في مقال سابق تحت عنوان علامات إستفهام وعلامات تعجب، تحدثنا عن وجه المقارنة بين اللاجيء العراقي في الأردن ونظيره الفلسطيني وكانت ردود الأفعال على هذا المقال واسعة مما إضطرني أن أكتب وأفسر بعض ماجاء في ذلك المقال، فيبدوا أن الكثير لم يستوعب نوعية المشاكل التي تواجه اللاجيء الفلسطيني في الدول العربية ولم تستوعب الشعوب الدروس من إتفاقيات السلام وكأن سياسة القطيع هي السائدة والمؤثرة، فيكفي أن تقود نفر قليل حتى يتبعهم الرعاع وهذا مؤسف حقاً.

وتحدثنا أيضاً عن إنصهار الشعبين الفلسطيني والأردني ولكن وضحنا بعض الفروقات التي لاتظهر إلا في المعاملات الرسمية عندما يطلب منك إستكمال إجراءات مبنية على صورة هوية أورقمها أو مكان الميلاد وأصبح مكان الميلاد هو مصدر الحكم على توجه هذا الشخص أو ذاك وليس هذا في الدول العربية فقط وإنما في الغربية منها وهنا نطالب بحذف خانة مكان الميلاد من بطاقات الهوية كما تم شطب الديانة من بعض جوازات السفر العالمية خوفاً من الطائفية البغيضة التي أدت الى حروب أهلية في العديد من دول العالم.

وتحدثنا أيضاً عن الأصيل والدخيل والكثير من القراء لم يستوعب معنى ذلك بالتحديد أما ماذا قصدنا بهوية برقم وطني وهوية بدون رقم وطني؟ ولانريد أن نطيل في شرح معنى هذا الكلام وبإختصار شديد إذا كنت تحمل هوية برقم وطني فأنت مواطن أما غير ذلك فإنت غير مواطن، وكثير من الدول تعتبر الإثنين مواطنين ولكن هذا مواطن بالجنسية وهذا مواطن بالتجنس ولانعلم لماذا هذه التفرقة ومافائدتها وكأننا نحذوا حذوا اليهود حين يقال هذا أشكيناز وهذا سفارديم.
وتحدثنا عن القيود المفروضة على الفلسطينيين بإمتلاك منزل والبقاء في المخيمات وحاولت أن أجد تفسيراً منطقيا لمايدور بهذا الشأن فلم أجد غير أن من يحكمنا من بني جلدتنا يصدر تعليمات وسياسات أقل مايقال عنها أنها لا تصب في مصلحة هذه الأمة.

والحمد لله أن حقوق الإنسان تفرض علينا من الغرب لأننا في الواقع شعوب متطرفة تتمتع بجاهلية ونعرات طائفية قضى عليها الإسلام منذ قرون ثم عادت وإنتشرت وكأننا في عصر ماقبل الإسلام.

وقد يقول قائل إن تلك الإجراءات تخدم حق العودة والهوية الفلسطينية وكأن من يقول هذا الكلام لم يسمع كلام الرئيس بوش الإبن عندما أعلن وقال quot; ان حق العودة للاجئين الفلسطينيين لم يعد ممكنا، وان حدود العام 1967 م ليست مقدسة quot; وهذا التصريح كفيل بأن ينسف كل الجهود المبذولة منذ إنشاء الجامعة العربية وينسف جميع قرارات مؤتمرات القمة العربية الى يومنا هذا.

هناك دول عربية يقال عنها إنها أمريكية الهوى إستقبلت هذا التصريح بخيبة أمل كبيرة وكانت ردود فعلها مزيداً من القيود على الفلسطينيين، إذاً رد الفعل كان سلبي ولايخدم مصلحة هذه الأمة وهذا الشعب الذي شرد من أرضه الى دول الجوار ومنها دولة شقيقة تستضيف أكبرعدد لاجئيين في العالم قياسا بعدد السكان ويمثلون حوالي 50% من تعداد سكان هذه الدولة.

ان عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين في تلك الدولة الى ديارهم التي هجروا منها منذ الاعوام 1948 الى العام 2004 وهي هجرة مستمرة لم تتوقف على مدار أكثر من نصف قرن، منها ما هو اجباري، ومنها ما هو اختياري، مما إضطر هذه الدولة الى منح بعض الفلسطينيين جوازات سفر مؤقته ودائمة والبعض لم يمنح أي وثيقة أو جواز سفر، وكان لكل نوعية من هذه الجوازات يخدم توجه معين لدى تلك الدولة ولم يكن الهدف للتخفيف من معاناتهم ولتسهيل أمور حياتهم وتنقلهم الى دول العالم فقط دون مقابل ولكن المقابل يخدم سياسات أخرى منها السيطرة على الضفة الغربية وتوسعة رقعة هذه الدولة جغرافياً ولايعني عدم تحقق هذه الأهداف انها لم تكن سياسة مرسومة ولكن كان مصيرها الفشل، وهناك أسباب تخدم أهداف آخرى مثل المعونات التي كانت تطلبها تلك الدولة من الدول المانحة.

ومن الأسباب أيضاً أن بعض دول الخليج العربي، كانت تشترط عليهم عند إستقدامهم للعمل أن تكون جوازات سفرهم متماثلة لضمان عودتهم الى ديارهم وعدم بقائهم هناك، وعلية فان هذا الجواز قد منح لأبناء الضفة الغربية وبعض اهالي قطاع غزة، وهذا الاجراء سهل عليهم البقاء في أغلب الاحيان وعدم العودة فأين حق العودة التي تطالب بها بعض الدول وتدعي أنها تسعى جاهدة لتحقيق ذلك الهدف.

والغريب في الأمر أن كل الدول تدعي أنها تسعى للتقليل من معاناة الفلسطينيين ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً فكل الاجراءات المتخذة هي في الواقع لزيادة معاناة هذه الأمة وهذا الشعب وخصوصا موضوع جوازات السفر التي تتخذه هذه الدول ممثلة في جامعته العربية ذريعة للحفاظ على الهوية الفلسطينية ولترسيخ مبدأ أن العرب ليست أمة واحدة وإنما شعوب وقبائل مختلفة وقد يعود بنا الحال الى النظام القبلي المبني على الغزو والتعدي على الحقوق والسلب والنهب أو الحروب الأهلية وإن كانت بطريقة عصرية كغزو الكويت والحرب الإيرانية العراقية وحرب اليمن وحرب المخيمات سواء في الأردن أو لبنان أو مايحصل الآن في العراق بين مختلف الطوائف.
وهناك أكاذيب كانت تمرر على الشعوب غير الواعية في زمن الإعلام العربي غير الصادق بعيد الهزيمة النكراء لعام 1967 م، ومن هذه الأكاذيب عندما كانت اسرائيل تفرج عن معتقل فلسطيني يحمل جواز أردني وتقوم بترحيله الى الاردن بصفته مواطن أردني، كان الاعلام العربي الرسمي يدعي بأنه قد حرر أسيرا أردنيا، مما خلط اوراق اللعبة وزور الحقيقة.

وهناك حقائق كثيرة مزورة لايتسع المجال في مقال لتوضيحها وهي إن الحديث عن عودة اللاجئين الى أراضيهم ماهي إلا لذر الرماد في العيون ومليء البطون وشغل الذهون، والحقيقة المرة التي يعترف بها أعداء الأمة وينظرون إليها بإعتبارها أمة واحدة ولكن ولايريد أن يعترف بها أحد منا وهي إن هذه الأمة واحدة بمنطق التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والمصير المشترك، ومرجعيتها واحدة هي الشريعة، ووطنها واحد هو دار الإسلام، ونختم بقوله سبحانه وتعالى quot; إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون quot; الآية الأنبياء 92.

مصطفى الغريب

شيكاغو