بعد تصعيد متوال لنبرة التهديد والوعيد التركي ضد إقليم كردستان، يبدو أن الأمور أصبحت تتجه نحو التهدئة هذه المرة، بعد أن تلقت القيادة التركية صفعة قوية على وجهها من الرئيس الأمريكي من مغبة الإقدام على مغامرة عسكرية بكردستان العراق، فباتت ترضى وعلى مضض بأرباع الحلول بعد أن كانت تريدها كاملة الدسم عسكريا تنتهي بالقضاء المبرم على حزب العمال الكردستاني الذي يقود نضال الشعب الكردي في تركيا..
فبجهود أمريكا وليس بجهود العراق أو إقليم كردستان خففت تركيا من غلوائها وتنازلت من عليائها راضية ببعض الإجراءات السريعة التي إتخذتها حكومة الإقليم ثمنا لدفع الغزو التركي عن أراضي كردستان العراق..فلولا الفيتو الأمريكي الذي تلقاه أردوغان أثناء محادثاته مع الرئيس الأمريكي في واشنطن لكان الجيش التركي يسرح اليوم ويمرح في كردستان، ولا أدري ماذا كان سيكون مصير آلاف المسؤولين في حكومتنا، وبأي شيء كانوا سيحاربون الغزو التركي؟؟!.
وفي مراجعة لحسابات المواقف والسياسات الصادرة عن قيادتي الإقليم والعراق مع تلك الأزمة ينبغي التوقف عند بعض الملاحظات الضرورية.
ففيما يتعلق بموقف الحكومة العراقية، كانت هناك مواقف غاية في الميوعة والسفه في التعاطي مع أزمة كانت تهدد حرمة وسيادة الدولة العراقية، فبعض الأشخاص المقربين من السلطة بل والمحسوبين عليها أدلوا بتصريحات يستشف منها نوع من الشماتة والتشفي بالشعب الكردي، ناهيك عن صمت بعض أطراف الحكومة والكتل السياسية تجاه ما يجري صمت القبور وكأن أمر غزو آخر للعراق لا يهمهم، ناسين أو متناسين الآثار الكارثية التي جرها الغزو الأمريكي للعراق، فتنصلوا من مسؤولياتهم بالكامل تجاه تلك التهديدات، حتى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لم يكلف نفسه وجزء من أرض بلده يتعرض الى غزو محتمل، أن يأتي الى إقليم كردستان ليؤكد منه تضامنه مع قيادة الإقليم، وتأكيد إستعداد حكومته للدفاع عن إقليم كردستان الذي ما زال جزءا من الخارطة العراقية حسب الدستور العراقي، مع العلم أن الحكومة التي يقودها المالكي هي نفسها سببت الأزمة الأخيرة مع تركيا من خلال توقيع تلك الإتفاقية الأمنية المشؤومة مع الجانب التركي والتي جعلتها تركيا كقميص عثمان في إفتعالها للأزمة والتلويح بحرب ضروس على الإقليم.
لن أطيل الحديث عن المواقف المائعة والمثيرة لأكثر من تساؤل تجاه الأزمة، ولكني سأركز على موقف القيادة الكردية وتعاطيها مع تلك الأزمة، والإجراءات التي إتخذتها تباعا لإرضاء تركيا ولو على حساب الإلتزامات القومية.
ففي خطوة أعتبرها متسارعة إتخذت حكومة الإقليم قرارا خطيرا بإغلاق مقرات أحد الأحزاب الكردية وهو حزب الحل الديمقراطي الكردستناني الجناح المفترض للعمال الكردستاني في كردستان العراق. وبإعتقادي أن هذا اقرار كان خاطئا تماما، لأننا لا نعرف تحديدا فيما إذا كان هذا الحزب هو فعلا الجناح العراقي لحزب العمال الكردستاني أم لا؟؟ ثم أعتقد أن مجرد الإستجابة لهذا المطلب التركي يعني القبول بالتدخل التركي في الشؤون الداخلية للإقليم وهو التدخل الذي طالما رفضته القيادة الكردية مرارا وتكرارا سواء عبر تصريحات مسؤوليها، أو من خلال البيانات الصحفية الصادرة عن الحكومة أو البرلمان الكردستاني.
فهذا الحزب موجود منذ أربع سنوات في كردستان ويمارس نشاطاته التنظيمية والإعلامية مثل بقية الأحزاب الكردستانية ولم يعترض أحد على ذلك، لأن هذا الحزب لم يلجأ الى العنف مطلقا، كما أنه لا يمتلك ميليشيات مسلحة،وهو يعمل في إطار العملية الديمقراطية الجارية في الإقليم. والأكثر من ذلك فإن تركيا بنفسها لم تجرؤ على إغلاق مكاتب حزب المجتمع الديمقراطي الكردي الذي تتهمه الحكومة التركية لا بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني بل كونه جزءا منه، وأعضاء البرلمان الـ24 الذين فازوا بالإنتخابات التركية الأخيرة هم موالون لحزب العمال الكردستاني بحسب تلميحات نائب رئيس وزراء تركيا والمتحدث الرسمي باسم الحكومة والذي أشار في تصريحات سابقة له الىquot; أن التصويت البرلماني على غزو أراضي كردستان أظهر حقيقة تعاطف بعض نواب البرلمان التركي مع حزب العمال الكردستانيquot;.فإذا كانت تركيا غير قادرة على منع حزب كردي داخل أراضيها وهو متهم أكثر من حزب الحل الديمقراطي، ولا تجرؤ على غلق مكاتبه، فلماذا نتطوع نحن بدلا عنها بغلق مقرات حزب ما زلنا مشكوكين في حقيقة إنتمائه لحزب العمال الكردستاني، فما لا يجوزعندهم، لماذا نجيزه لها نحن؟!.
النقطة الثانية هي فرض الحصار الإقتصادي على حزب العمال الكردستاني من داخل إقليم كردستان..ورغم أن هذا الحصار تريده تركيا خانقا بهدف تجويع عناصر حزب العمال الكردستاني، ولكني أعتقد أن هذا الحصار مهما كان شديدا فإنه لن يكون مؤثرا الى درجة القضاء على هذا الحزب، لأن صدام حسين جرب ما هو أقسى وأشد من هذا الحصار على شعبنا الكردي في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.. فقد علمت من مصادر إعلامية أن حزب العمال الكردستاني بدأ منذ يومين بتوزيع وقود التدفئة ( النفط الأبيض) على سكان القرى القريبة من مقراته في جبل قنديل وتعهد لسكان القرى الواقعة قرب قنديل بأنه سيقدم لهم الإمدادات الغذائية والوقود في حال إغلاق الطرق المؤدية الى الجبل.،فإذا كان الحزب يفتقر الى الوقود لنفسه فكيف يوزعه على سكان عشرات القرى القريبة منه؟!... ثم أنا على يقين تام بأن هناك عدة منافذ يمكن لهذا الحزب أن يأخذ منها الغذاء، ليس أقلها منافذ التهريب التي تملأ المناطق الحدودية، فالمهربون الأكراد هم من أشطر مهربي الكرة الأرضية، لأن التهريب أصبحت مهنة يتوارثها الأبناء عن آبائهم في تلك المناطق منذ الأزل والى الأبد، وبناءا على ذلك لا أعتقد أن أي حصار يفرض على حزب العمال الكردستاني سيكون مؤثرا الى هذه الدرجة، ولكني من الناحية الإنسانية لا أرى أي وجه حق في تجويع مقاتلين يناضلون من أجل قضية قومية عادلة..
لم يبق من المطالب التركية غير مشاركة قوات البيشمركة الكردية في حملاتها المنتظرة على معاقل أو مقاتلي حزب العمال الكردستاني وهي حملات باتت وشيكة بعد رصد مواقع هذا الحزب في جبل قنديل بواسطة طائرات الإستطلاع التركية والأمريكية، ورغم أن هذه المشاركة سبق وأن تحققت في سنوات التسعينات وقدمنا كما قال السيد مسعود بارزاني ثلاثة آلاف وخمسمائة قتلى في حربنا المشتركة الى جانب القوات
التركية ضد العمال الكردستاني، لكن هذه المرة يجب أن تكون أي مشاركة ومن أي نوع كان ( خطا أحمر ) لدى القيادة الكردية، لأن الخطأ المكرر سيكون ثمنه باهضا هذه المرة، وعلى القيادة الكردية أن لا تنجر الى حرب ليست حربها كما أكدت ذلبك مرارا وأن ترفض أي ضغط خارجي أو داخلي بهذا الشأن، فلا تشارك في القتال ولا في تزويد القوات التركية بالمعلومات الإستخبارية ولا بالدلالة لها.. فتلك اللاءات الثلاث تشكل أضعف الإيمان يمكن أن نلتزم بها حتى لا يلعننا التاريخ الى أبد الآبدين..
شيرزاد شيخاني
[email protected]
التعليقات