مامن احد ينكر مدى الهوة المفتعلة بين رئاسة الجمهورية العراقية التي اختزلت في الاونة الاخيرة بشخص زعيم القائمة الكردستانية السيد جلال الطالباني وبين رئاسة الوزراء التي يشغلها الدكتور ابراهيم الجعفري والمتنازع عليها بين الغرماء السياسيين جميعا. وما من احد ينكر بعد ان طفت الى السطح خلافات الرجلين حول quot;مطاطيةquot; قانون ادارة الدولة وماتلاه من مواد الدستور والتي لم تتطرق الا بشكل موجز فيما يخص تنظيم العلاقة بين المنصبين السياديين، ففهم الطالباني لتلك العلاقة غير فهم الجعفري والشعب في موقف الذي لاحول له ولا قوة؟!

الحق يقال ان اساس الخلاف هو رفض الدكتور الجعفري تقديم quot;كركوكquot; على طبق من ذهب للاكراد كما كانوا يطمحون فعللوا رفضهم للرجل باخفاقه في الفترة السابقة متناسين ان الحكومة لم تكن حكومة اختيار الجعفري وانما quot;حكومة محاصصة حزبية وطائفيةquot;، وبالتالي فمن غير المنصف تحميل الدكتور الجعفري كل الاخفاقات. الجميل في الامر ان في كل تلك المعمعة يقف انصار الدكتور الجعفري ومريديه -وهم كثر طبعا-مدافعين عن الرجل وسياسته الحكيمة يقابلها محاولات متلاحقة ودؤوبة من الرئيس الطالباني لازاحة الرجل عن طريقه باي ثمن على حد وصف بعض انصار الجعفري. بينما لايرد الجعفري على كل ذلك الا بكلمات تكتنفها الدبلوماسية في محاولة منه لاستمالة الاخر والتخفيف من حدة الهجوم على شخصه تارة وعلى اداءه اخرى. والحق يقال ايضا ان بامكان الجعفري ازاحة الطالباني من طريقه لو اراد ولايكلفه ذلك الا استمالة ثمانية اعضاء فقط من القوائم الاخرى من مجموع اعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 275 عضوا للتصويت له باغلبية الثلثين كرئيس للحكومة وعدم التصويت لغريمه لاعتلاء منصب رئيس الجمهورية وهو ما لايتسنى للسيد الطالباني فعله! وبالرغم من ذلك فلم يلجأ الدكتور الجعفري لهكذا فعل قد يكلف العراق الكثير لاحقا من المشاكل التي هو في غنى عنها ووفقا للحسابات الوطنية التي تتحكم بسياسية الائتلاف العراقي الموحد. وبالرغم من نزول قائمة الائتلاف عند المطالب المتكررة للسيد جلال الطالباني حول توسعة صلاحياته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة الا ان ذلك لم يؤدي فعله للتأثير عليه واستمالته او ثنيه عن قرار ازاحة الجعفري عن طريقه الامر الذي لم يبقي امام اعضاء مجلس النواب وللخروج من عنق الزجاجة الا استبدال احد الرجلين. بيد ان الجعفري قد قدم ضمن اليات ديمقراطية سواء من داخل الائتلاف العراقي الموحد او من خلال صناديق الاقتراع من قبل ولذا فلا يمكن ازاحته عنوة. ووسط تعنت وتشدد من قبل القائمة الكردستانية حول شخص الجعفري برز الى السطح ماكان يخشاه البعض من دق اول مسمار في فرط عقد التحالف الستراتيجي بين قائمة الائتلاف والقائمة الكردستانية فيما هو اعطاء الضوء الاخضر لقائمة التوافق العراقية السنية في تقديم مرشحهم لرئاسة الجمهورية بدلا من السيد جلال الطالباني؟! هنا يمكن القول ان الدكتور الجعفري بطريقة وباخرى قد قلب الطاولة على غريمه وبدى المهاجم مدافعا بين ليلة وضحاها ليبدو السيد لطالباني على حد وصف المثل العربي الشهير quot;وعلى نفسها جنت براقشquot;.

علل طبعا بعض اعضاء قائمة التوافق السنية خطوة جريئة وواثقة من هذا النوع وفي هذا الظرف العصيب من تشكيل الحكومة بان غالبية الشعب العراقي هم من العرب وبالتالي فان رئاسة الجمهورية من حقهم. اما القائمة الكردستانية فاكتفت بالاستناد الى انهم ثاني اكبر كتلة برلمانية وبالتالي فان المنصب من حقهم مثلما يضمن الدستور حق الائتلاف العراقي الموحد الاحتفاظ برئاسة الوزراء باعتبارهم اكبر كتلة برلمانية! لكن هل يصمد هكذا رأي امام كتلة quot;مرامquot; لو ارادت الاخيرة تقديم مرشحها لرئاسة الجمهورية باعتبارها ثاني اكبر كتلة بعد الائتلاف خصوصا لو علمنا ان عدد اعضاؤها لايقل عن 88 وهو مايفوق عدد اعضاء القائمة الكردستانية والذين لايتجاوزر عددهم 54 عضوا في احسن الظروف؟! هنا يكون امام القائمة الكردستانية امر من امرين:

الاول: العدول عن المطالبة باقصاء الجعفري من منصب رئاسة الوزراء وهو المرجح طبعا للحفاظ على منصب رئاسة الجمهورية.

الثاني: المضي بمشروع فك التحالف الستراتيجي مع الائتلاف العراقي الموحد والتفريط بمنصب رئاسة الجمهورية والاستعاضة عنه بمنصب رئاسة البرلمان وهو مايرفضه الاكراد. فمن وجهة نظر الاكراد ان قبولهم بمنصب رئاسة البرلمان يجعلهم في موقع الضعيف فضلا عن انه منصب تشريفي اكثر منه مشاركة فعلية في صنع القرار السياسي للبلد وهو مايطمح الاكراد لحيازته في عراق مابعد الدكتاتورية، وهذا من حقهم طبعا شريطة الاحتكام الى القانون وليس الى الرغبات الشخصية لرؤساء القوائم.

هذا اذا اصرت قائمة التوافق السنية على مطلبها ولم تكن ترجو من وراء ذلك حصد المزيد من الحقائب الوزراية خصوصا لو علمنا ان مايقابل المنصب السيادي وزارتين على الاقل ان لم يكن ثلاث. اما لو اصرت القائمة الكردستانية على رفض كلا الفرضيتين فلا يكون امامها الا اغلاق حدود المحافظات الثلاث (دهوك-اربيل-سليمانية) واعلان quot;دولة كردستانquot; من طرفهم فقط من دون الرجوع الى الشرعية الدولية ولا الى الحسابات الاقليمية والدولية وهو امر لااعتقد ان تلجأ اليه القائمة، فالاكراد يعون جيدا ان العواقب ستكون وخيمة في اتخاذ قرار خطير من هذا النوع.

رياض الحسيني

www.riyad.bravehost.com

كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل