تتوالى أعمال التطرف والإرهاب والطائفية على أرض مصر، جميع الدول والرؤساء أدانوا تلك الأعمال الإرهابية التى وقعت فى دهب بشرم الشيخ، الجميع يستنكر ويتضامن مع مصر فى مواجهة تلك الأعمال الإجرامية، الجميع أتفق أن لا القيم ولا الأديان تقران مثل تلك الأعمال الإجرامية.
عندما يحذر الرئيس مبارك من أن الإرهاب يخلط بين الدين والسياسة لزعزعة أستقرار الوطن وأنه أرهاب أعمى، وعندما يقول رئيس الوزراء المصرى أن تلك التفجيرات لضرب الأقتصاد والسياحة فى مصر، وأن مصر عازمة على مواجهة الإرهاب بقوة، معنى ذلك أن هناك إصرار وإرادة سياسية على الأستمرار فى عدم الأعتراف بالمشاكل ويحبذون الدوران حولها لأن المسئول الأول عن هذا الخلط هو الرئاسة المصرية السابقة والحالية.

ذلك الكلام وغيره من التصريحات والبيانات التى قيلت وتقال فى تلك المناسبات مثلها مثل الأحاديث والبرامج التى تملأ وسائل الإعلام المصرى وأصابت العقل الجمعى المصرى بالهزال لا يدرى من واقعه ومصائبه إلا ما يرتبه له بدقة أولياء أمره من وراء الكواليس وتشده إلى عالم الأخرويات والغيبيات الدينية وتعزله فى سلوكيات يومية لا علاقة لها بإنسان العصر الحاضر.

مازالت السلطات المصرية تصدر التصاريح والتهديد والوعيد لمن نفذ تلك العمليات الإرهابية وتتجاهل المشكلة الجوهرية التى يعيشها الإنسان المصرى وهى التدمير المتعمد للهوية المصرية الذى تتجلى مظاهره فى الحياة اليومية وفى وسائل الإعلام التى تسيطر عليها الحكومة وأعوان التخلف الدينى، وهذه هى حقائق يعلمها ومسئول عنها كل المسئولين فى الحكومات المصرية المتعاقبة، بل نجد الصمت التام تجاه عزل الهوية المصرية وأعتبار المواطنة الدينية هى المواطنة الحقيقية.

ليس صحيحاً أن مصر تعانى من نقص الديموقراطية فالموضوع أساساً لا علاقة له بالديموقراطية، فالحقيقة أن مصر يحكمها الحزب الواحد الذى يتعامل بديمقراطية خاصة مع أعضائه أما ما يسمى بالأحزاب الأخرى فهى مجرد صورة كاريكاتورية للشخصيات النفعية التى تقودها وأفكارها الرجعية التى لا تفرق بين معنى التخلف أو التقدم، أفكار يستوى لديها النور والظلام الخير والشر الحق والباطل الظلم والعدل، لأنها إنعكاس واقعى لصورة الشخصية السلبية التى أغرقت المجتمع المصرى فى طوفان من الهذيان الدينى الذى لا معنى له إلا فقدان الوعى الإجتماعى بحقائق الأمور.

من المؤكد أن تلك الأعمال التخريبية هى عمليات إنتقامية ضد النظام المصرى لكن تأثيرها الحقيقى هو ضد الشعب المصرى أكثر من النظام الذى يتفاعل مع سياساته المتضاربة التى تخدم أهدافه الخاصة، تلك الأعمال هى أستمرار لمسلسل الأختلالات العقلية ولا فرق لديها بين أماكن للعبادة أو أماكن سياحية أو بشر.
لقد أنتشر إدمان الشعارات والمصطلحات السياسية التى تم إلحالتها إلى المعاش فى ثقافات كثيرة، لكننا فى مصر مازال الفكر الغريب عن حضارة مصر يسعى بجهد كبير إلى تدمير الإنتماء الوطنى بالعنف والتطرف الإعلامى الذى يدعم ثقافة العنصرية والطائفية ضد الآخر فى المجتمع المصرى.

التطرف الإعلامى الرسمى الذى أوصل الدجالين إلى وسائل الإعلام ليدغدغوا مشاعر البائسين من الناس، الدجالين الذين أخضعوا عقول الناس إلى لغة الدين ليفسروا لهم العالم من حولهم فى ضوء ما يقوله لهم الدين وعليه فإن سلوكياتهم أصبحت إنعكاسات للفهم الدينى، لقد قتلنا ثقافتنا عندما صادرناها بأسم الدين ووضعنا هبة الحياة فى قفص النرجسية الدينية، تلك النرجسية التى أغرقت مجتمعاتنا بسيل من الجرائم والأعمال الإرهابية التى يطير لها فرحاً كل الناس بلا أستثناء لأنهم عشقوا الدين ونرجسيته التى روجها ببراعة إناس وهبوا أنفسهم لتلك الثقافة المدمرة للآخر.

قال الرئيس مبارك فى كلمته بمناسبة عيد العمال لرجال الدين quot; أنشروا قيم التسامح وحاصروا التطرف وعلموا الناس أن الدين لله والوطن للجميع quot;، رغم المشاكل الواضحة الأسباب والمتسببين فيها فجميع مواطنى مصر ينتظرون تفعيل هذا الكلام، وأن يتم تفعيله أولاً من السلطة الحكومية تجاه مؤسساتها المختلفة التى أفسدها وباء العنصرية بدءاً من البطاقة الشخصية التى يجب حذف خانة الديانة منها حتى تكون حقاً مصر وطناً للجميع.


ميشيل نجيب