تلقيت رسالة ألكترونية من أحد القراء العراقيين قبل فترة عنونها بـ(سؤال الله يخليك) وتشي الرسالة من عنوانها تبرم هذا القاريء بكتاباتي التي أنتقد في بعض المرات الأخوة الشيعة والسنة معا الذين خربوا بلدي بصراعاتهم الطائفية البغيضة في الوقت الذي يفترض بهما وقد عاشا لأربعة عقود من الزمن تحت وطأة حكومات دكتاتورية أذاقت العراقيين بطائفتيه الويل والعذاب، أن يضعا يدا بيد ليبنيا بلدا متحررا من الدكتاتوريات الغاشمة.
أما فحوى سؤال القاريء فقد كانت ( هل أنت سني أو شيعي)؟؟!! هذا هو السؤال الذي يجب على كل عراقي حتى لو ولد جده على أرض الولايات المتحدة الأمريكية أن يجيب عليها بدقة..فالإنتماء الطائفي يأتي قبل الإنتماء الوطني في حال العراق وذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت من التاريخ الإسلامي، حتى تحولت أرض العراق وحدها ومن دون سائر الأمصار والولايات وممالك وبلدان العالم الى أرض لإحتراب طائفي حتى قبل إستشهاد الإمام الحسين (ع).
والإجابة عن هذا السؤال قد ينقذ رقبتك اليوم في العراق إذا ما عرفت الإنتماء الطائفي لمن يوجهه اليك، ففي البطاقات الشخصية التي تسمى في العراق بهوية الأحوال المدنية ليس هناك حقل خاص لتعريف المذهب أو الطائفة التي تنتمي اليها،فمجرد إقتناع السائل بتعريف هويتك الطائفية يكفي لتنقذ رقبتك من يد الكلاب المسعورة التي تثير الفزع في شوارع المدن العراقية وخاصة في بغداد.
يسألني السائل عن إنتمائي الطائفي، قبل أن يسألني عن إنتمائي الوطني وما إذا كنت مخلصا لوطني أو جاسوسا مزدوجا لروسيا وأمريكا في آن واحد، فحتى الجاسوسية في عراق اليوم لم تعد بإعتقادي تهمة تستحق العقاب لأن البلد يعج بجواسيس دول الجوار العراقي حتى داخل المنطقة الخضراء!!.
وأقول للسائل أنا رجل مسلم قرأت مئات الكتب التاريخية والدينية وختمت القرآن الكريم لعشرات المرات عن فهم واستيعاب، ولي إلمام كاف بجذور الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، ولكني لا أستطيع التعصب لصالح مذهبي على الآخر. فأنا رجل أذوب حبا في الإمام علي (ع) الذي كرم الله وجهه الكريم، ومصدر حبي لعلي أنه كان من أبدع العقول في صدر الإسلام، وكان فيلسوف زمانه متبحرا في جميع أنواع العلوم الى جانب كونه الفارس المغوار في سوح القتال ضد الكفار لا يداني سيفه البتار، سيف من سيوف الأشرار.. ويكفيه فخرا أنه ينتسب الى بيت آل النبي الطاهرين، وأنه زوج فاطمة الزهراء وما أدراك ما فاطمة الزهراء حبيبة قلب النبي الكريم.
وبالقدر ذاته أهيم حبا في عمر، وأعجب بشجاعته وهو يشهر سيفه يرتقي تلة ويصيح بأعلى صوته( من أراد أن تثكل به أمه فليلحقني الى وراء هذه التلة) جاهرا بإسلامه بشجاعة قل نظيرها في ذلك الزمن الحرج من عمر الإسلام.. كما أذابني حبا به وأنا أقرأ ذلك العهد الذي كان الإمام العادل عمر بن الخطاب خليفة للمسلمين يحمل درته يخيف بها أشجع شجعان الإسلام.
وروي عن الإمام عمر قوله ( لولا علي لهلك عمر). وأصل الصراع الطائفي القائم بين المسلمين منذ القرن الأول للهجرة إنما يعود لتعصب شيعة هذين الرمزين الكبيرين في الإسلام..فأخذت مطحنة الحرب الطائفية تحصد منذ رحيل هذين القائدين رؤوس الملايين من المسلمين المتطرفين والمتعصبين بحبهما!!!.
وأنا في الحقيقة أستغرب كثيرا من بعض السياسيين والكتاب الذين يحذرون من وقوع الصراع الطائفي، فهذا الصراع لم يتوقف للحظة في العراق منذ أن أريق على أرض كربلائه دم الإمام الشهيد. وما نراه اليوم لا يعدو كونه صراعا مسلحا بين الشيعتين وليس بين إمبراطوريتين قديمتين كما كان الحال في القرون السالفة عندما كانت الإمبراطوريات الفارسية أو العثمانية تستغل إسم الطائفة لبسط سيطرتها الإستعمارية على العراق، لأن الإمبراطوريتان كانتا مسلمتين فلو لم يكونا كذلك، لأستغلا إسم الدين في محاربة بعضهما البعض كما رأينا ذلك الإستغلال أثناء الحملة الصليبية على الشرق.
بعد إنتهاء مذابح الإمبراطوريات الطائفية في العراق( الصفوية والعثمانية) التي حصدت رؤوس مئات الآلاف من العراقيين، برزت أوائل القرن الماضي مذابح جديدة تحت عنوان الإحتلال الأجنبي للعراق، وإنتهت تلك المرحلة أيضا لتمارس السلطة الملكية مذبحة بغطاء ديني ضد الآشوريين في الثلاثينات.
وفي العهد الجمهوري الأول بدأت الصراعات تأخذ طابعا حزبيا، حيث نفذ الشيوعيون عدة مذابح ضد البعثيين، وعندما سيطر هؤلاء على الحكم بدؤا بدورهم بذبح الشيوعيين!. وفي السبعينات والثمانيات بدأت المذابح العنصرية تركتب على نطاق واسع ضد الأكراد في كردستان( الأنفال والضربات الكيمياوية).
وفي العهد الصدامي لم تسلم طائفة أو قومية أو دين أو مذهب أو حزب أو حتى عائلة من مذابح جماعية بدلالة القبور الجماعية التي إكتشفت المئات منها في العديد من مناطق العراق.والآن جاء الدور ثانية على مذابح الطائفتين الشيعية والسنية.، وبذا لم تبق طريقة لم يجربها العراقيين لتنفيذ مذابحهم الواحد ضد الآخر تخت غطاءات طائفية وحزبية وقومية، فالموت الجماعي أصبح عنوانا لتعريف قسوة المجتمع العراقي وتشربها بالدم والدمار!!.
ومن خلال استعراض سلسلة المذابح التي أشرت اليها بإيجاز، على القاريء التمعن قليلا ليستنتج معي أن الصراع الطائفي الحالي يعود الى زمن بعيد جدا، الى القرون السالفة أثناء إحتراب الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية، أي أن العراق بدأ يعود الى قرون طويلة مضت، بدل أن يتقدم الى الأمام في عصر ما بعد الدكتاتوريات المتعاقبة على الحكم !!.فلماذا هذه العودة الى قرون خلت؟؟!!.
لأنه ببساطة كلا الطائفتين في العراق تسعيان حسب ظني الى فرض إستعمار طائفي من خلال بسط هيمنة طائفة معينة على مقدرات هذا البلد النازف منذ قرون طويلة،وكأن البلد هو ملك لطائفة دون أخرى مع أن مرقد الإمام أبو حنيفة لا يبعد كثرا عن مرقد الإمامين الكاظمين وكذا منذ قرون طويلة.فقدر هذا البلد أن لا يكفيه أنهار الدماء التي سالت على أرضه بين الطائفتين من دون أن تتمكن طائفة التغلب على الأخرى.
ولا أدري كيف يمكن إنهاء وجود الشيعة على أرض العراق وهم على ما يروجون بأنفسهم يشكلون 14 مليون مواطن،وكذا الحال بالنسبة لإنهاء السنة الذين يقولون أنهم يشكلون الباقي أي 10 ملايين من سكان العراق،فأنا أعتقد أنه حتى خمسمائة قنبلة نووية لا تكفي لإبادة هؤلاء حتى لو كانت إيرانية الصنع.
فالى متى هذا الصراع الأزلي غير المجدي ؟؟!!.
فما يهمني أو يهم الأخ السائل عبر رسالته البريدية أن كان ما جرى تحت سقيفة بني ساعدة هو بتدبير من زيد أو عمرو وقد فات على ذلك أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
أعتقد أن الصراع الحالي في العراق يصور الحرب الطائفية القائمة فعلا وكأنها إمتداد لحرب معاوية وعلي وصراعهما على الخلافة، لأنها الحرب الطائفية الدائرة اليوم بكل أبعاده وتداعياته تجري خارج الإنتماءات الوطنية، وهذا يعني أننا سنعيش في ظل هذا الصراع الأزلي الى يوم القيامة؟؟!1..
ومن يدري لعل هذا الصراع هو إمتداد للحرب الصفوية في العراق ما دام هناك من يفجر نفسه داخل حسينية أو هناك من يغتال إماما لجامع سني متوجه لأداء صلاة الجمعة في جامع بالبصرة ؟

شيرزاد شيخاني

[email protected]