عندما انكشفت نوايا الولايات المتحدة للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين قبل فترة من الحرب، سعت الإدارة الأمريكية الى تجنيد قوى المعارضة العراقية لصالح مشروعها للتغيير، فأجرت سلسلة من الإتصالات مع بعض قوى المعارضة على الساحة العراقية، واختارت ستة أحزاب مبشرة بالجنة الأمريكية في العراق ليشاركوها عملية التغيير، لكنها أدركت فيما بعد أن هناك مساحة زائدة في الجنة فاشركت ثلاثة أحزاب عراقية أخرى، وهذه الأحزاب بمجملها تصدع رأس أمريكا اليوم، وحولت الجنة الموعودة في عراق ما بعد صدام الى جهنم حمرة تستعر نيرانها كل لحظة وتطلب ( هل من مزيد)!.
في تلك الفترة أطلق جلال طالباني تصريحا صنف فيه أحزاب المعارضة العراقية التي قسمها الى قسمين، (معارضة الخنادق ) و ( معارضة الفنادق)!.فمعارضة الخنادق كانت تلك الأحزاب التي لها حضورها الفعلي والميداني على ساحة المقاومة المسلحة ضد النظام الدكتاتوري، وأحزاب الفنادق كانت تتشكل من بعض الأحزاب التي يتخذ قادتها من فنادق أمريكا وأوروبا منطلقا للنضال ضد الدكتاتورية، وكانوا يقلدون بذلك صدام حسين الذي حاول تحرير فلسطين بالانطلاق من بوابة الكويت ناسيا أن المدخل الى فلسطين يبدأ من غرب العراق وليس جنوبه!. والأحزاب الفنادقية العراقية المعارضة كانت بدورها تتصور أن اسقاط النظام الصدامي يبدأ بالمرور من شارع الشانزيليزيه!.وكانت فنادق أمريكا وأوروبا في تلك الفترة تغص بهؤلاء المناضلين العراقيين، وكل حسب حجمه. ففيهم من يحتل جناحا كاملا في الطابق السابع من فندق ذات خمس نجوم، وفيهم من يحتل غرفة واحدة في فندق من الدرجة العاشرة يجمع فيها قادة وقواعد حزبه أجمعين!.
في تلك الفترة أيضا جادت قرائحنا نحن الكتاب الكرد باستحداث تسميات اضافية لوصف أحوال قوى المعارضة العراقية، ففي جلسة ضمتنا نحن الاثنين، أنا وستران عبدالله الذي يرأس تحرير صحيفة( آسو) الكردية الآن، كنا نتناقش في أوضاع المعارضة والسياسة الأمريكية في المنطقة،فجادت قريحة ستران باستحداث صفة أخرى أطلقها على بعض أحزاب المعارضة وهي( أحزاب بنادق). وكان محقا في ذلك فلم تكن جميع أحزاب (الخنادق) تحمل البنادق، فقد كانت هناك أحزاب تصطف فعلا في الخندق، ولكنها في الحقيقة والواقع لم تكن تحمل البندقية، مثل بعض الأحزاب العراقية التي كانت تتخذ من عواصم دول الجوار مقرات لها، فهي كانت تحارب بجريدة نصف شهرية، أو مجلة تصدر مع الانقلاب الصيفي من كل عام.
وعلى قاعدة (مفيش حد أحسن من حد) ولكي أتعادل مع ستران عبدالله، جادت قريحتي هذه الأيام باستحداث صفة رابعة لبعض الأحزاب العراقية، وهي (أحزاب البيادق)، وهذه من مكتشفاتي وسأسجل بها براءة اختراع فمن يريد أن يستعير هذه الصفة، عليه أن يدفع لي بعض الأموال كحق من حقوق الملكية الفردية، والا سأقاضيه أمام محكمة الجنايات العليا العراقية بعد انتهاء محاكمة صدام عن قضية الدجيل، فقد سمعت أن هذه ستكون أول وآخر محاكمة لرموز النظام السابق، لأنهم سوف ينفذ فيهم حكم الإعدام كما قال المدعي العام في المحكمة، رغم أن المحاكمة لم تنته بعد!!!!..
وأحزاب البيادق أقصد بها تلك الأحزاب التي ظهرت على السطح بعد ((الخيرات العميمة)) التي انهالت على العراق مع سقوط صدام حسين، فهذه الأحزاب أصبحت لعبة بأيادي بعض دول الأقليم تلعب به كما تشاء.وكلما أفتح التلفزيون على القنوات الغنائية الراقصة التي تساوي أعدادها عدد الأحزاب العراقية المناضلة اليوم في العراق،وأشاهد فيها أغنية لمطرب مصري شاب يدعى حمادة هلال وهو يلاعب مع حبيبته بعض عرائس مسرح الأطفال، أتذكر قادة الأحزاب البيادقية السنية والشيعية في عراق اليوم التي تقوم بتصفية بعضها البعض بناء على طلبات من قوى أقليمية معادية للتجربة العراقية الجديدة، والتي تحاول بكل جهودها إفشال هذه التجربة كي لا ينتقل العدوى اليها، أو طمعا منها بتفتيت العراق، والا فليأت أحد ويقول لي من من العراقيين يرتضي لنفسه أن يتقاتل على المذهب؟ وهل هناك خلافة اسلامية في العراق الجديد حتى تتصارع المذاهب والفرق عليها؟!حتى أبطال الحرب الطائفية ينفون عن أنفسهم أن يكونوا طرفا في تلك الحرب، لأنها حرب معيبة ومخزية في هذا العصر،والا فلماذا ينكرونها وهم يخوضونها فعلا بدليل وقوع العشرات من الضحايا كل يوم.
في عراق اليوم هناك طائفنتان من المؤمنين يقتتلون، ولا يمكننا الإصلاح بينهما، والطاتئفنتان تفيئان احداهما على الأخرى، عشرات الجثث مجهولة الهوية تكتشف تحت الأشجار والأحجار وهم من السنة، يقابلهم عشرات القتلى في الحسينيات بعمليات انتحارية وهم من الشيعة، المطحنة تدور وليس هناك من يفك برغي من الماكنة لتوقيفها، الشخص الوحيد الذي يحاول ايقاف عجلة الماكنة هو الرئيس جلال طالباني الذي يتصرف كرئيس فعلي لكل العراق وليس لمنطقة أو فئة معينة، ولكن حتى هذا لا يريدونه، فالسنة والشيعة يختلفون في كل شيء، وباتوا الآن يجمعهم شيء واحد من بين كل الأشياء المختلف عليها، وهو ازاحة طالباني،آخر الرجال المحترمين في العراق!

شيرزاد شيخاني

[email protected]