لقد كتب عدد من الكتاب العراقيين مقالات موضوعية عن الأزمة التي يخلقها حزب العمال الكردستاني بين العراق وتركيا، مما أدى لشحن الأجواء في قضية لا علاقة لها بالعراق ولا بأكراد العراق. كتب هؤلاء متضامنين مع مطامح أكراد تركيا في التمتع بحقوقهم الإدارية، واللغوية، والثقافية، وإن خير صيغة لهذا هو منح المناطق الكردية التركية حكما ذاتيا حقيقيا. لقد ثبت أن الحكم الذاتي في إطار دولة ديمقراطية لا تؤذي الوحدة الوطنية ولا وحدة أراضي البلاد، بل وإن فيدرالية إقليم كردستان العراق تعطي مثالا بارزا على أنه حتى ما هو أكثر من حكم ذاتي لأكراد تركيا سيكون لصالح الشعبين التركي والكردي.


إن تركيا لم تكن حملا وديعا في التعامل مع القومية الكردية، التي يبلغ تعدادهم أضعاف عدد أكراد العراق، وضعف أكراد إيران، أي 15 مليون نسمة، وقد تعرض أكراد تركيا لحملات قمعية منذ العشرينات، ولم يتمتعوا لسنوات طويلة بأي حق من حقوقهم المشروعة. من الجهة الأخرى، فإن اللوحة القاتمة راحت تتبدل جزئيا في السنوات الأخيرة بحيث توجد اليوم صحف وإذاعات كردية، و80 نائبا كرديا، وإن واجب القوى القومية الكردية الحصيفة في تركيا العمل على توسيع هذه الحقوق بأساليب العمل السياسي، والدبلوماسي، والفكري المثابر، وإن دورا مهما ينتظر في هذا الصدد من النواب الأكراد في البرلمان التركي.


إن خطايا حزب العمال الكردستاني التركي هي استغلال وجوده داخل الأراضي العراقية لتنفيذ عمليات مسلحة داخل تركيا، ومعظمها لا يمكن وصفها بغير عمليات إرهابية مدانة، وإحراج الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كردستان العراق، باستغلال المشاعر القومية المتعاطفة مع طموح الشعب الكردي في تركيا استغلالا مكيافيليا على حساب العراق وشعب كردستان، وخلق أزمة ساخنة بين البلدين لمجرد حسابات انعزالية هائجة، دون مراعاة لا لمصالح القومية الكردية لا في تركيا ولا في العراق.


نعم، تركيا لم تكن حملا وديعا ولكن في أزمة اليوم لا يمكن إلقاء اللوم على تركيا، رغم أملنا في أن لا تلجأ إلى حلول عسكرية ذات نتائج وبيلة.
إن الحكومة العراقية وحكومة كردستان هما المسئولتان قبل غيرهما عن خلق فرص انفراج الأزمة بحمل حزب العمال حملا على نزع السلاح أو مغادرة العراق، وعلى أكراد العراق أن لا يقعوا في وهم أن موقفا حازما من الحزب سيكون بمثابة تطاحن كردي ndash; كردي، كما يصور بعض الساسة والمثقفون الأكراد.


إن الخطب الحماسية لبعض الكتاب الأكراد على شكل مقالات تنديدا بتركيا، وتمجيدا لما يعتبرونها quot;بطولات quot; حزب العمال، هي عين الموقف القومي الضيق جدا، الذي لا يدرك ما هي مصلحة أكراد العراق وأكراد تركيا، وما هي واجبات الساسة والكتاب الأكراد العراقيين كمواطنين في العراق الاتحادي.


إن على هذه الأصوات تقديم النصائح لقادة حزب العمال للكف عن العمليات المسلحة، واللجوء للأساليب السلمية، وداخل بلدهم تركيا، ومن أجل ديمقراطية متكاملة تمنح الأكراد حكما ذاتيا.


نحن لسنا هنا أمام quot;أمميةquot;، إذ لا يمكن لأكراد العراق ضمان تمتع أكراد تركيا، ولا إيران، ولا سوريا بحقوقهم القومية. إن حل قضاياهم تتم داخل بلدانهم وفي ظل نظام ديمقراطي علماني.

مراد مصطفى