عند إنشائه أُعلن أنّ له عدّة أهداف أوّلها ربط الحضارتين العربية والفرنسية، إلاّ أنّ ما يُشاع عن معهد العالم العربي طيلة عشرين عاماً مضت، أنّه يذهب باتجاه واحد لمصلحة فرنسا، وهذا ما جعل البعض يُسارع إلى تأطير صورة المعهد وإظهاره كرافد من روافد الثقافة الفرنكفونية وداعماًً لها ممّا يعني اقتصاره على خدمة هذه الثقافة دون الثقافة العربية، رغم أنّ الواقع مخالف تماماً لهذا الرأي، حيث لم يسبق أن قام المعهد طيلة تاريخه بدور لافت في الفرنكفونية، وهذا يحضّ الباحث إلى دحض المزاعم التي تقول أنّ المعهد يُشارك في نمو تلك الثقافة ويُوسّع خريطتها داخل الوطن العربي. إضافة إلى الكثير من الإشكالات أهمّها الضائقة المالية الملازمة. والمتتبع يجد أن المعهد بقي طوال سنوات كثيرة يجترّ صور الحضارات القديمة المتتابعة في العالم العربي دون الوقوف على حاضر هذا العالم ودراسة مستقبله، كما لو أنّ العالم العربي لا يزخر حالياً بما يُمكن تقديمه للجمهور الفرنسي والأوروبي. وهناك من يتهم المعهد بأنّه يُقدم برامجه على أساس المعرفة الشخصية والمبادرات الفردية والانتقائية، فضلاً عن التحيّز كعدم دعوة بعض المثقفين من دول الخليج واليمن والسودان للمشاركة مثلاً في برنامج (كرسي معهد العالم العربي) المنشئ قبل عشر سنوات، فمجمل الضيوف في هذا الكرسي، من دول عربية بعينها دون غيرها!.
ويُحمّل آخرون مجلسَ السفراء العرب في باريس المسؤولية بصفتهم أعضاء في مجلس إدارة المعهد، إذ لا يخرجون بقرار موحد، لأنّهم يُنفذون قرارات وزارء خارجياتهم، وهي قرارات مختلفة التوجّهات، ولكونهم يفتقرون إلى القرار الملزم من الجامعة العربية ومراقبة مراحل تنفيذ ذلك القرار مع المعهد. وهناك إشكالية يُفوّت السفراء العرب حُلولَها على الدوام، وهي اعتماد المعهد في إدارته على أشخاص أغلبهم من جنسيات محدّدة مع ارتباطهم المباشر مع الرئيس ونائب المدير ـ وهما فرنسييْ الجنسية بموجب نظام الإنشاء ـ، وما يُقارب مائتين وخمسين موظفاً من بلدان معيّنة، معظمهم لا يُجيد اللغة العربية!. وهذا يحقق لتلك الإدارة الهيمنة، كما يرى البعض، مما يجعلها عصيّة على السفراء العرب في باريس إذ لا يُشكّلون دوراً ضاغطاً عليها، وما استطاعوا لقاء تلك الهيمنة إلاّ رفض المشاركة في برامج عشرينية المعهد ودعمها!.

وأشدّ العلل نكاية بهذا المعهد على رأي بعض مسؤوليه، تكمن في عدم وجود أجنّدة ثقافية سنوية لدى الدول العربية، مدافعين عن هذه المؤسسة بأنّها لا تستدرّ عطف أيّ دول عربية، وإنّما تطلب الالتزام بدفع الحصص المقرّرة حسب وثيقة إنشائه.
ولو أخذنا المملكة العربية السعودية كمثال من تلك الدول، فقد دعمت لإنشائه وتسيير أعماله بملايين الدولارات، وحُدّدت حصّتها بـ14 %، وهي أكبر نسبة مقرّرة على دولة منفردة، طوال ستة عشر سنة مضت ودون أيّ فعالية ثقافية. ويُذكر أنّ المعهد تقدّم في فترة من الفترات بجدولة مشاريعه للسفارة؛ لاقتراح برنامج ثقافي وفي الوقت الذي تُريده السعودية، ولكن لم تتقدم أيّ جهة رسمية لذلك!. كما أنّ هناك تبرعات قوامها ما يُقارب أربعة ملايين دولار وصل معظمها للمعهد، ومؤخراً استلم المعهد من سفارة خادم الحرمين الشريفين في فرنسا تبرع من الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمبلغ وقدره مليون يورو، علماً أنّ هذا التبرع بقي لدى وزارة الثقافة والإعلام منذ 2005م. بعد ذلك، وضرباً للحائط بدور السفارة السعودية، قامت الإدارة المعنيّة في وزارة الثقافة والإعلام السعودية بالتحرّك منفردة وباجتهادات شخصية فيها، لإقامة فعاليات في المعهد، ثم عادت الكَرّة وألغت الإدارة نفسها موعداً هامّاً لزيارة رئيس المعهد ومديره ونائبه للمملكة، كان المعهد قد نسّق مع السفارة للقيام بهذه الزيارة التي رغب مسؤولي المعهد أن تكون على أعلى المستويات، وذلك للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لشكر مقامه على تبرعه للمعهد وتثمين ذلك لجلالته، والوقوف على مشاريع المملكة المقبلة مع المعهد!. وهنا دليل على تواتر الأخطاء ذاتها في العمل مع معهد العالم العربي خاصّة. واليوم والمعهد يحتفل بعشرينيته تمت دعوة السعودية للمشاركة في هذه الاحتفالية من خلال الاستقبال والتشريف فقط كمقترح أولي!. وليس من الحقّ أنّ يُقدح ذلك في وجه المعهد وحده ما لم تكن هناك أسباب لا تذهب بعيداً عن علل الإدارات المختصة في المملكة. ويُذكر أنّ هناك توجهاً لإقامة فعاليات ثقافية سعودية في المعهد، وسيقف الجميع على تدنّي مستوى الوعي في إدارة نقل المنتج الثقافي السعودي نوعاً وكمّاً للعالم، وهو ذات المستوى لقيام الأيام الثقافية السعودية في عدد من دول العالم خلال 2007م، سواء من حيث اختيار الفعاليات أو الزجّ بالمثقفين السعوديين لمناشط لا يحضرها سواهم كمشاركين والوفد المرافق كجمهور متنقل من دولة إلى دولة!.

والسؤال الأهم لماذا بقيت الدول العربية تتمسك بهذا المعهد دون طائل؟، وهل يُعقل أن يتحمّل المعهد جريرة إنشائه لأهداف تتضارب الآراء في تنفيذها حتى اللحظة؟. ولماذا دائماً نتسابق إلى دعم الهيئات الدولية وليس لدينا مؤسسات قادرة على تفعيل هذا الدعم وتُجيّره لصالح ثقافتنا باتجاه الآخر؟. ثم ماذا يُنتظر من أشخاص معنيين بشؤون الثقافة توالت اجتهاداتهم غير المجدية لإنجاز فعل ثقافي لافت طوال السنوات القليلة الماضية في وزارة الثقافة والإعلام السعودية التي ما برحت تُقدم الفلكلور الشعبي كمصدر وحيد للثقافة؟!.
هذه أسئلة عالقة كالمآزق والعقبات التي تواجه معهد العالم العربي الذي تُشاركه في تلك الحال آليات تصدير ثقافتنا وجذر تراثنا للعالم، وكما لو أنّه يُراد لتلك الثقافة ذلك وبإدارات قاصرة وأشخاص يُعزّزون تخلفها!.
وأخيراً.. فإنّه يجب اليوم على الجهات ذات العلاقة في السعودية تحديداً أن تتحلل من القيم الذاتية والاجتهادات الفردية، فالمضمار ليس لأمجاد خاصّة أو لاحتكار العمل الثقافي بامتيازات شخصية بحتة، وإنّما يلزم التخطيط نحو بنية عمل متكاملة وجادة حراكها إلى العالم وإلى فرنسا خاصّة لما تُشكله هذه الدولة من ثقل كبير في المشهد الثقافي العالمي، فإنّ تحققت الشراكة المستدامة والتنسيق المستمر بين كافة الأطراف من وزارات أو سفارات وممثليات وملاحق سعودية في الخارج وتضافرت جهودها على السواء، عندها فقط سنحقق صياغة العمل المثال؛ لإشاعة ثقافتنا عالمياً وبوسائل منتجة لفريق مبصر حقّاً.

كاتب من السعودية