مع نشوب الأزمة التي إفتعلتها الحكومة التركية مع العراق، توضحت لي الكثير من المواقف الشوفينية المتحاملة على الشعب الكردي تتسق في كثير من الأحيان مع شماتة واضحة بالتجربة الكردية في إقليم كردستان.


ولاحظت هذه المواقف تحديدا عبر تصريحات بعض الأطراف والشخصيات السياسية العراقية والعربية،وكذلك من خلال ردود وتعليقات بعض القراء على المقالات التي تناولت هذه الأزمة، حتى كادت تلك المواقف والردود تطغى بما يؤدي الى نسيان القضية الأساسية من الأزمة، وهي صراع حزب العمال الكردستاني التركي مع الدولة التركية. فقد كانت كل الإنتقادات السياسية والتحامل موجهة الى إقليم كردستان، فيما شماتة قراء المقلات كانت موجهة تحديدا الى الشعب الكردي..


ففي أزمة خطيرة مثل هذه والتي تهدد المنطقة برمتها وتشعلها في حال تنفيذ التهديد التركي، هناك الكثيرون ممن يفكرون مثل النساء بعواطفهم وليس بعقولهم، فيلجئون تحت تأثير الخطاب العروبي القديم السقيم، أو تحت تأثير دعايات الخصوم والأوساط الشوفينية والدعاة القومجية المطلين على القنوات الفضائية الى التحامل والشماتة بالأكراد، وكأنهم هم رأس البلاء في هذه المنطقة التي تعج برؤوس الأفاعي والذئاب الإرهابية الشرسة، فيتنكرون حتى لمباديء دينهم بأخذ شعب بأكمله بجريرة بعض الحكام والقيادات، ويحكمون عليه بالموت والقتل تحت بساطيل الجندرمة التركية. وينظرون الى هذا الشعب الخارج لتوه من عبودية سنوات طويلة تحت قبضة أنظمة جائرة غارقة في الحقد العنصري، كأنه شعب لا يستحق إلا الموت تحت أقدام الشعوب والقوميات الأخرى؟. وقد يكون بينهم من يرى الشعب الكردي سببا للبلاوي والمصائب النازلة على رؤوس العرب!. في حين أن الشعب الكردي كان للعديد من القرون الماضية، ضحية لظلم الأقوام والشعوب الأخرى، وأن الشعب الكردي في العراق على سبيل المثال قدم أنهارا من الدماء على طريق نيل حريته طوال ثمانية عقود من حكم أنظمة دكتاتورية غارقة في الحقد العنصري، فيما الشعب الكردي في بقية دول المنطقة ما زالوا محرومين حتى من التحدث بلغتهم الأم ومن التصريح بهويتهم القومية، ناهيك عن إنكار حتى حق مواطنتهم في البلد الذي يعيشون فيه.


لم يكن للشعب الكردي يد في ضياع فلسطين، الذي ضيعه أهله العرب بدءا من إستيرادهم للأسلحة الفاسدة أثناء حرب 1948، مرورا بهزيمتهم المنكرة في حرب عام 1967 التي أضاعوا فيها أراض وطنية شاسعة لعدة دول عربية، إنتهاءا ببيع القضية المركزية للعرب في سوق النخاسة على يد خليفة قائد العروبة أنور السادات، والتنازل عنها داخل الكنيست الإسرائيلي؟؟!!..


على العكس من ذلك، إرتبط الشعب الكردي بعلاقات نضالية مع الكثير من المنظمات الفلسطينية الثورية أثناء سنوات نضاله المرير ضد الإنظمة الدكتاتورية العراقية، وما زالت تلك العلاقات قائمة مع الكثير من الزعامات التاريخية للثورة الفلسطينية. ويكفي أن الشعب الكردي لم يطبع علاقاته مع إسرائيل على رغم كل المغريات المقدمة إليه طوال سنوات تحرره من الدكتاتورية الصدامية، في حين أن العلم الإسرائيلي يرفرف فوق أسطح مباني العديد من الدول العربية!!.


ولم يكن الأكراد كذلك سببا في نشوب الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب، فمكاتب المجندين من عرب الأفغان كانت تملآ الدول العربية بمباركة من حكامها، ولم يكن أي من هؤلاء المقاتلين الذين أدوا الجهاد الأكبر ضد الشيوعية العالمية كرديا يعود الى مصر أو المغرب أو السعودية ليفجر نفسه في منتجع أو مقهى للأنترنيت أو فندقا سياحيا، بل أن المصري والسعودي والمغربي هو الذي يأتي ليفجر نفسه في أربيل وكركوك والسليمانية وسط أطفال الكرد والتركمان حتى في صبيحة عيد الفطر المبارك.
ولم يكن الشعب الكردي وراء الصراع الطائفي السني الشيعي في العراق، بل أن رموز هذه الحرب اللعينة من الذين يعتبرون أنفسهم أحفاد عمر وعلي ( جيش المهدي وكتيبة عمر) هم من عرب العراق،ولم يحدثنا التاريخ عن وجود كردي حتى من بين تابعي تابعي التابعين لكي يكون سببا في نشوء الخلاف المذهبي الأزلي في الإسلام. بل أن الشعب الكردي وقف بإصرار ضد هذه الفتنة الطائفية التي تضرب العراق،وحاول دائما أن يقف وسيطا بينهما لتخفيف حدة هذه الفتنة، وأرسل العديد من شبابه الى بغداد وديالى الموصل وغيرها ليمنع تسعير تلك الفتنة البغيضة.


وقد يكون الكثير من العرب قد نسوا أن هناك رجالا أكراد في الدولة العراقية الجديدة نذروا أنفسهم من أجل إعادة بناء البلد على أنقاض الدكتاتورية، تاركين ورائهم شعبهم وأهاليهم ليزجوا بأنفسهم في أتون حرب طائفية تضرب البلد لا كأطراف في الصراع بل كوسطاء خير،وتركوا ورائهم كل مباهج الحياة الآمنة المستقرة ليسجنوا أنفسهم داخل المنطقة الخضراء عسى أن يعيدوا اللحمة الى جسد العراق الذي أنهكته سنوات الدكتاتورية.


فما الذي يدفع بالأخوة العرب الى أن يتحاملوا على الشعب الكردي الى درجة الترحيب بالجيش التركي وإطلاق التصريحات أو التعليقات المناصرة والمباركة لغزو لأراضي كردستان وهي كما يؤكد القادة ألأكراد مرارا أنها جزء من العراق؟؟!!.

فما الذي يفرق إذا ما غزا الجيش التركي أراضي كردستان العراق، أو غزا الجيش الإسرائيلي أراضي لبنان أو الأردن؟، فلماذا لا يتحاملون على سوريا قلعة الصمود والتصدي التي عجزت وما زالت تعجز عن إسترداد جولانها من الإحتلال الإسرائيلي، ويتحاملون بالمقابل على الشعب الكردي الذي ما زال يؤيد القضية المركزية للعرب ويدعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل إنشاء دولته المستقلة؟.
لقد وصل الحقد الشوفيني ببعض العرب الى حد أن يصفوا كردستان بإسرائيل ثانية في المنطقة، فكأني بهم قد حرروا أرضهم المقدسة من تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية، فيتيهئون للجهاد من أجل تحرير ( شمال العراق) من تحت أيدي الأكراد ومن ثم رميهم في البحر كما فعلوه مع اليهود الصهاينة، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن إسرائيل بمجرد أن تقطع اليوم الكهرباء عن غزة، فأن سكانها سيباتون في الشارع؟!.
فهل أن الشعب الكردي كيان مزروع وغريب على المنطقة لتكرهه شعوب المنطقة الى هذا الحد، أم أنه صاحب الأرض التي يعيش عليها ولم ينزل إليها من السماء؟!.وما السبب في هذه النظرة الشوفينية تجاهه وهو لم يفعل ما يضر العرب؟..فهل نسي هؤلاء العرب أن الشعب الكردي قدم للإسلام باني حضارتهم العديد من أفذاذ العلماء والمفكرين؟. أم تراهم قد نسوا أن أرض فلسطين المقدسة لم يحررها في التاريخ سوى رجل كردي هو صلاح الدين الأيوبي؟.


لماذا هذا التحامل والتشفي والشعب الكردي لايطمع بأرض أحد، ولايريد سوى تحقيق حقوقه القومية مثل سائر شعوب الأرض.ويريد أن يعيش بعزته وكرامته الى جانب الشعوب الأخرى بسلام وأمان من دون التعدي والقتل والإرهاب؟؟.
كم كانت صادقة ومعبرة تلك الأبيات التي أطلقها عمران بن قحطان بحق طاغية العرب الحجاج بن يوسف الثقفي الذي هرب من مبارزة إمرأة هي (غزالة الخارجية ) حين قال :
أسد علي،وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلي غزالة في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر
هذه الكلمات تنطبق اليوم على كل أولئك الأشخاص والأحزاب والدول التي تتشفي بالشعب الكردي، وتمني نفسها بالغزو التركي لإقتلاع الكيان الكردي في (شمال العراق) خافقة قلوبها دافنة رؤوسها بالرمال؟؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]