في الوقت الذي كان فيه عام 2005 يلملم أشياءه ويُسدل ستائره إيذاناً على الرحيل ليبدأ عام جديد، كان السيد/عبدالحليم خدام يقذف بنفسه ndash; وهو ابن البحر الذي عاش معه وتربى على شطآنه ndash; خارج عبارة النظام السوري والتي غدت على مايبدو أسوأ حالاً من العبارة المصرية التي غرقت الشهر الماضي في أعماق البحر الأحمر، وليعبر بنفسه الى الشاطئ الغربي من الأرض.

ومن هناك أعلن السيد/ خدام انشقاقه عن النظام الأسدي السوري - كما يقول - وانحيازه للوطن وليبدأ مرحلةً جديدةً في شكلها ومختلفةً معاناةً وطعماً ورائحة.

في مقابلته الأولى فجّر السيد/ خدام عدداً من القنابل الهجمومية والدخانية في وجه النظام العائلي السوري أحدثت عندهم على مايبدو رجةً دماغيةً أفقدتهم صوابهم مما جعل مجلس الشعب يجتمع في اليوم التالي لأمّ المقابلات التلفزيونية في عام 2005 ليدفع عن نظام القمع والاستبداد هجمات المعارضين ممّا يؤكد أن فعلة السيد/ خدام قد أصابت البصلة السيسائية للنظام الأسدي فكان تصرف النظام مبنياً على فعل ورد الفعل.

ولأن المعارضين هذه المرّة كانوا من عيارٍ مختلف، فبدأ المجلس جلسةً من الردح المختلف ( وعلى قفى من يشيل وياعيب الشوم ). ووجهت للرجل العديد من التهم أقلّها الخيانة، وهي مقبولة وعادية لو كانت الخيانة لغيرهم أما أن تكون الخيانة للنظام العائلي نفسه فالأمر أيضاً مختلف.

في مقابلته أشار السيد/ خدام الى اثنين من الهباشين وصغار الكسبة، أحدهما كان في عام 1970 (وهو العام الذي كان فيه ما سمي بالحركة التصحيحية للمسار في حزب البعث ونظامه الحاكم) موظفا بسيطاً في إحدى دوائر الأمن براتب شهري لايزيد على 60 دولار بأسعار زمن الحركة التصحيحية، ثم صار هذا الموظف يصحح من وضعه ويصحح، وظلّ يصحح وبقي يصحح، وأمسى يصحح وبات يصحح، وأصبح وأضحى وغدا ومات وهو يصحح من وضعه، ثم تولاه ربنا وغادر دنيانا عن ثروةٍ بسيطةٍ جداً جداًً، اختلف عليها الورثة وهي حقيقة لاتستاهل مثل هذا الاختلاف والمشاحنة والبغضاء ولاسيما أن المال وسخ الدنيا ثمّ إنّ التركة كلها ( شغلة فاضي)، يعني موظف بسيط بسيط (قديش حتكون التركة بتوعه)، ألف ألفين ثلاثة أربعة؟ عشرة عشرين ثلاثين ؟ مئة مئتي ألف.. مليوناً ؟ الحقيقة والأمانة أن لاأحد يعلم لأن الافتراء لايجوز، وربنا على المفتري. حتى قيض الله لنا شاهداً من أهلها ليقول إن هذا الموظف البسيط والبسيط جداً ترك ثروةً ليست أقل من أربعة آلاف ألف ألف دولار ( يعني هي بسيطة جدأ ولكن كاتب المقال عقّدها ) يعني ميراثاً قريياً جداً جداً من نصف ميزانية سورية الوطن والأرض والشعب رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً (سبحان المعطي).

وأما ثانيهما فهو محاسب في شركة طيران عربية وسورية ( كمان) وحاله كحال صاحبه السابق ولكن يبدو أنه صحح في وضعه أكثر وأكثر، يعني الأول كان يصحح في النهار، فصار الثاني يصحح في الليل والنهار (شغل دبل)، فكانت ثروته ضعفين (يعني قدر ميزانية سورية للعام 2005 الا شوية صغيرة).وحتى مانعقدها كانت لاتزيد عن ثمانية ألف مليوووووون دولار ينطح دولار لاغير.

قامت قيامة الرفاق على صاحب المقابلة، وغضبَ المجلس، وقامت الوطنية(بتاعهم) قومةً واحدة، ولأن الملاحقة تطال من ترك سفينة النظام فقط لاغير فقد تركوا الحديث عن الاثنين المشار اليهما وكأنهما ليسا سوريين وأن الإشارة في المقابلة كانت إلى مجهولين.

بالأمس نشرت صحيفة quot;تشرينquot; السورية خبر استدعاء السيد/ خدام وعائلته وأحفاده للمثول أمام محمكة مدنية في مدينة quot;بانياسquot; الشهر القادم. ونُشِرَ الخبرُ في الصحف بسبب جهلهم عنوان ومكان اقامة المُدَّعَى عليهم حسب قولهم، وكأنّ البيت الذي تظاهروا اليه قبل أكثرمن شهرين ونصف ورموا بموجوداته وملابس سكانه خارجه لم يكن للمُدّعَى عليهم.

قال لي صاحبي: فماذا عن الاثنين الآخرين من صغار الكسبة اللذَيْنِ أشار اليهما السيد/ خدام في مقابلته ولم يدّعُوا عليهما..!!؟

قلت له: طالما أنهما مازالا في مركب النظام وفي كنف الأحباب فلا تثريب عليهما، ومجلس الشعب ولا سيما شيوخه وأصحاب اللحى فيه (بيضربهم) العمى عنهما وعن أمثالهما على اعتبار من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن حسن إسلام المرء تركه مالايعنيه، وغض البصر من أساسه خلق عُرُوبي من أيام الجاهلية (وأغض طرفيَ إن بدت لي جارتي). وأما عن دعواهم (حتكون فشوش وكيدهم حيكون في نحرهم لأنو كلهم ضلاليّه طبعاً عدا المشايخ وأصحاب اللحى منهم)، فقد نفى السيد/ خدام التهمة جملة وتفصييلاً واعتبرها كيدية لموقفه السياسي وانحيازه للوطن وأن ماعنده من أملاك انما هو مما خلفه المرحوم والده، وأنهم ماتكلموا بهكذا أمر إلا بعد موقفه الجديد وانحيازه للوطن.

ثمّ وهو الأهم، لو كانت هذه التهم صحيحةً كما يزعمون، فالمشايخ وأتباعهم في مجلس الشعب ماكانوا ليسكتوا كل هذه السنين عن هكذا أمر منكر ndash; حتى لو سكت أعضاء المجلس كلهم- مما يُتَهَمُ به آل خدام كل هذه السنين وهم (على طول بيقولوا) الساكت عن الحق شيطان أخرس. (وبعدين شوف) حتى لو أنّ المشايخ وأصحاب اللحى (دبرولها تخريجة) أو فتوى كما يقال، فجماعة الجبهة الوطنية التقدمية الممثلين في المجلس أيضاً لايمكن لهم أن يمشّوا (هيك) أمر أو يسكتوا عليه اطلاقاً، لأنه (هادول ) جماعة ماعندهم (حدا كبير ولا يمُّه ارحميني).

فقال لي صاحبي: هالأرقام الفلكية للسرقة والنهب من قوت الناس وعرقهم ومستقبل أبنائهم ولقمة عيشهم مما أشار اليه نائب الرئيس السوري السابق أمر مخيف ومرعب حقيقةً ويهدد سورية بالدمار وسيضعها على حافة الانهيار.

قلت: ياصاحبي..!! أنت في بلد كل شيء فيه مخطط، ومحسوب حسابه بالكومبيوتر والمعلوماتية (من لمّا) استلم الرئيس). (ولك شوف) حتى مخك وعقلك ماعاد( لازم) ومومطلوب منك (تشغلوا) توفيراً لجهدك وحرصاً على راحتك، (لأنّو) في ناس مسؤولين (همّ بيفكروا) عنك (وبيدبرولك) كل شيء في البلد.

أنت خايف على البلد من الانهيار والدمار من كثرة (الهباشين) والنهّابين والفاسدين المفسدين..!؟

هذا أمر- لاتفكر فيه- محسوب حسابه أيضاً، ولعلمك ماغاب عن الحكومة، ولكن لخصوصيته وصعوبته وخطورته فالرئيس- الله يحفظه- أمسك بنفسه ملفَّه، وتولى حلَّه، ولكنه أيقن أن هذا الأمر عظيم، وليس هيناً كما يظنون (وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم)، وتيقّن أَنْ ليس لهذا الأمر العظيم إلا الله، فأطلق شعاره quot; سورية الله حاميها quot; بعينه التي لاتنام، وَأُمِرَ بوضع الشعار فوراً مثل حجاب ورقية على أعالي جبل quot; قاسيون quot; الشام، ليراه المواطن دائماً أبداً ولا يغفل عن ذكره أحد من الأنام، وجعلوا من الهباشين والنهّابين والفاسدين والمفسدين حماةَ ديار عليهم سلام، ومن سيادته عرشَ شموسٍ حمىً لايضام، (وهيك أنتي) ياصاحبي قريرَ العينِ هانيها (قديش مابّدك بتشخّروبتنام)، لأن البلد والنظام-على زعمهم ndash; هما في خير حالٍ وعلى أحسن مايرام، ولاسيما بعد غياب وانشقاق السيد نائب الرئيس عبدالحليم خدام، فأمسى الأمر ياأحبابنا ياكرام عَشْرَة على عشرة ومئة على مئة و(عال العال وتمام التمام).

بدرالدين حسن قربي

كاتب سوري مقيم في كندا

[email protected]