أخيرا وبعد خمسة شهور على الانتخابات ولدت حكومة غير متكاملة بانتظار تكاملها خلال أيام. بالطبع لا يمكن الحكم مسبقا على ما ستحققه هذه الحكومة التي سميت بحكومة الوحدة الوطنية. غير أنه لا يمكن ملاحظة التالي:
1 ـ لا تزال هناك تناقضات عميقة جدة بين الكتل وداخلها باستثناء الجبهة الكردستانية. هذه التناقضات لا يمكن أن تساعد على أداء حكومي ناجع.
2 ـ إن الصراع الحاد على وزارتي الداخلية أ بوجه خاص] وزارة الدفاع، ومعهما وزارة الأمن القومي قد كشف عن الهوة التي لا تزال واسعة بين البرامج والنوايا، وخصوصا في حالة إصرار الائتلاف على احتكار وزارة الداخلية التي هي حاليا أهم الوزارات. ولربما سينتقى وزير قريب من الائتلاف باسم كونه مستقلا كشأن الدكتور الشهرستاني، الذي له قائمة مستقلة اسميا ولكنها في جبهة فعلية وموضوعية مع الائتلاف لكونها كانت ولا تزال جزءا من quot;البيت السياسي الشيعيquot; كما يوصف. والشهرستاني مقرب جدا من المرجع الشيعي الأعلى الذي وضع في الانتخابات الأولى كل ثقله مع الائتلافيين.
لو أردنا تعداد أهم مشاكل العراق فإنها كثيرة. والسؤال ما هي المشاكل الأكثر خطورة اليوم والتي على حلها يعتمد حل المشاكل الأخرى تدريجيا؟
لا شك أبدا أن المشكلة الرئيسية هي المشكلة الأمنية بسبب تفاقم الإرهاب الزرقاوي ـ الصدامي وتفاقم خطورة شبكات الجريمة. والمسألة الأمنية مرتبطة أيضا بانفلات المليشيات السياسية الدينية ودورها في تشديد الصراع الطائفي الذي أشعله الإرهاب.
على هذا فإن أهم ما يحتاجه العراقيون اليوم وأكثره إلحاحا هو مكافحة الإرهاب مكافحة جادة وحل المليشيات حلا حقيقيا وليس مجرد ربطها بالقوات الرسمية ربطا اسميا مع احتفاظها بتكتلاتها الحزبية والخضوع لأوامر الأحزاب المعنية.
إن المسألة الأمنية مرتبطة أيضا بالتدخل الإقليمي، وعلى الأخص التدخل الإيراني، وإذ تصرف إيران وحدها في العراق ما لا يقل عم مائة وعشرين مليون دولار شهريا أو أكثر بكثير على أنصارها وشبكات مخابراتها وعملائها [كجيش المهدي].
إن المواطن لا يمكنه فهم قيمة وجود الانتخابات ولو جرت عشرات المرات، والمجالس النيابية والحريات الحزبية إذا كانت حياته وأطفاله وعائلته كلها مهددة يوميا ومن أطراف مسلحة عدية.
أما المشكلة العاجلة الثانية الخدمات وتوفيرها ولا سيما الكهرباء. وهذه المشكلة مرتبطة بالفساد واسع النطاق وتهريب النفط بما قيمته مليار دولار شهريا،، وحيث تتهم تقارير رسمية عراقية نفسها، ناهيكم عن مصادر أخرى، أحزابا ومليشيات وموظفين كبارا في الجنوب بمسؤولية التهريب لإيران ودولة الإمارات.
هاتان في نظرنا القضيتان الأكثر أهمية في اللحظة الراهنة، وهذا دون تجاهل وجود قضايا هامة أخرى.
إن الحكومة الجديدة ستكون أمام امتحان عسير من المواطنين خلال الشهور القادمة، وأول
محك هو من سيكون وزيرا للداخلية، وثم وزيرا الأمن القومي والدفاع.
كما قلنا لا نريد إصدار حكم مسبق ظالم متعسف، ولكن هل إن حكومة بمثل تناقضاتها الشديدة، وفي حالة وقوع الداخلية بشكل أو آخر تحت قبضة الائتلاف مجددا، أن تكافح الإرهاب والنزاع الطائفي المحتدم مكافحة ناجعة، وان تقدم الفاسدين للقضاء، وأن تحرر عقود تصدير النفط من أيدي وهيمنة شخصيات حزبية معروفة، وأن توقف التدخل الخارجي المتسع؟
من جانبي لست متفائلا، غير أن المستقبل القريب على أية حال هو الأعلم!