سجن في تدمر أرفع سجون النظام السوري وأسوؤها سمعة أو 5 دينار كويتي عن كل شهر ميلادي) قتل الأنسان..!! ماأظلمه..!! وماأكفره..!!
قال: اسمعني، لكل معتقلٍ قصة، ولكل سجينٍ حكاية، ولكل مظلوم رواية. ولقد بدأ الناس يكتبون ويرفعون الصوت بشيءٍ مما كان ومما حدث، وبدأ ظهور مايعرف باسم (أدب السجون) عند من استطاع الى البوح سبيلاً على طريقة روميات طيب الذكر (أبوفراس الحمداني).
قلت لمحدثي: لهذا السبب وغيره نؤكد ثانية وثالثة وراربعة على كل الجهات الاقليمية والدولية المعنية بحقوق الانسان وحريته أن تهتمّ بهذه (المأساة الكارثة) بكل مافي الكلمة من معنى. وان ننسى فلا ننسى في هذا الموضوع الانساني رجلاً كبيراً كان له باع طويل في ظلمات هذا البحر فَنَذْكره ونُذََكّره. هو سماحة السيد حسن نصرالله في لبنان الذي نذكره بما له من رصيدٍ نفخر به في تحرير أسرى ومعتقلين لبنانيين وعرب من سجون العدو الاسرائيلي، فهو رجل الخبرة والدربة والتقنيات العالية في هذا الميدان، ونذكّره أن يبذل الجهد الجهيد والوسع كله لينجز شيئاً مع النظام السوري على الأقل في اطلاق سراح اللبنانيين. فان سماحته حقق انجازات على صعيد تحرير الأسرى والمعتقلين العرب في فلسطين المحتلة ومبادلتهم ببعضٍ من رفات يهود أو أسير.
أنا أعلم يقيناً أن سماحته ليس عنده سوريين أحياءً أوأمواتاً ليبادل عليهم، ولكن الأمل به كبير وكبير جداً أن يُوجِد طريقةً أو آليةً في هذا المضمار يحقق فيها على الصعيد السوري أضعاف أضعاف ماأنجزه مع اليهود. واذا جاء الأمر على غير ذلك فهو الكارثة الحقيقية وبكل المقاييس. يعني نستطيع أن نحقق انجازاً لابل انجازات باهرة ورائعة على صعيد الأسرى والمعتقلين عند اليهود ونكون عاجزين أو معجّزين عن فعل مثلها أو أقل عند السوريين، أو يصبح فك قيد السجناء والأسرى ومعرفة أمر المفقودين عند اليهود أهون منه عند الآخرين. لطفك يارب..!!
ليل السجون السورية هل له من آخر؟ 1-2
بدرالدين حسن قربي
كاتب سوري مقيم في كندا
التعليقات