تشير أحصائيات غير رسمية يعتقد أنها من جماعات إسلامية، الى وجود ما يزيد عن 300 ألف راقصة في مصر.. وأعتقد أن الرقم أكبر من ذلك بكثير، بدليل ما نراه في أفلام الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي التي تعيد عرضها القنوات الفضائية العربية، من حشد عشرات الراقصات حول أحد المطربين وهن يلبسن ما يكشف ( البتاع) في الأفلام الإستعراضية التي كانت سائدة بتلك الفترة،على عكس راقصات هذه الأيام اللاتي يخفين ما تحت السرة حتى الكعبين خوفا من التنظيمات الإسلامية، ويكشفن ما فوق السرة حتى الغمز بالعيون إرضاء للقنوات الفضائية؟؟!!


وهذا يعني أن مصر لها باع طويل في تربية وتعليم الراقصات، وكان عادل إمام على حق عندما أجاب محامي المتهم بقتل الراقصة عنايات أبو سنة قائلا quot; يا بيه لو كل واحد عزل عشان تحتيه وحدة رقاصة، البلد كلها حتبات في الشارع quot;؟؟! ورغم إستهجان السيد رئيس المحكمة لكشف هذا السر الخطير الذي يمس سيادة وأمن الدولة، ولكنها كانت حقيقة نطق بها عادل إمام.


المهم أن مصر التي أسست معاهد ومدارس للرقص الشرقي، والتي تصدر كل سنة مئات الراقصات الى بلدان العالم، خصوصا من المتدربات الأوكرانيات والأستونيات وبلدان الشرق الأخرى ليست بحاجة الى إستيراد راقصات كرديات كما أكد ذلك السفير المصري في السويد عند لقائه بوفد من منظمة ( جاك) المعنية بالدفاع عن حقوق ضحايا الأنفال. ولكن الوثائق الرسمية التي تم الكشف عنها عقب سقوط النظام الدكتاتوري السابق تشير الى جريمة حدثت وكانت المخابرات المصرية شريكة في تلك الجريمة.
فقد عثرت السلطات الكردية على وثائق رسمية دامغة تؤكد قيام دائرة المخابرات العراقية ببيع 18 فتاة كردية في عمر الزهور الى نظيرتها المخابرات المصرية التي وزعتها بدورها على ملاهي مصر للعمل فيها كراقصات ونادلات!!..


وهناك دلائل كثيرة على إتمام هذه الصفقة غير الشريفة بين دائرتي المخابرات لأن ضحايا الجريمة تم العثور على بعضهن في مصر خلال الفترة الأخيرة، فيما فقد أثر الباقيات في الزحام الليلي بالقاهرة وفي شارع الهرم.


وأجرى أحد الصحفيين الأكراد لقاءا مطولا نشر في الصحف المحلية مع أحدى الضحايا التي كانت تعمل في ملهى ليلي بالقاهرة، و التي أكدت أنها كردية من مدينة كركوك، وأنها سيقت الى مصر مع بقية الفتيات، وأشارت الى فتاة أخرى تعرفها وهي تعمل أيضا في ملهى آخر..


وقالت هذه الفتاة التي تغير إسمها quot; أن أول مكان وطأتها قدماها في مصر بعد إنزالها من الطائرة كان مقر المخابرات المصرية، وأنها تعرفت على هذا المكان بعد مرور بضعة سنوات على إقامتها في القاهرة وتعرفها على أحيائها وشوارعها!.


ومنذ اليوم الذي تم فيه العثورعلى هذه الوثيقة المشينة التي تعبر أيما تعبير عن مدى الحقد الشوفيني للطغمة الحاكمة المجردة من كل القيم الأخلاقية والإنسانية والإسلامية، والدم يفور من رؤوس الأكراد لمعرفة أبعاد هذه الجريمة البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية ومعاقبة المسؤولين عنها، وتشكلت لجان ووفود، وبذلت جهود كبيرة لكشف مصائر هؤلاء الفتيات ( سبايا القرن العشرين).


وآخر الجهود المبذولة بهذا الصدد كانت زيارة وفد منظمة ( جاك) الكردية المعنية بحقوق ضحايا الأنفال الى السفير المصري في السويد الذي أكد في دفاع بائس عن حكومته quot; أن الحكومة المصرية تعارض مثل هذه المواقف اللاإنسانية، مشيرا الى،أن علاقات مصر بالعراق في عام 1989 كانت سيئة للغاية، وأنه حال سقوط صدام حصل الأمريكيون وهم أصدقاء إسرائيل على هذه الوثيقة مما يشعرنا بأنها وثيقة ( مصطنعة!) تهدف الى الإساءة لمصر. وأكد السفير quot; أن أي سفارة مصرية ليست مستعدة للتعليق بشكل رسمي حول هذا الموضوعquot;؟


وهذا الموقف الرسمي بالذات أثار شكوكا بوجد علاقة لمصر في تلك الجريمة. لأسباب متعددة من أهمها: أولا أن الوثيقة المشار إليها تم العثور عليها في دائرة مخابرات كركوك وليس في بغداد أولا، ثم هناك من وجد نسخ من تلك الوثيقة في قصور صدام في أماكن متفرقة من العراق مما يعزز من صدقية الوثيقة الأولى..


ثانيا، هناك شهود إلتقوا بضحايا هذه الجريمة داخل مصر، ويمكن العثور عليهن في حال موافقة الحكومة المصرية على متابعة الموضوع وكشف ملابسات الجريمة. وأخيرا فإن سوق هذه المسالة الى نظرية المؤامرة، أمر غريب رغم أن من عادة العرب دائما إقحام إسرائيل في كل إخفاقاتهم ومشاكلهم مع الآخرين، لكن من الغريب أن تسوق مصر تبعات هذه الجريمة على إسرائيل أيضا لأن علم السفارة الإسرائيلية كان وما زال يخفق فوق سطح سفارتها في القاهرة، وأنها ( زي السمن على العسل) مع إسرائيل، وأمريكا هي حليفة لمصر وتقدم لها مليارات الدولارات سنويا كمساعدات إقتصادية، في حين لا إسرائيل ولا أمريكا ذاتها تقدم عشر معشار تلك المساعدات الى الشعب الكردي في العراق.


والأهم من كل ذلك هو ما قاله سعادة السفير المصريquot; من أن السفارات المصرية في العالم ليست مستعدة للإدلاء بأي تصريح رسمي حول الموضوع، لا بل أن السفير ذاته طلب عدم تسجيل أو تصوير المقابلة التي أجريت معه من قبل منظمة (جاك) حتى لا يعطي إنطباعا للآخرين بتفسير اللقاء بشكل رسمي.. وهذا بالذات ما زاد الشكوك بحقيقة وجود دور مصري في الجريمة. وإلا لماذا ينورنا سعادة السفير بوجود ملاك زائد من الراقصات في مصر، ويحجم عن إدلاء بأي رد رسمي تجاه حتى ما يمكن وصفه بالمزاعم الكردية حول الموضوع.


فإنكار السفير المصري المشاركة في تلك الجريمة لا يكفي، خصوصا وأن المنظمات الكردية المعنية بالموضوع تدعي أن بيدها الكثير من الوثائق الرسمية التي تؤكد ضلوع المخابرات المصرية بالجريمة، بالإضافة الى وجود نفس الوثائق بيد الأمريكان الذي سيأتي يوم ويكشفون عنها.


على الحكومة المصرية أن ترسل وفدا الى كردستان للتحقق من هذا الموضوع بدل السكوت أو التستر على بعض الضالعين في الجريمة، ففي كردستان هناك أشخاص يملكون دلائل أكثر، ولكنهم يريدون الكشف عنها أمام لجنة تحقيق خاصة بضمان الحفاظ على حياتهم، وبينهم عدد ممن إلتقوا بعدد من تلك الفتيات في ملاهي مصر.


وبالمقابل على حكومة أقليم كردستان وعبر وزارتها المختصة ( شؤون الأنفال ) أن تسعى لدى محكمة الجنايات العليا التي تنظر في قضية الأنفال حاليا لإستدعاء مسؤولين مصريين لمثولهم أمام المحكمة والرد على الإتهامات الموجهة اليهم بالضلوع في تلك الجريمة البشعة، فالتصريحات النافية الخارجة عن القنوات الرسمية المصرية لا تكفي لكشف ملابسات أبشع جريمة أخلاقية إرتكبها النظام الفاشي في العراق، وإلا فستبقى آثار هذه الجريمة جرحا لا يندمل في الجسد الكردي الذي له اليوم حصة كبيرة في حكم العراق..

شيرزاد شيخاني

[email protected]