الفيدارالية كبديل للمذابح والحروب الأهلية

الفيدارالية هي نظام حضاري يطبق في الدول الديمقراطية مثل كندا واستراليا وسويسرا والولايات المتحدة. ربما يمكن وصف عملية الانتقال من نظام مركزي الى نظام فيدارالي بالطلاق الودي بين دول او دويلات لا تستطيع العيش معا في منزل واحد. الفيدارالية قد تكون الترتيب الأفضل كبديل للتناحر والقتل الجماعي والعنف.

الحالة العراقية

العراق بلد كبير المساحة متعدد الطوائف والأعراق. منذ غزو العراق وقبل غزو العراق كان واضحا ان العرب لم يستطيعوا العيش مع الأكراد والسنة يريدوا السيطرة على الشيعة بالقوة والشيعة لا يقبلوا ذلك. والاكراد لا يريدوا ان يخضعوا لسيطرة عربية سنية او شيعية.

لماذا نتوقع من الأكراد الآن ان يقبلوا العيش تحت حكومة مركزية تسلطية ظالمة كما حدث في عهد صدام حسين. الاكراد قادرون على ادارة شؤون كردستان بأنفسهم وبدون حاجة للتورط مع الشيعة والسنة والذين شغلهم الشاغل الآن هو قتل بعضهم البعض.

حتى اثناء الحرب الأهلية نعم الحرب الأهلية المسعورة المشتعلة الآن بين السنة والشيعة الأكراد يعيشوا في أمن ورخاء نسبيين واذا ارادوا دولة مستقلة منفصلة فلما لا؟

نسمع الكثيرعن وحدة العراق وما فائدة هذه الوحدة اذا كانت ستفرض بالقوة. ما فائدة الوحدة اذا كان الثمن مئات الألاف من الضحايا.

لماذا الاصرار دائما على وحدة العراق واعتبارها خط أحمر خاصة ان العراقيين أنفسهم المعنيين في الموضوع أكثر من أي عربي آخر غير قادرين على العيش معا بسلام. لماذا فرض وحدة بالقسر والاكراه على طوائف واعراق ترفض التعايش. لماذا نفرض الديمقراطية على شعب لا يريد الديمقراطية ويمكن طرح اسئلة كثيرة من هذا النوع.

لماذا اجبار طوائف واعراق لا تحب بعضها البعض ان تعيش تحت سيادة دولة واحدة لا يقبلوا بها. من اشتراطات الوحدة او الاتحاد هو القبول من قبل مكونات الدولة وليس الاكراه. نعم كانت العراق موحدة قبل الغزو ولكنها كانت وحدة مبنية على أسس الخوف والاضطهاد والقمع والقبضة الصدامية الحديدية وليست على أسس القبول والرضا والتسامح والمحبة والتعايش السلمي.

اثناء الحكم الصدامي تعرض مئات الاف من الأكراد الى الهلاك على أيدي السلطة المركزية وعشرات الالاف من الشعية لاقوا حتفهم على أيدي صدام وجيشه. فالوحدة بأي ثمن هي نظرية سخيفة خاصة في دولة مثل العراق. انظر لما حدث في يوغوسلافيا عندما حاول الصرب استعباد شعب البوسنة والهيرسك والشعب الالباني في كوسوفو والكروات في كرواتيا. وانظر لما حدث في جزر تيمور الشرقية وفشل حكومة اندونيسيا بفرض حكمها على شعب لا يحب الاندونيسيين. وانظر الى السودان الكارثي كمثل على فشل حكومة مركزية في ادارة الدولة. والمثل الأكبر هو انهيار الاتحاد السوفياتي الى دول ودويلات مستقلة ترتبط بموسكو ارتباطا خياريا.

مؤيدوا الفيدارالية في العراق يقولوا أن العراق تحتاج الى 3 دول تحت مظلة فيدارالية، دولة شيعية في الجنوب. دولة سنية في الوسط والاكراد في الشمال. كل دولة تدير شؤونها الداخلية من تعليم وصحة وأمن ولكن الدفاع والخارجية تبقى في يد الحكومة الفيدارالية (ألاتحادية).

نفط العراق وتوزيع الثروة

الثروة النفطية ومسؤولية توزيعها تكون من مسؤولية الحكومة الفيدارالية. قد تستعين هذه الحكومة بلجنة او هيئة دولية تشمل خبراء في الصناعة النفطية والقانون الدولي للعثور على معادلة عادلة لتوزيع الثروة.

بغض النظر عن موقع آبار النفط كل العراق يجب ان يستفيد من الثروة النفطية.

في بريطانيا مثلا يتم استخراج النفط في من بحر الشمال. وهذا يعني انه يقع في مياه اسكوتلاندا الاقليمية والجغرافية ولكن رغم ذلك كل بريطانيا تستفيد. النفط النرويجي يذهب لكل النرويج وليس فقط للمناطق القريبة جغرافيا لحقول الانتاج البحرية. في روسيا مشاريع الغاز الطبيعي والنفط تتركز الآن في جزر ساخالين في أقاصي الحدود الشرقية القريبة من اليابان والصين ولكن الفائدة تذهب لكل روسيا وليس فقط للمناطق التي تقع فيها حقول وآبار الانتاج.

الشرط الأساسي لدولة مركزية موحدة:

لمن يعارضوا فكرة الفيدارالية عليهم أن يجيبوا على السؤال التالي:

هل يقبلوا ان المواطنة وحق المواطنة تعتبر الأساس وتحل محل العقيدة والدين والطائفة والمذهب؟
نظريا يمكن توحيد العراق في دولة واحدة مركزية علمانية يتم فيها فصل الدين عن السياسة فصلا كاملا وكليا ويتم الغاء المذهب والطائفية والدين والعرق وحذفه من الهويات الشخصية والسجلات الحكومية وتكون المواطنة هي الأساس. اذا كان هذا ممكنا لا أحد يستطيع ان يعارض مشروع وحدة وطنية ولكن على واقع الأرض الانقسامات بين الطوائف المذاهب عميقة جدا والتمسك بالمذاهب والدين والعرق أدى الى تدمير البلد وتمزيقة على أسس طائفية فلماذا التظاهر ان العراق موحد.

تعتبر بريطانيا مثلا رائعا عن الدولة المركزية الموحدة حيث لا يوجد تمييز او تفريق ما بين الايرلندي الشمالي والاسكتلاندي والانجليزي والولشي الذي يأتي من مقاطعة ويلز. الأوراق الثبوتية وجوازات السفر لا تشير الى الاقليم والدين والمذهب او لأصل بل تقول: بريطاني.
هل هذا ممكن في العراق؟.

عندما يكون هناك طوائف واعراق لا تستطيع التعايش بأسلوب حضاري تحت دولة مركزية ديمقراطية لا حل سوى الانفصال والاستقلال أو الفيدارالية.


الحالة اللبنانية

وهذا قد يحدث في لبنان اذا استمر التشنج والتوتر والتحدي والرفض. علينا ان نجيب بصراحة على السؤال التالي ايهما أفضل الحرب الأهلية ام الانفصال بين الاطراف المتنازعة وهذا يعني بالضرورة دولة شيعية دينية في الجنوب مدعومة ايرانيا ودولة علمانية في الوسط والشمال تشمل التحالف السني الماروني. أي دولتين وبعلاقات جيدة وكلاهما تدير شؤونها بالطريقة التي تناسبها دون التدخل في شؤون الآخر. يحق لأي منهما ان يتحالف مع من يريد وبدون التدخل في شؤون الآخر. واذا اتفقا على تشكيل دولة فيدارالية تكون مسؤولة عن السياسة الخارجية والدفاع كان به واذا لم يتفقا فالطلاق هو الحل.
الجدل والتحدي القائم والمواجهة وتعطيل الحكومة يشير انه لا يوجد قواعد للاتفاق. في هذه الحالة الطلاق قد يكون المخرج. أيهما أفضل للبنان أن يبقى ساحة للصراعات الاقليمية والدولية والفوضى الداخلية ويبقى متحدا بالاسم فقط او يتم الطلاق على الأسس المذكورة أعلاه. أيهما أفضل حرب أهلية دامية تأكل الأخضر واليابس أم طلاق باتفاق. لتجنب سيناريوهات من هذا النوع لماذا لا يتوصل اللبنانيون الى اتفاق طائف جديد يحافظ على وحدة البلد ولكن قوى اقليمية منتفعة ستفشل أي مخطط لاستقرار لبنان ووحدته.

الحالة الفلسطينية

رغم الجدل البيزنطي القائم بين حماس وفتح ورغم التهديدات والاهانات والاتهامات المتبادلة والعنف المتبادل وأعمال الخطف العشوائية أضف الى ذلك خطر الانزلاق في مشروع تمزق على النمط الصومالي. رغم كل ذلك أليس من غرائب المفارقات ان اسرائيل وحدت الفلسطينين تحت مظلة الاحتلال. وسمعت من مصدر فلسطيني مؤخرا عن مخطط غير معلن لفصل الضفة الغربية كليا عن غزة وحسب هذا المخطط الغير معلن: غزة ستكون دويلة دينية أصولية تطبق الشريعة على النمط الطالباني وتكون حدودها مغلقة مع اسرئيل والضفة الغربية والمنفذ الوحيد يكون عن طريق مصر.
وهل سينقذ لقاء مكة المكرمة هذا الاسبوع بين فتح وحماس وحدة الاراضي الفلسطينية؟.

والضفة الغربية تكون دولة علمانية حديثة مرتبطة مع الأردن.
فكرة الفيدارالية بين الأردن وما تبقى من فلسطين طرحت اواخر السبعينات ولكنها لم تنجح بسبب التعنت وقصر نظر القيادات الفلسطينية آنذاك والمراوغة الاسرائيلية والتلكؤ العربي. واعادة احياء الفكرة يحتاج الى شجاعة وبعد نظر وكلاهما شحيح في الوقت الراهن.


من البديهيات ان الدول والشعوب المتخلفة لا تستطيع العيش بطريقة حضارية كما هو الحال في الدول الفيدارالية مثل أميركا وكندا واستراليا والهند وسويسرا. الشعوب المتخلفة لا تقبل العيش في دولة واحدة الا بالاكراه وقوة الحديد والنار.

نهاد اسماعيل

لندن

nehad ismail ndash; London، UK