يستولي على القنوات الفضائية الخاصة في العالم العربي نوعان من الإعلام مختلفان في التوجه ويمكن وصفهما بأنهما وجهان لعملة واحدة، فالأولى تبث صور الدماء والأشلاء والثانية تبث صور النساء الكاسيات العاريات والحقيقة ان إعلام الرأي والرأي الآخر هو الذي يسوّق الوهم، أما الإعلام الآخر فإنه يسوق الفجور والمجون.

ومابين صور الدماء والأشلاء والجثث وبين صور النساء الكاسيات العاريات تقف خلفها مؤسسات تجارية تحقق ملايين الدولارات مع إختلاف شكل الصورة إما فرح وترف وإما حزن وألم.

فالكاسيات العاريات العربيات وما يعرضنه في الفضائيات من مفاتن لايمكن أن يكون تعبيراً عن التحرر، انما هو تقليد للشكل دون المضمون، وبالرغم أن جسد المرأة لا يزال يستخدم في الغرب أيضاً لأغراض دعائية تجارية رخيصة، إلا أن المرأة هناك حققت إنجازات هامة في سبيل تحررها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهو أمر لا تزال المرأة العربية بعيدة عن تحقيقه، الامر الذي يجعل تعرّيها هو الوجه الثاني لنفس العملة من التقاليد والتخلف والإنكسار.

ولكن هل كوننا نعيش في عالم تغيرت أفكاره ومبادئه وأنعكست القيم لديه أن نسير على نفس خطاه رغم أن القيم والفكر والمباديء لم تسقط بعد عند كثير من المحافظين ولكنها رخصت في عيون البعض الآخر، كل هذا بدأ يتسارع بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وإحتلال أفغانستان والعراق التي لايزال صدى صور التعذيب التي تعرض لها السجناء العرب من الجنسين ماثلة ولازال الجرح ينزف ألما وحرقة على شرف العراق المستباح.
والسؤال الآن هو : لماذا الغرب يتذكرون موتاهم ويحيون الذكرى بعدم النسيان والوفاء والإنتقام لأرواحهم ومحاربة الإرهاب في كل مكان ؟ ولماذا نحن نتجاهل قضايانا وموتانا وماحل بنا ؟.

إذا أجرينا دراسة مقارنة نجد أن ماحل بنا كعرب، لايقل عما حدث للغرب بل يزيد فمتى قمنا دقيقة صمت حداداً على الأرواح البريئة التي وقعت في حوادث عنف كثيرة لدينا ونخلد ذكراهم حتى يعطينا الحافز على عدم نسيان الشهداء من جنود أو مواطنين الذين راحوا ضحايا العمليات الإرهابية في العالمين العربي والإسلامي حتى يبقى هناك إستعداداً وطنياً وشعبياً لمواجهة العدوان والإرهاب.

والنتيجة أننا نتناسى ونستمر في دعم قنوات العهر العربي التي تطالعنا بصور لا تقل فظاعة و فحشاً قاسمها المشترك اللحم العربي المستباح والشرف العربي المهدور وهناك من يستغل أوضاع العراق المأساوية لجذب المحتاجين إلى مستنقع الرذيلة والمجون مستغلين تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في أرض الرافدين أو أرض وادي النيل أو أرض القسام بالشام.. هذه البرتقالة التي روّجوا لها فعصروها حتى آخر قطرة ومصوا كل ماء الحياة منها حتى أصبحت بلا حياة وبلا حياء.. !!

تماما كما تفعل قوات الإحتلال حيث الموت والجفاف ورائحة البارود وقصف بالطائرات حتى طال التدمير كل شيء الشجر والحجر أو مايسمى بسياسة الأرض المحروقة وليس غريباً أن يتشابه بين مايحصل في فلسطين ومايحصل في العراق وأفغانستان والتهديد لازال قائم وكأني أشم رائحة البارود ودخانه يزكم أنوف جيران العراق إنها والله ذات الجريمة ما تفعله قوات الإحتلال بالعراقيات في سجون العراق
أو الفلسطينيات في سجون الإحتلال هو ما يفعله اليوم رجال الفضائيات بالعربيات على الشاشات الفضية.

ومن يتابع القنوات الفضائية يدرك أننا في زمن الإنحدار أو الإنكسار التي عانت منه الشعوب العربية طويلا ولازالت تعاني وستظل تعاني إذا لم يحدث نوع من التغيير في العادات والتقاليد والأنظمة وكل ماله صلة بأسباب العجز العربي ليتغير معه الواقع الأليم.

والواقع ان إعلام الرأي والرأي الآخر الذي يبيع الوهم يتحمل مسؤولية كبرى عن تنمية الرغبة على الهذيان والإدمان والهروب من الواقع لدى المشاهد العربي، وذلك عندما بدأت تبيعه quot;الدمquot; بوجبات معلبة جاهزة أخذت تتضاعف نسبتها ولكن بشكل مدروس ليل نهار دون توقف أو خجل من تكرار بل إعتاد المشاهد على إستقبال الأخبار بالبث الحي والمباشر أما البرامج التي تبيع الوهم بأن العرب أقوياء هي التي تريد تحطيم مابقي للعرب من قوة وهو خطاب متطرف يدعوا الناس للخروج والتظاهر لدعم هذا التوجه أوذاك أو الإنتفاضة أو دعم القتال في العراق ولمصلحة من تقوم هذه القنوات ببث أخبارها.

وهنا نوجه دعوة صادقة الى دعاة حقوق الإنسان والمثقفين والقادة ورجال الإعلام ورجال الدين للتخلص من الجهل الذي نعاني منه في هذا الزمان حيث أضحت المرأة مبتذلة الى هذا الحد، وكفى شعارات لاتورث إلا الفشل فكم تغنينا بالشعارات طويلا ولم نجني منها إلا الفشل كما كنا نسمع قديما لاصوت يعلوا فوق صوت المعركة ولم نكن نفهم حينها أي معركة كان يقصد قائلها فالمعنى كان في بطن القائد فكنا أقرب الى الغوغائية منها الى العقلانية وجنينا على أنفسنا وعلى شعوبنا ومنينا بالهزيمة تلو الهزيمة.

وتفككت الأمة الواحدة وبدأت كل دولة تبحث عن خصوصيات تميزها عن غيرها لتدعم إستقلالها وتبتعد شيئاً فشيئاً لتنسلخ عن عالمها العربي والاسلامي حتى أصبحت الفرقة صفة ملازمة للعرب والمسلمين وهو هدف إستراتيجي لمن يضمر شراً لهذه الأمة وأود أن أحيط المنسلخين علماً أن أعداء هذه الأمة تنظر إليها بوجه واحد ونحن لانريد أن نكون أمة واحدة.

مصطفى الغريب

شيكاغو