ما نشاهده اليوم حول العالم من فوضى تؤكد بأننا ندخل فى مرحلة إنتقالية هامة فى التاريخ الإنسانى، وأحد أسباب مانشاهده اليوم هو البون الشاسع بين التقدم التكنولوجى العالمى وبين التقدم الإنسانى الفكرى، الإنسان بصفة عامة لا يستطيع أن يغير من أفكاره بنفس سرعة التغيير التكنولوجى الهائل أما الإنسان المتوسط ودون المتوسط بفكره المحدود لا يستطيع مجاراة وإستيعاب هذا التقدم التكنولجى الهائل، وهناك فرق هائل بين إستيعاب التكنولوجيا وإستخدامها وخاصة بالنسبة للشعوب التى ما زالت فى دور التنمية والتى لا يوجد لديها سوى تاريخها وتقاليدها ودينها لكى تساهم به فى النظام العالمى الجديد، ولذا تخشى تلك الشعوب من ذوبان وتلاشى (رأسمالها الوحيد) ألا وهو تاريخها وتقاليدها وفى نفس الوقت ترفض أن تكون جزأ من هذا نظام العولمةالجديد القاسى الذى لا يحترم سوى الأقوياء والمنتجين بكفاءة، وعندما تفشل بعض المجتمعات والدول فى إدارة مواردها البشرية والطبيعية، وحين ينتشر الفساد حتى النخاع من الممكن أن تكون الفوضى هى البديل الإنتقالى قبل التطلع للتقدم الحقيقى. وأمثلة الفوضى المنتشرة فى العالم كثيرة حولنا:

عندما يخطف إرهابيون طائرات مدنية تحمل أبرياء(قد تكون إسرتك أو إسرتى أوأى إنسان) ويستخدمون تلك التكنولوجيا الرائعة والتى قصرت المسافات بين الشعوب كسلاح مدمر لقتل آلاف الأبرياء من المدنيين على إعتبار أن هذا أقصر طريق سيوصلهم إلى الجنة فتلك فوضى.

وعندما تقبض أمريكا أقوى دولة فى العالم على مئات الأشخاص يتنمون إلى عدة دول وكلهم من المسلمين وتضعهم فى سجون بعيدة عن المراقبة فى جزء محتل من جزيرة شيوعية ويستمر هذا لعدة سنوات بدون أن توجه إليهم أى تهم أو تسمح لهم بالإتصال بذويهم أو بمحاميهم وتعتبر نفسها حامية الحرية والديموقراطية فى العالم، فهذه فوضى.

وعندما يتم إختطاف الأجانب من صحفيين ومهندسين وعمال إغاثة دوليين وإستخدام تكنولوجيا الإنترنت لذبحهم على الهواء بدون أى ذنب إقترفوه ليس هذا فحسب بل يجدون من يهلل لهذا فتلك فوضى.

وعندما يتم الإساءة لمعتقدات الناس الدينية ورموزهم المقدسة بدعوى حرية التعبير، وفى نفس الوقت يتم حبس مؤرخ بريطانى فى النمسا بسبب آراؤه فى الهولوكوست فتلك إزدواجية معايير وفوضى.

وعندما يتم حرق السفارات والكنائس ردا على رسوم كارتيرية رخيصة من رسام مغمور فى جريدة مجهولة فى دولة صغيرة فتلك فوضى.

وعندما يتم تفجير المساجد ودور العبادة المفروض فيها أن تكون الملاذ الآمن للإنسان فتلك فوضى.

وعندما يفتى بعض رجال الدين بأن التسونامى الذى قضى على عشرات الآلاف بأنه مجرد غضب من الله، وأن الإعصارات التى ضربت أمريكا هى غضب من الله على بوش!! (وكان من السهل على الله سبحانه وتعالى أن يصيب بوش مباشرة بسكتة قلبية)، وعندما يفتى رجل دين مشهور فى أمريكا بأن الله قد عاقب شارون وأصابه بالسكتة الدماغية لأنه إنسحب من غزة !! وكل هذا الهراء من التخاريف والتى تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس، تلك أكبر فوضى.

وعندما يفتى بعض رجال الدين ويتدخلون فى كل شئ lsquo; إبتداء من علاقة الرجل بزوجته فى فراش الزوجية وهل حلال أم حرام خلع ملابسهما، وعندما يفتى البعض الآخر بجواز إرضاع المرأة سائقها أو طباخها حتى يصبح إبنها بالرضاعة، وعندما تشغل تلك الفتاوى التافهة المجتمع بأسره يدل هذا على أننا فى مرحلة كبرى من الفوضى.

وعندما يتم ضبط بعض مسئولى السلطة الفلسطينية بسرقة الملايين من الدولارات من أفقر خزانة فى العالم لسلطة لم تصبح دولة بعد فتلك فوضى.

وعندما يتم إغتيال المسئولين والصحفيين فى بلد مثل لبنان بصفة مستمرة وبدون القبض على الفاعل أبدا، وكأن الفاعل يرتدى طاقية الأخفاء، فتلك فوضى.

وعندما تقتل دولة مثل إسرائيل خصومها وتقتل معهم العشرات من الأبرياء بدون حساب أو عقاب وعندما تدمرالمنازل كنوع من ممارسة العقاب الجماعى فتلك فوضى.

وعندما تقف الطوابير فى معرض الكتاب بالقاهرة فى عام 2006 (بعد الميلاد وليس قبل الميلاد) أمام مشعوذ يبيع لهم بول الأبل فى زجاجات بدعوة أنها تشفى من كل الأمراض فتلك فوضى.

وعندما يدعى جورج بوش ومؤخرا تونى بلير (رئيسا أهم دول علمانية فى العالم) بأنهما قد إستخارا الله قبل غزو العراق، فهذا تدليس وإقحام للخالق العظيم فى غير محله وأعتبرها فوضى كبرى.

وعندما تخصص أهم جريدة عربية (أو كانت أهم جريدة) نصف صفحة أسبوعية لوصف معجزات وهمية تدغدغ مشاعر البسطاء، وتمنعهم من إستخدام أكبر معجزة إلهية إنسانية وهى (العقل) فتلك فوضى.

وعندما يظهر على التليفزيون الأمريكى الدينى قس مشعوذ يرتدى أفخم الملابس وخواتم الألماس ويدعى أنه يشفى المرضى المساكين، ويجعل مرضى الشلل المزمن لسنوات يقومون من الكراسى المتحركة ويجرون حول المسرح برشاقة الغزلان، فتلك فوضى.

وعندما يتم قتل الحلاقين وتغلق محلات الحلاقة الواحد تلو الآخر فى بغداد والبصرة فإن هذا يعبر عن حالة من الهوس الدينى والفوضى.
......

وعبر التاريخ القديم والحديث، دائما تحدث الفوضى قبل التحولات الكبرى، وفى ظل الفوضى ينتصر التطرف، فى الثورة الفرنسية بدأت بثورة شعبية ثم أصبحت فوضوية وإنتهت بسيطرة الغوغاء والمتطرفين والذين أعدموا فى النهاية كل من طالتهم أيديهم بما فيهم من قاموا بالثورة، فى الثورة البلشفية فى روسيا بدأت ثورة ضد القيصر ثم تحولت إلى فوضوية وإنتهت بسيطرة المتطرفين وقتل العديد من الذين أخلصوا للثورة، فى الثورة الإيرانية بدأت بثورة ضد ظلم الشاه ثم تحولت إلى ثورة فوضوية وإنتهت بسيطرة المتطرفين على الحكم وهروب من ساعدوا على قيام الثورة مثل الحسن بنى صدر وإبراهيم يازدى وباختيار، وتمرالعراق الآن بحالة من الفوضى وسوف ينتهى الحال بسيطرة المتطرفين على الحكم، وفى فلسطين فإن ما نجم عن حالة الفساد والفوضى الأمنية هو سيطرة المتطرفون على الحكم، وأتوقع أن يحدث هذا فى مصر والأردن وسوريا ولبنان وغيرها من البلاد العربية ما لم يستيقظ الغافلون، ويبدو أنه لا بد من المرور بحالة الفوضى ثم سيطرة المتطرفين ثم سيطرة العقلاء بعد أن يخرجوا من مستشفى المجانين.

[email protected]